الرائدة في صحافة الموبايل

الروائي المغربي الكبير “محمد سعيد احجيوج” في حوار خاص مع “دنا بريس”

من طنجة “العالية”، مدينة الرياح والأهواء او كما وصغها الكاتب المغربي حسن نجمي: “طنجة مفتوحة، مدينة متعددة، مدنٌ في مدينة. فيها شيء من الإسكندرية، و شيء من بيروت، و شيء من أثينا، و شيء من البندقية، و شيء من سان فرانسيسكو .“ حيث الأزقة القديمة تحكي قصص الثقافات المتجاورة، من هناك انطلقت رحلة محمد سعيد احجيوج وكانت البداية شعرا يحمل في طياته شجن الحلاج وثورة المتنبي، لتكون قصائده شواهد حية على نبوغ أدبي يطل على الألفية الجديدة.

لكن، لم تكن الكلمات المقفاة كافية لرجل يلاحق أفقًا أرحب، فقد قاده شغفه إلى عوالم النثر، حيث أتت مجموعاته القصصية “أشياء تحدث” و”انتحار مؤجل” كبداية لنسج عوالم جديدة من السرد. غير أن هذا المسار لم يخلُ من منعطفات حادة، من الواقعي والحضور في المشهد الأدبي لينغمس في رحاب العالم الرقمي كمنصة لتعزيز المحتوى العربي ومد الجسور بين المبدعين.

ليعود بقوة كما رحل اوأكثر لعوالم السرد. فجاءت روايته “كافكا في طنجة” التي عبرت حدود اللغات، تُرجمت إلى اليونانية والإنجليزية وحتى العبرية والإيطالية، فكأن طنجة ذاتها أهدته تعدديتها الثقافية. ولم تتوقف مغامرته عند هذه الحدود؛ ففي “ليل طنجة” غاص في جراح التاريخ، وفي “أحجية إدمون عمران المالح” استكشف تراجيديات الهوية اليهودية المغربية، مجسدًا شتات الإنسان بين الولاء والانتماء.

لتتواصل أعماله.. من “متاهة الأوهام” إلى “كهف الألواح” ثم “الرحلة إلى جبل قاف”، كل عمل منها يروي بأسلوب مختلف أسئلة الهوية والانتماء والولاء. حتى بلغ التجريب السردي عنده ذروته في أحدث أعماله “أسفار الإدريسي”، حيث استطاع أن يصنع نصًا أدبيًا يوازن بين عمق التراث ونبض الحداثة.

يقف محمد سعيد احجيوج عند مفترق الطرق بين الورقي والرقمي، بين الماضي والمستقبل، في نسيج أدبي يصدح بأن الأدب في جوهره مرآة للإنسان، فكان لنا معه هذا الحوار.

الأديب والروائي الكبير ذ. محمد أشكرك جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة لنتعرف على سخصكم الكريم قراء ومتابعي “دنا بريس”.

سرال: هل لنا بفلاش باك والعودة بكم إلى البداية والنشأة؟ وهل للدراسة أثر على موهبة الكتابة والإبداع الأدبي؟

    البداية تأتي دائمًا من الحكايات الصغيرة التي تُروى على الهامش، من الكتب التي تفتح لك أبوابًا لا نهائية ومن شغفك بأن تعرف ما وراء الكلمات. أما الدراسة، فهي سلاح ذو حدين؛ في أحيانٍ توجه الموهبة، وفي أحيانٍ تقيدها. بالنسبة لي، كانت الكتابة فعلًا شخصيًا خالصًا، استُقيت عناصره الأولى من قراءاتي المبكرة ومن انغماسي في عوالم الأدب المتنوع.

    سؤال: وهل كانت البداية مع الرواية أم مع فن آخر؟

      البداية كانت مع الشعر والقصة القصيرة. لكن يوم احتجت للحفر عميقًا كانت الرواية هي الأنسب للغوص في أعماق شخصيات وأحداث العالم الذي أخلقُه، وتسمح لي بالتعبير عن الهواجس الفكرية والتساؤلات الكبرى التي لا تكفيها قصيدة أو قصة قصيرة.

      سؤال: من هم أبرز الكتاب والروائيين الذين تحبهم حضرتك قديمًا وحديثًا سواء عرب أو أجانب؟

        الكاتب الذي أُحبّه ليس بالضرورة الأشهر، بل من يترك أثرًا في داخلي. أُقدر كل من يغامر بأساليب جديدة ويطرح تساؤلات أكثر مما يفرض أجوبته علينا. الأدب هو تجربة حية، وما يعنيني فيه هو الصدق الفني أكثر من الأسماء… والحقيقة، أغلب الأسماء الشهيرة “منفوخ فيها” أكثر مما يجب.

