كلمة الحسن الداكي خلال ندوة “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها” المنعقدة على هامش المؤتمر 17 لجمعية النواب العموم الأفارقة
دنا بريس – بلاغ
ألقى السيد الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض – رئيس النيابة العامة، كلمة بمناسبة افتتاح ندوة “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها” المنعقدة على هامش المؤتمر السابع عشر لجمعية النواب العموم الأفارقة. وهذا نص الكلمة كما توصل به موقع دنا بريس.
“مراكش 11 يوليوز 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه
حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه
بمشاعر الفخر والاعتزاز وبكلمات تملؤها عبارات الشكر والتقدير، يشرفني أن أرحب بضيوفنا الكرام السادة رؤساء النيابات العامة والادعاء العام بالدول الإفريقية الشقيقة والوفود المرافقة لهم، الذين أبوا إلا أن يشرفونا على هامش انعقاد المؤتمر السابع عشر لجمعية النواب العموم الأفارقة بمشاركتهم في فعاليات هذه الندوة الدولية المتميزة، التي تنعقد على أرض المملكة المغربية، مهد السلام وتلاقح الحضارات، وتعايش الديانات والثقافات، وصلة الوصل بين إفريقيا وأوروبا خدمة لعلاقات التعاون جنوب – جنوب القائمة بين المغرب وبين الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة، وفق الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
كما أتوجه بالشكر والتقدير للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي ما فتئ يشرفنا بالحضور الدائم والدعم المتواصل للفعاليات التي دأبت رئاسة النيابة العامة على تنظيمها، ودورها الفعال في المساهمة في خلق دينامية متميزة متفاعلة مع كل ما هو إيجابي لفائدة انفتاح العدالة المغربية على محيطها الخارجي، بهدف الدفع قدما بتطوير آليات التكوين المستمر ، والاطلاع على الممارسات الفضلى في شتى مجالات العدالة دوليا وإقليميا، والشكر موصول أيضا للسيد وزير العدل الذي شرفنا بالحضور رغم انشغالاته الكثيرة فله منا كامل عبارات الثناء على كل ما يقدمه للعدالة ببلادنا والشكر موصول أيضا للسيد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وللسيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات وللسيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولكافة السادة رؤساء المؤسسات الدستورية والهيئات وممثلي القطاعات الحكومية والمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي وممثلي المنظمات الدولية الذين شرفونا بحضور فعاليات هذه الندوة الدولية.
أصحاب المعالي والسعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
لا شك في أن انشغالنا بمستقبل قارتنا الإفريقية يشكل صلب اهتمامنا المشترك الذي تتعدد أبعاده وتتنوع مظاهره، وتبقى البيئة موضوعا مركزيا يشغل بالنا لما له من أهمية وراهنية متجددة تمليها علينا تحديات الواقع البيئي الذي يعيشه العالم عموما وإفريقيا على وجه الخصوص، فما تطرحه التغيرات المناخية والاحتباس الحراري من ضغوط على اقتصاداتنا، وما يتسبب فيه التلوث بمختلف أنواعه، وما يتهدد الثروات الطبيعية والتنوع البيولوجي من تحديات وممارسات منافية للقانون، كل ذلك شكل وسيشكل لنا دافعا قويا للمضي قدما نحو بلورة رؤية مشتركة تجيب على تساؤلاتنا المشروعة بخصوص السبل الكفيلة لرفع هذه التحديات.
إن انعقاد هذه الندوة الدولية يعكس الاهتمام البالغ الذي توليه المملكة المغربية لموضوع البيئة، كما يعكس العمق الاستراتيجي الذي يحظى به هذا الموضوع ضمن السياسات العمومية للدولة، فمدينة مراكش التي تحتضن اليوم هذه الندوة سبق لها أن احتضنت مؤتمر المناخ 22 (COP 22) خلال سنة 2016، والتي حُقَّ أن تجمع بين شهادة التاريخ لها باحتضان العديد من الفعاليات البيئية الدولية والقارية وجغرافية اللقاء المتواصل من أجل تعاون في شتى المجالات بما في ذلك تعاون قضائي فعال ومشترك بين الدول الإفريقية، كما نعتبر أيضا أن عقد هذه الندوة بهذا الحجم من الحضور المتميز للخبراء المتخصصين محطة فارقة في تناول موضوع البيئة، نظرا لما يتمتع به المتدخلون والخبراء المشاركون من خبرة ميدانية وتجربة راسخة تتنوع مقارباتها وتتعدد مشاربها من شأنها أن تساهم في إغناء النقاش وبلورة الخطوط العريضة لرؤى مستقبلية تنهل من تلاقح التجارب ، و تؤسس لحوار قضائي بيئي رصين سيشكل أرضية مشتركة لنا جميعا نتَلَمس من خلالها آفاق التعاون وتطوير تجاربنا وفق الممارسات الفضلى التي ستكشف عنها لامحالة تدخلات المتدخلين وتفاعلات الحضور.
أصحاب المعالي و السعادة ؛
حضرات السيدات والسادة؛
إن اهتمام المملكة المغربية بالقضايا البيئية وريادتها في مجال الابتكار البيئي وتجاربها الرائدة في مجال الطاقات النظيفة والمتجددة وتعاطيها المستمر مع التحديات التي تطرحها المعيقات البيئية يجد أساسه في الاستراتيجية الوطنية التي تبناها المغرب في مجال البيئة والتي تستند إلى مقومات واضحة المعالم وآليات فعالة قادرة على الاستجابة لمختلف المستجدات ورفع التحديات التي يطرحها الواقع البيئي، وفي هذا الصدد شكل دستور المملكة لسنة 2011 نقطة ارتكاز محورية لتصور المملكة لكيفية التعاطي مع القضايا البيئية، حيث اعتبر هذا الدستور الحقوق البيئية ضمن منظومة حقوق الإنسان إذ أكد على ذلك بموجب الفصل 35 الذي ألزم الدولة بتحقيق تنمية بشرية مستدامة والحفاظ على الثروات الطبيعية الوطنية، كما أكد على ضرورة تمتيع كل من الرجال والنساء على قدم المساواة بحقوقهم البيئية من خلال الفصل 19، وعلى هذا المنوال سار المغرب في بناء مقاربة استراتيجية شاملة متعدد الأبعاد منها ما هو دولي ومنها ما هو وطني.
فعلى المستوى الدولي، وبحكم كونه عضوا فاعلا في المنظمات الدولية فقد صادق المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية المتصلة بالمجال البيئي من بينها اتفاقية التنوع البيولوجي التي وقعت عليها المملكة المغربية خلال قمة الأرض بِرِيو بالبرازيل سنة 1992، اتفاقية الصحة النباتية في إفريقيا، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد ومن التصحر وبخاصة في إفريقيا، واتفاقية بشأن الحفاظ على طيور الماء المهاجرة الإفريقية- الأورو أسيوية. كما احتضنت المملكة المغربية العديد من المؤتمرات الدولية التي تناولت قضايا البيئة ومنها المؤتمر الوزاري السابع للأطراف في الاتفاقية الأممية بشأن التحولات المناخية، الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء البيئة، مؤتمر المناخ 22 المنعقد في مراكش خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 18 نونبر 2016 والمؤتمر الدولي “البيئة.. المرونة المجالية والأمن الصحي “، هذا فضلا عن كون المغرب عضوا فاعلا في الهيئات الأممية المعنية بقضايا التنمية المستدامة والبيئة. وتتويجا لهذه الفاعلية واعترافا بالجهود المتميزة للمملكة المغربية في مجال دعم القضايا البيئية فقد تم انتخابه رئيسا للدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA-6)، كما وقع على الشراكة الخضراء مع الاتحاد الأوروبي خلال أكتوبر 2022.
