الرائدة في صحافة الموبايل

المغرب.. إشكالية الدين والدولة

انور اديب

تعتبر اللغة وعاء الفكر لدى البشر فكانت صياغة أي نموذج أو وضع اجتماعي ثقافي سياسي رهين بالاعتماد على آلية تواصل (اللغة) داخلي يتيح للتطور الاجتماعي السير تحت تأثير سقف تلك اللغة ومفرداتها.. وعليه تبدأ دورة التغيير الحضاري انطلاقا من هذا المحدد(اللغة) بالنظر في تأثيره التاريخي على الشعوب التي تفاعل في محيطها..إذا تطرقنا إلى عالمنا المنسوب إلى تلك اللغة!!(العربي) سنضطر إلى طرح جملة من التساؤلات الملحة :

من الناحية التاريخية

قدم الإسلام نظريته في ظل واقع عالمي مستقر على مسار اجتماعي وديني وثقافي ولغوي متنوع إلى حد كبير؛ بحيث ربط مقاصده فهما وتنزيلا وسلطة بمدى استيعاب وتبني اللغة الجديدة، التي حملت في بنيتها ثقافة جديدة تتمايز مع محيطها الجغرافي ناهيك عن دور التفوق العسكري للقبائل العربية حينها الذي أسهم في فرض واقع عممت بسببه اللغة العربية عن طريق الدرس الديني والشعائر التي يمارسها المسلم في حياته كالصلاة وقراءة القران مثلا.. أدى هذا التحول إلى تغييب الخصوصيات التي تتأسس عليها تلك المجتمعات الناطقة بلهجاتها المحلية، وتكريس التبعية للعنصر العربي؛ فتأثير اللغة ينسحب على المنتج الثقافي للإنسان ويتحكم في منظوره للإحداث.

لا يتنافى بقاء المجتمعات ناطقة بلغاتها المحلية تواصلا وتثقيفا وتعليما مع دخولهم في الإسلام وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه بل قد تكون النتيجة سلبية من الناحية الحضارية بحيث تكون حاجزا أمام عملية الاستيعاب لتلك الأفكار والنظريات التي يراد لها أن تكون قاعدة البناء والانطلاق؛ فلا مناص حينها من الترجمة للهجات تلك الشعوب وتركها تتفاعل مع معاني; الرسالة دون ادني حاجة للوصاية عليها… أما من الناحية المعاصرة فنحن أمام جدران سميكة يجب هدمها لتصحيح خارطة الطريق أمام الشعوب المغاربية التي انأ جزء من نسيجها ومتطلع لان تكون منطقة إشعاع حضاري في العالم لامتلاكها كل مؤهلات النجاح.

تكمن في نظري نقطة البداية في الوعاء الحامل لبذور التغيير والذي هو اللغة التي كما ذكرنا تحمل الفكر والمشاعر وترسم المستقبل والأفق؛ فالمجتمعات المغاربية ذات لهجة محلية بها تتواصل وتتفاعل وللأسف لازال العلم والأدب والفكر ينتج باللغة العربية لأسباب تاريخية ودينية ما يجعله لا يصل إلى كل الفئات الاجتماعية فتبقى عملية الوعي والتنوير محصورة في جزء قليل بينما الجمهور العريض في غيا بات الجهل والتخلف….

سياق التعريب

في سياق هذا الواقع الثقافي وهو التعريب الذي شهدنه المنطقة تولدت إشكالات عديدة حالت دون وصول المعرفة إلى العمق الاجتماعي ناهيك عن التبعية التي تجعل المغرب العربي أسير الثقافة مشرقية حجازية; تذوب في حضنها الخصوصية المغاربية التي تعيش في شرنقة التضارب بين لهجة الشارع و المعيش اليومي; ولغة وافدة تحمل له أسس الحضارة والمستقبل الزاهر لا يستوعب خطابها ولا تبلغ الجزء النفسي منه ومشاعره؛ ناهيك عما يتسرب إلى الداخل من أفكار وافدة من شانها تأزيم الوضع الداخلي عن طريق اللغة العربية علما إن المشرق والحجاز بات منطقة موبوءة على مستوى الفكر والتصورات كونه لم يتعرض لتجديد فكري ونقد داخلي; فلا غرو أن يقذف بكل ذلك إلى الجوار الذي يتقاسم معه عاطفة دينية اتجاه الإسلام، كما أن الجمود الذي يلف العربية بحيث بقيت رهينة في قاموسها لمراحل تاريخية مضت دون بلورة وتطوير لغة داخلية جديدة تتعاطى مع التغيرات الجديدة على كافة المستويات..

فاللغة الفرنسية مثلا التي سادت قبل خمسة قرون ليست هي الفرنسية التي تتداول اليوم لقد طالها تحوير للتعامل مع ديناميكية المجتمع والعالم وهكذا; .. ولعلنا نتساءل اليوم ما هي الحصيلة التي أحرزتها المنطقة من عملية تعريب المعرفة دون صياغتها بلهجة محلية تجعلها في متناول المجتمع برمته؟؟!!! بالإضافة إلى صعوبة تعليم قواعدها وتعقيدها ما يجعلها كابوس في نظر الكثير من الطلاب كما أنها اليوم ليست وسيلة لتحصيل لقمة العيش بسبب التخلف والانحطاط الذي تعيشه منطقة الجزيرة والمشرق العربي؛ وحرماننا من الاطلاع على الأبحاث التي تصدر بلغات أجنبية لحضارات متفوقة حضاريا يجدر بنا الاحتكاك بها معرفيا حتى نستعيد المسار المفقود الذي يصل بنا إلى ركب الدول المتحضرة .

لا أعتبر هذا تحاملا على اللغة العربية ولكن في نظري يجب أن تبقى ضمن تراث ثقافي مفتوح لمن أراد الاطلاع عليه في مسارها التاريخي… اذكر من سلبيات عدم تحرير هذا الإشكال ووضعه في سياقه الطبيعي هو النظرة التي تعتمل في داخل المغاربة إزاء  أهل الجزيرة والمشرق العربي عندما يتحدثون بالفصحى نظرة تضفي نوعا من القدسية والإجلال والتسليم لهذا المتكلم …. مع العلم أننا في ميزان العرب الغني بالنفط لا نعدو شعوبا دونية ولسنا ف مستواهم ….إن هذه اللغة بالنسبة لهم أداة من أدوات القوة الناعمة والسيطرة الروحية على الشعوب الأخرى وتكريس التبعية .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد