ياسمين الصبيحي.. من هندسة المعمار إلى بناء القلوب في رحاب التصوف
دنا بريس – نادية الصبار
في أجواء مفعمة بالروحانية والتأمل، ألقت الدكتورة المهندسة والكاتبة الملهمة ياسمين الصبيحي كلمتها خلال الفعالية التي جمعت شخصيات دبلوماسية وأكاديمية بالنسخة الثالثة للمهرجان الدولي “روح الثقافات” بالصويرة والمقام على مدار ثلاثة أيام، من 21 إلى 23 فبراير الجاري، حيث استهلت حديثها بالإشارة إلى المشاعر العميقة التي غمرتها منذ لحظة وصولها ووصفتها بأنها “نسائم حب ونور”.
عبّرت ياسمين الصبيحي بداية، عن امتنانها للسيد أندري زولاي، والسيدتين أمامة وكارمن، لمنحها هذه الفرصة الفريدة، ولثقتهم فيها لمرافقة سعادة السفير البابوي ألفريد، ممثل قداسة البابا في المغرب، ووصفت ذلك بـ”النعمة”.
وفي حديثها عن التصوف، أوضحت ياسمين الصبيحي أنها لا تسعى لإلقاء درس أكاديمي بقدر ما تحاول تسليط الضوء على الأثر العميق للتصوف في حياتها، مستعرضة بعض المحطات التي شكّلت وعيها الروحي. استحضرت ياسمين، على سبيل المثال، مشاركتها الأخيرة في محاضرة بالمعهد المسكوني بالرباط حول دير تيمليوين، وكيف علمت لاحقًا أن والدها، عقب استقلال المغرب، كُلّف بفتح قنوات الحوار مع رهبان الدير والمدرسة الفرنسية، وهو ما رأته إشارة مباركة. كما تطرقت إلى علاقات والدها الوطيدة مع شخصيات يهودية بارزة، من بينها المناضل إدمون عمران المالح، وربطت ذلك بتجربتها الشخصية منذ الطفولة، حيث كانت تتردد على بيت جارتها اليهودية لتتذوق أطباقها الشهية.
وفي سياق استعراضها لجذورها العائلية، أشارت إلى جدّتها الأندلسية ماريا، صاحبة العينين الزرقاوين والشعر الأشقر، مؤكدة أنها لم ترث ملامحها، لكنها ورثت روحها. كما كشفت عن انتمائها للطريقة التجانية منذ ثلاثة عقود، حيث كان قلبها منفتحًا على الكونية في جبال سوس، وتحديدًا في زاوية مريم، التي أصبحت منذ ذلك الحين رمزًا روحيًا في حياتها. وأكدت أن ارتباطها العميق بمريم العذراء، بوصفها “أم الرحمة الإلهية”، جعلها تناضل للحفاظ على الوحدة الإنسانية التي تعود إلى أبينا إبراهيم.
وخلال حديثها، سلطت الصبيحي الضوء على تجربتها الروحية مع القديسة لالة تعلات، والتي أسست مطلع القرن التاسع عشر أول جامعة تحتضن أطفال القرى المجاورة في أعالي جبال الأطلس. مستحضرة مشهد الاحتفاء بها، حيث يتوافد المئات من مختلف المناطق مرددين آيات قرآنية، ومستعرضة كيف شكّلت مدرستها نموذجًا فريدًا للتعليم التقليدي.
كما أشارت الدكتورة ياسمين إلى أن موسمها الديني، الذي يجذب مئات الآلاف سنويًا، يتعرض بين الفينة والأخرى لتهديدات من قبل المتطرفين، غير أن هذه التحديات، وفق تعبيرها، لن تحجب الدور التاريخي الذي اضطلعت به النساء في تأسيس فضاءات العلم والروحانية عبر العصور.
وعن دورها الشخصي، أوضحت الصبيحي أنها تخلّت عن عملها كمهندسة معمارية منذ عام 2012، ليس من أجل بناء الجدران، بل لبناء القلوب، واصفة ذلك بأنه “واجب الذاكرة وواجب الأم”. كما شددت على أهمية الزاوية في التصوف الطرقي، معتبرة أنها تشبه الأديرة من حيث دورها التعليمي والروحي، إذ تسهم في تطهير القلوب وإعدادها لاستقبال النور الإلهي. مؤكدة أن التصوف يساهم في حماية الإيمان وترسيخ قيم السلام والمحبة التي تشكل جوهر الإسلام، مشيرة إلى أن الزاوية ليست مكانًا ماديًا فقط، بل هي “قلب كل فرد منا”، حيث تبدأ الأخوة الحقيقية.
وفي ختام كلمتها، دعت الصبيحي إلى تغيير الذات قبل السعي إلى تغيير العالم، مؤكدة أن ذلك هو السبيل للبقاء على الطريق المستقيم الذي يوحد البشرية. كما استحضرت قصة النبي إبراهيم، الذي كان يبحث عن الحقيقة قائلاً: “لا أحب الآفلين”، معتبرة أن هذا السعي لا يزال حاضرًا في مختلف الثقافات والتقاليد الروحية.
هذا وأشارت الصبيحي في ختام مداخلتها إنها تنتمي إلى الطريقة التجانية، وتسعى إلى تثمين التراث الروحي المغربي وتعزيز دور المرأة في الروحانية والمجتمع، موجهة رسالة سلام عبر قصيدة سبق أن قدمتها لجمعية “معًا مع مريم” خلال جائحة كوفيد.