رسائل الاعتراف بمغربية الصحراء.. وثائق رسمية للمنتظم الدولي
عبدالله بوصوف- دنا بريس
تاريخ الأعراف السلطانية وتقاليد المملكة الشريفة العريقة زاخرة بالعديد من المراسلات بين ملوك المغرب وملوك دول العالم في العديد من المحطات، ولعل أبرزها هي الرسائل التي كان يحملها السفراء المغاربة في سفارتهم إلى أوروبا خلال القرنين الثامن و التاسع عشر، وهي الرسائل التي أصبحت حافظة لفترات تاريخية حاسمة ووثائق تاريخية مهمة في قراءة أحداث تاريخية مفصلية.
وقد حافظت الرسائل الملكية المغربية أو للملوك والرؤساء على قوتها التاريخية وحجيتها القانونية، بل هناك من يعتبر الرسائل هي أعلى مراتب الديبلوماسية في التواصل بين الدول، خاصة وأنها تتضمن إلتزامًا وثباتا في المواقف.
لذلك فلا يمكننا قراءة رسالة السيد ” بنيامين نتانياهو” الوزير الأول الإسرائيلي لجلالة الملك محمد السادس يوم 17 يوليوز 2023 ، دون قراءة رسالة السيد ” بيدرو سانشيز ” لجلالة الملك محمد السادس يوم 14 مارس 2022، إذ تشترك الرسالتان معا في المضمون، اي الإعلان عن مغربية الصحراء وأن مبادرة الحكم الذاتي هي الأقوى والأكثر جدية، لحل نزاع مفتعل تسعى أطراف خارجية لعرقلة مساعي المنتظم الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولى في إحلال السلام والأمن بالمنطقة ككل.
وإذا كانت رسالة سانشيز المتضمنة لأعتراف الدولة الإسبانية بمغربية الصحراء، جاءت بعد لحظات فراغ سياسي بين الدولتين خاصة بعد الاستقبال السري لزعيم الانفصاليين ” بن بطوش غالي ” في مستشفى إسباني، وكانت مناسبة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية والاقتصادية بين البلدين، ووقوف إسبانيا على أهمية قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمغرب ولتصل الرسالة إلى أن إسبانيا تعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف، وهو الإعتراف الذي اعتبر مدخلًا جديدًا للعلاقات تُوجت بزيارة السيد سانشيز للمغرب وتوقيع 20 إتفاقية في العديد من المجالات، وتأكيد رئيس الحكومة الإسبانية على أن إسبانيا ستحترم إلتزاماتها وكلمتها.
فإن رسالة الوزير الأول الإسرائيلي ليوم 17 يوليوز 2023 تجد أساسها في الأتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي بتاريخ دجنبر 2020، حينها أعلنت الولايات الأميركية عن إعترافها بمغربية الصحراء وبسيادته الكاملة عليها، وقد تطلب إعادة العلاقات المغربية الإسرائيلية أيضا المحافظة على التوازن في القضية الفلسطينية والتي لها نفس مرتبة قضية الصحراء المغربية في أجندة ملك المغرب، لذلك فأنه حرص على مكالمة رئيس السلطة الفلسطينية ” عباس أبو مازن ” في نفس اليوم ومؤكدًا على أن ” ترسيخ مغربيتها ( الصحراء) لن يكون أبدًا على حساب نضال الشعب الفلسطيني.
وسيرد المغرب على تحية إعتراف الوزير الأول ” نتانياهو ” بأحسن منها، من خلال رسالة ملكية جامعة مانعة ودعـوة لزيارة المغرب لتحديث العلاقات حسب الإحداثيات الجديدة التي أعلنها المغرب في خطاب الثورة لسنة 2022، بأن الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات.
فهندسة الرسالة الملكية لشهر يوليوز 2023، لم تختلف عن غيرها خاصة في اختيار مصطلحات قوية ودالة، إذ توصيف قرار اعتراف الدولة الإسرائيلية بسيادة المغرب على صحراءه ” بالهام ” ، والنظر إيجابيا في فتح قنصلية بالداخلة صائب و متبصر، التوصيف كان مقصودًا في دلالاته وفي عمقه.
فهو صائب، لأنه قرار لم يخطئ الهدف لتوافقه مع السيادة الفعلية للدولة المغربية وروابط البيعة مند عهود سلاطين وملوك المغرب وهي عناصر ثابتة ولا تقبل هوامش للشك.
وهو متبصر لأنه قرار حكيم وبعيد النظر ويتضمن رؤية مستقبلية إيجابية تتطابق مع الدينامية الإيجابية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، من إعلان اعترافات دول جديد ودعم قوي لحل سياسي نهائي على أساس مبادرة الحكم الذاتي في اطار السيادة الوطنية والترابية، بالموازاة مع فتح قنصليات عديدة بكل من العيون والداخلة.
لكن الإشارات التي لا تخطؤها العين، امتدت أولًا إلى الدور الحاسم للروابط الإنسانية العميقة التي تجمع البلدين من خلال الجالية اليهودية المغربية بإسرائيل، سواء في مسلسل إعادة العلاقات الديبلوماسية أو في مراحل تطوير وتنويع مجالات التعاون المبادلات التجارية وتبادل الزيارات المختلفة، وامتدت ثانيًا، إلى التذكير بمضامين الأتفاق الثلاثي الموقع يوم 22 دجنبر 2020 و ما تضمنه من مبادئ توجيهية لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو دليل قوي على الانشغال الحقيقي لرئيس لجنة القدس الملك محمد السادس بالقضية الفلسطينية، كما امتدت اخيرًا الى مهر الرسالة بالإلتزام الشخصي الثابت والراسخ لرئيس الدولة المغربية لتعزيز الروابط بعد اعتراف واضح لدولة إسرائيل بمغربية الصحراء، الذي لقي ترحيبا واسعًا من طرف الشعب المغربي و من قواه الحية.
الأكيد أن زيارة الوزير الأول الإسرائيلي للمغرب بعد قرار الأعتراف الواضح، سيفتح آفاقًا جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، وسيكون إضافة مهمة لتعزيز آفاق السلام لفائدة شعوب المنطقة التي تعرف تغييرات جيوستراتيجية قوية منها المصالحة السعودية الإيرانية وعودة سوريا إلي الجامعة العربية وعودة الدفئ للعلاقات التركية السعودية وبوادر نهاية الحرب باليمن.
فأعتراف كل من إسبانيا و إسرائيل وأمريكا والمانيا وهولندا وغيرها بمغربية الصحراء هو انتصار للمقاربة الواقعية وهو خروج واضح من المنطقة الرمادية وهو إحترام لتاريخ وجغرافية المملكة المغربية الضاربة في عمق التاريخ، والتي لا تقبل التفاوض ولا تخضع للابتزاز أو المساومة، لذلك جاء التأكيد أن قضية الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى باقي العالم.