أما على المستوى الوطني، فقد تبنى المغرب مقاربة بيئية استراتيجية مندمجة وفقا للتوجيهات الملكية السامية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليوز 2010 والتي دعا من خلالها الحكومة إلى إعداد ميثاق وطني لحماية البيئة والتنمية المستدامة حيث جاء في الخطاب الملكي السامي ما يلي: ” ومن هنا ندعو الحكومة لتجسيد التوجهات الكبرى للحوار الواسع بشأن إعداد ميثاق وطني لحماية البيئة والتنمية المستدامة، في خطة عمل مندمجة، بأهداف مضبوطة وقابلة للإنجاز في كل القطاعات.” انتهى النطق الملكي السامي.
وعلى هَدْي هذا التوجيه الملكي السامي، تم وضع أسس الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من أجل رفع رهانات تعزيز حكامة التنمية، وتحقيق الانتقال التدريجي نحو الاقتصاد الأخضر، وتحسين تدبير وتثمين الموارد الطبيعية، والتنوع البيولوجي، والتصدي للتغير المناخي، والاعتناء بالمجالات الترابية الهشة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتشجيع ثقافة التنمية المستدامة. وقد كان من نتائج هذا التوجه الاستراتيجي سن القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي حدد الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة، بما في ذلك ملاءمة الإطار الوطني مع الاتفاقيات والمعايير الدولية ذات الصلة بحماية البيئة والتنمية المستدامة، كما تم سن العديد من التشريعات البيئية نذكر منها القانون رقم 29.05 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة المهددة بالانقراض ومراقبة الاتجار فيها الصادر سنة 2011، القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء الصادر سنة 2016 والقانون رقم 49.17 المتعلق بالتقييم البيئي الصادر سنة 2020.
وعلى مستوى سياسة تجريم الاعتداء على البيئة فقد أقر التشريع المغربي العديد من الجرائم البيئة نذكر منها الجنح والمخالفات الغابوية، مخالفات القانون رقم 77.15 المتعلق بمنع الاكياس البلاستيكية واستيرادها وتصديرها، مخالفات القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، مخالفات القانون 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، ومخالفات القانون رقم 29.05 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار فيها، كما تميزت مختلف التشريعات البيئية الزجرية بطابع الصرامة في العقوبات والذي يبرز من خلال إقرار عقوبات سالبة للحرية بالإضافة إلى غرامات مالية مرتفعة.
وبالموازاة مع هذه الطفرة التشريعية، عمل المغرب على تعزيز بنياته المؤسساتية المعنية بقضايا البيئة، وفي مقدمتها مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة التي تأسست بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله خلال شهر يونيو 2001 وعُهِد بترؤسها للأميرة للا حسناء، وتضطلع هذه المؤسسة بأدوار ريادية في مجال التربية والتحسيس بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، كما تساهم في تحقيق أهداف برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في أفق 2030 وكذلك أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، وإلى جانب ذلك تضطلع باقي مؤسسات الدولة المهتمة بمجال البيئة بأدوار جد مهمة في تنزيل السياسات العمومية في هذا المجال.
واستحضارا لأهمية المبادرة المجتمعية في مجال الحفاظ على البيئة وحمايتها عملت مؤسسات الدولة على إشراك الجمعيات في اللقاءات الاستشارية والتنسيقية المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة، بالإضافة إلى دعم المبادرات الجمعوية البيئية وتنظيم دورات تكوينية لفائدة الجمعيات العاملة في هذا المجال، هذا فضلا عن تطوير البحث العلمي والأكاديمي في قضايا البيئة.
أصحاب المعالي والسعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
وعيا منها بدورها الدستوري في مجال تنفيذ السياسة الجنائية، وانسجاما مع الفاعلية التي أبانت عنها الجهود المبذولة من قبل مؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها، انخرطت رئاسة النيابة العامة وفق خطة مندمجة في المساهمة في تلك الجهود، وذلك بتبني مقاربة متعددة الجوانب من ضمنها إحداث بنية إدارية يدخل في مجال اختصاصها تتبع قضايا الجرائم البيئية.
وفي سياق إشرافها على عمل النيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة، عملت على توجيه العديد من الدوريات والمناشير المتصلة بحماية البيئة إلى النيابات العامة على مستوى مختلف محاكم المملكة بهدف تفعيل دورها في تنفيذ كل ما يرتبط بالسياسة الجنائية في ما له علاقة بالقوانين المستجدة، من بينها دورية تتعلق بحماية الموارد المائية؛ والدورية المتعلقة بالقانون رقم 69.18 الصادر سنة 2021 الخاص بالتلوث الناجم عن السفن؛ كما أصدرت منشورا حول تفعيل القانون رقم 29.05 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة المهددة بالانقراض ومراقبة الاتجار فيها.
ومن أجل ضمان المستوى المطلوب من النجاعة لضمان حماية متوازنة للبيئة فقد تبنت رئاسة النيابة العامة مقاربة مؤسساتية تشاركية في هذا الإطار حيث عملت على تنسيق الجهود في مجال حماية البيئة مع العديد من المؤسسات الوطنية منها وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر والتي أثمرت عن التوقيع على دورية مشتركة بتاريخ 06 فبراير 2019 تحت عدد 19-1 تستهدف الحرص على تكثيف المراقبة والتنسيق وتقديم المساعدة بين كل القطاعات ذات الصلة بهدف رصد الأنشطة غير المشروعة المرتبطة بمحاربة كل أشكال الاتجار غير المشروع لكل أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة المهددة بالانقراض، كما عززت تعاونها مع العديد من المنظمات الدولية من قبيل الصندوق الدولي للرفق بالحيوان وبعض الدول الأجنبية.
وفي ذات السياق امتد عمل رئاسة النيابة العامة مع المؤسسات الدولية ذات الصلة بقضايا البيئة حيث ساهمت، باعتبارها عضوا ملاحظا بالمجلس الاستشاري للوكلاء الأوربيين، في إبداء الرأي بخصوص الرأي الاستشاري رقم 17 الرامي إلى إبراز أهمية النيابة العامة في حماية البيئة من المتغيرات البيئية التي تهدد الأمن البيئي على الصعيد الدولي. كما شاركت في إطار تنزيل اتفاقية توأمة موقعة مع السفارة الإسبانية في مجال الحماية الجنائية للبيئة.
واعترافا بالمجهودات التي تبذلها رئاسة النيابة العامة في هذا المجال، أعلنت الشبكة الأوروبية للوكلاء من أجل البيئة على هامش اجتماعها السنوي المنعقد بلاهاي بتاريخ 30 شتنبر 2022 عن منح جائزة GAIA للتميز لسنة 2022 في نسختها الأولى لرئاسة النيابة العامة بالمملكة المغربية. هذا فضلا عن قبول عضوية المملكة المغربية كملاحظ بالشبكة الأوروبية للوكلاء الأوروبيين من أجل البيئة، والتي تضم مختلف النيابات العامة بالدول الأوروبية.
أصحاب المعالي والسعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
اعتبارا إلى أهمية تعزيز قدرات قضاة النيابة العامة في مجال البيئة وضعت رئاسة النيابة العامة برنامجا مندمجا لتكوين قضاة النيابة العامة لتعزيز مؤهلاتهم في قضايا البيئة، وفي هذا السياق استفاد خلال سنة 2018 ما مجموعه 51 قاضيا للنيابة العامة من دورات تكوينية جهوية تم تنظيمها من طرف كتابة الدولة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة حول موضوع التقييم البيئي، وخلال سنة 2019 استفاد ما مجموعه 22 قاضيا للنيابة العامة من دورة تكوينية بالتنسيق مع نفس الجهة حول موضوع التشريع البيئي، أما سنة 2023 وفي إطار تنزيل اتفاقية التوأمة مع السفارة الاسبانية فقد تم تنظيم ندوة حول موضوع دور النيابة العامة في حماية البيئة استفاد منها 44 قاضيا للنيابة العامة بالإضافة إلى برامج تكوين متخصصة استفاد منها ضباط الشرطة القضائية وكذا أعوان ومأموري الإدارات العمومية المكلفة بالقطاعات البيئية. وعلى المستوى الدولي فقد شاركت رئاسة النيابة العامة في العديد من الفعاليات الدولية ومنها مشاركة رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2022 بناء على دعوة من السفارة الفرنسية في ندوة حول العدالة البيئية بالجمهورية التونسية، نظمت في إطار برنامج أوروميد بالإضافة إلى حضور ورشة عمل حول الحماية الجنائية للبيئة بتاريخ 24 يونيو 2024 بالمملكة العربية السعودية من تنظيم جمعية النواب العموم العرب.
وقد كان للبرامج التكوينية التي خضع لها قضاة النيابة العامة في مجال البيئة أثر كبير ظهر من خلال الجهود المبذولة من طرف النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة في مجال محاربة كل أشكال الجرائم البيئية، حيث تم برسم سنة 2022 تحريك الدعوى العمومية في 19575 قضية تتعلق بمختلف مجالات البيئة توبع بموجبها 20362 شخصا، أما برسم سنة 2023 فقد تم تحريك الدعوى العمومية في 21645 قضية توبع في إطارها 23297 شخصا، وهو ما يعكس الجهود المتزايدة للتصدي للجرائم البيئية بمختلف أنواعها من قبل مختلف النيابات العامة لدى محاكم المملكة.
وهنا لابد من التأكيد على أن جهود النيابة العامة في مجال حماية البيئة تأتي في سياق التناغم مع موقف قضاء الحكم من هذا النوع من القضايا، حيث عمل القضاء المغربي على مواكبة الطفرة التشريعية في مجال البيئة من خلال المقررات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة بمختلف مستوياتها، وعلى رأسها محكمة النقض التي أقرت مجموعة من المبادئ القضائية ذات العلاقة بالأبحاث والتحريات التي تباشر في جرائم البيئة من قبيل تحصين محاضر أعوان المياه والغابات واعتبرتها – بموجب العديد من القرارات – محاضر رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور مانحة لها الحجية الكاملة في إثبات المخالفات الغابوية، كما جعل القضاء كل بناء مشيد فوق التراب الغابوي بدون ترخيص جريمة مستمرة لا يبتدأ أمد تقادمها إلا من تاريخ إزالة ذلك البناء (القرار عدد 251 الصادر في 09 فبراير 2017 في الملف الجنحي رقم 7905/6/8/2016)
أصحاب المعالي والسعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
إن التحديات التي تثيرها قضايا البيئة، وإن تعددت سبل مواجهتها، فإن تضافر جهود النظم القضائية لدولنا يعتبر أمرا لا محيد عنه وآلية مهمة للتصدي لمختلف أنواع السلوكيات الخارجة عن نطاق القانون في مجال البيئة، وفي هذا الصدد يشكل التعاون القضائي الدولي في مجال التصدي للجريمة البيئية آلية مهمة في سبيل تعزيز الجهود الرامية إلى تطويق مختلف أصناف الاعتداء على المجالات البيئية بالنظر للمستوى العابر للحدود الذي أصبحت تشكله الجريمة البيئية خاصة في ظل التحولات الكبرى التي أضحت قارتنا تعيشها على عدة مستويات، سواء الجغرافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية أو البيئية، وكذا في ظل الإشكالات التي أصبحت تثيرها التقلبات المناخية وأزمة الغذاء، وفي هذا الصدد فقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي الموجه إلى القمة العالمية للعمل المناخي، التي نظمت في إطار المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (كوب 28) المنعقدة بدبي في الفترة الممتدة بين 30 نونبر و 12 دجنبر من سنة 2023، على أهمية التعاون وتحقيق التكامل في هذا المجال بين الدول الإفريقية التي تواجهها تحديات مشتركة حيث جاء في كلمته السامية ما يلي: “إن المشاركة الفاعلة للمملكة المغربية في المبادرات الإقليمية الرائدة، القائمة على توحيد المواقف، والهادفة إلى تحسين مستوى تكيف الزراعة الإفريقية مع التغيرات المناخية، وتعزيز الاستدامة والاستقرار والأمن في القارة، وتشجيع ريادة الشباب الإفريقي لمبادرات العمل المناخي، كلها جهود تعكس مدى انخراط المغرب الثابت ومتعدد الأبعاد في دعم العمل الدؤوب الذي تقوم به البلدان الإفريقية الشقيقة في هذا الشأن”. انتهى النطق الملكي.
وفي ذات السياق تشكل المبادرة الملكية الأطلسية آلية مهمة وقادرة على الإسهام في مجابهة كل تلك التحديات والمتغيرات نظرا لما تشكله من فضاء للتعاون المبني على انفتاح المغرب على محيطه الإفريقي وعلى تضافر جهود كل الطاقات التي تزخر بها بلداننا الإفريقية لتوفير بيئة سليمة.
أصحاب المعالي و السعادة؛
حضرات السيدات والسادة؛
يحدونا أمل كبير في أن تشكل فعاليات هذه الندوة أرضية للنقاش حول مدى أدوار وفعالية تشريعاتنا الوطنية المتعلقة بالبيئة لا سيما الزجرية منها وسبل الارتقاء بها لتتناغم مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وما تتضمنه من مقاربات فضلى يمكن الاهتداء بها في سبيل تطوير أدائنا القضائي لا سيما في شقه الجنائي وتعزيز سبل تعاوننا لمواجهة مختلف الآفات والأضرار التي تهدد بيئة بلداننا الإفريقية ومن خلالها البيئة الدولية وتساهم في حمايتها . وفي هذا الاتجاه أضحى واجبا علينا جميعا العمل سويا رسم معالم التكامل المطلوب لبلوغ الأهداف المتوخاة من هذا التعاون.، ومن أجل ذلك نأمل أن تشكل مثل هذه اللقاءات الدراسية والعلمية نقط انطلاق واعدة لحوار قضائي بيئي متطور من أجل عدالة بيئية ضامنة لحقوق أجيالنا الحالية واللاحقة.
وفي ختام هذه الكلمة لا يسعني إلا أن أجدد الترحاب بكم حضرات السيدات والسادة رؤساء النيابات العامة والادعاء العام في بلدكم الثاني المملكة المغربية، راجيا أن تشكل هذه الندوة فرصة مواتية لتقوية العلاقات وتبادل الخبرات وإبراز الممارسات الفضلى فيما بيننا وأن تشكل منطلقا لمحطات حوارية قضائية متعددة في الآتي من الزمان نعتز باحتضانها فوق تراب مملكتنا الشريفة أو بأية دولة شقيقة وصديقة أخرى لتفعيل دور القضاء في حماية البيئة وتوفير بيئة سليمة للأجيال القادمة .
كما أتوجه بالشكر الجزيل لكل السيدات والسادة الحضور الكريم على تشريفهم لنا في هذا اللقاء العلمي المتميز وإلى كل من ساهم في الإعداد له وتنظيمه، آملا أن يعرف تشريعنا الوطني بالمغرب وقضاؤنا مواصلة تطوره من أجل مسايرة ما يستجد من آفات قد تضر بالبيئة لما لذلك من انعكاس على صحة الانسان وحقوقه في صحة سليمة، وفقا للتوجيهات الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعزه في هذا المجال، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وسائر أفراد أسرته الشريفة ، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
رئيس النيابة العامة”