        سؤال: مسيرة زاخرة بالعطاء والنجاح، لكن دعنا دعنا نقف عند عنوان مهم “أحجية إدمون عمران المالح”؟ هلا حدثنا عنها وكيف جاءتك الفكرة؟

          كانت “أحجية إدمون عمران المالح” مساحة غنية لطرح الأسئلة حول الهوية والانتماء والذاكرة. جاءت الفكرة من رغبة عميقة في استكشاف تعقيدات نزوح المغاربة اليهود إلى إسرائيل. لكن كما أشرت في حوارات سابقة، مرحلة الكتابة مرت بمنعطفات كثيرة قبل أن تصل الرواية إلى صيغتها الأخيرة التي نُشرت بها. حصلت الرواية على اهتمام كبير من النقاد، لكن على مستوى القراء بقي الاهتمام محدودا، فأغلب القراء يكتفون بما تحدده لهم قوائم الجوائر.

          سؤال: رواية “كافكا في طنجة”.. كيف كان الربط بين كافكا والأدب العالمي ومدينة طنجة في هذا العمل المتميز؟

            كافكا يمثل عبثية الوجود والبحث الدائم عن معنى في فوضى الحياة، بينما طنجة، بتراثها وتنوعها الثقافي، هي المكان المثالي لرسم هذا التلاقي. الرواية ليست عن كافكا في طنجة فحسب، بل عن كل ما يمثله هذا اللقاء من احتمالات. هي بالأحرى، وبشكل أساسي، عن احتمالات اللقاء مع الوحش الذي يسكن داخل كل منا.

            سؤال: بالمناسبة، هل لي بسؤال عن الكتابة وسوق النشر، كيف ترى الوضع حاليًا؟

              سوق النشر اليوم هو ساحة مزدحمة بالتحديات. هناك كثرة في الإصدارات، لكن القليل منها يلقى القراءة الحقيقية. دور النشر غالبًا ما تعمل بعقلية تجارية محضة مثل: إطبع أكبر عدد ممكن من الرواية دفعة واحدة وارميها إلى القراء في انتظار أن تنجح رواية واحدة منها لتغطي كل مصاريف، وأرباح، الناشر. أما القارئ فهو ضحية هذه الوفرة الرهيبة في النشر، وضحية إدعاءات الجوائز، خاصة جوائز الرواية، التي تدعي أنها تقدم له أفضل ما يُنشر عربيا، والحقيقة بعيدة عن ذلك.

              سؤال: هل ترى أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل أثرت على الأدب وجمهوره سلبًا أم إيجابًا؟

                التكنولوجيا سلاح ذو حدين. من جهة، أتاحت انتشار النصوص على نطاق واسع، ومن جهة أخرى، جعلت الاستهلاك السريع هو السائد.

                كيف ترى الأحداث في المنطقة العربية وتأثيرها على الكتابة والأدب؟

                  الأدب لا ينفصل عن الواقع. الأحداث في المنطقة تعيد تشكيل وعي الكاتب والجمهور. هي مادة خام للتفكير والنقاش، والأدب الذي يتجنب الاشتباك مع هذه التحولات يفقد عمقه وتأثيره. لكن يبقى السؤال: هل القارئ ومعه الناشر وأصحاب الجوائز يريدون هذا التماس مع الواقع والتحولات المصيرية؟ ومن ثمة السؤال الضمني: هل يكتب الكاتب ما يراه أحق أن يكتب أم فقط ما يريده السوق؟

                  وما رأي حضرتك في تناول الإعلام للأدب والثقافة؟

                    الإعلام، للأسف، غالبًا ما يختزل الأدب والثقافة في مظاهر احتفالية سطحية، بدلًا من أن يغوص في عمق النصوص وأبعادها الفكرية.

                    هل تسمح بتوجيه رسالة للكتّاب الذين هم في بداية الطريق. بماذا تنصح الشباب المغربي والعربيعمزما؟

                      الكتابة رحلة طويلة، تحتاج إلى صبر وشغف وصدق مع الذات. أقول للشباب: اكتبوا ما تحبون أن تقرؤوه، لا ما يطلبه السوق. ابحثوا عن أسئلتكم العميقة، ولا تخافوا من أن تكونوا مختلفين. الأدب الحقيقي هو الذي ينبع من الذات ويخاطب الإنسانية جمعاء.

                      في الختام لا يسعني إلا تقديم الشكر والتقدير لحضرتك وتمنياتي بدوام التوفيق والسداد.

                      أشكر جهودك ذ. كريم وتمنياتي لمتابعي “دنا بريس” ومحبي الأدب والرواية أن يجدوا ضالتهم في هذا الحوار الثري.

                      اترك رد

                      لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

                      يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد