كتاب وباحثون يدعون إلى ضرورة الاهتمام بالتراث الفكري والعلمي والثقافي للأعلام المغاربة
دنا بريس – مراسلة
أجمع باحثون وأكاديميون وكتاب على ضرورة الاهتمام بالأعلام المغاربة والتراث الثقافي والعلمي الذي تركه هؤلاء والحفاظ عليه من الضياع والاندثار ونفض الغبار عليه، بالنظر للقيمة العالية والغالية لهذه الإنتاجات في شتى المجالات.
ودعا هؤلاء المشاركون في ندوة فكرية نظمتها «مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة»، حول كتاب «الكتابات الإصلاحية للمؤرخ والعالم المغربي محمد بن الموقت المراكشي»، أول أمس، بفضاء المكتبة الوطنية بالرباط، إلى تثمين كل هذه الإنتاجات الفكرية والمعرفية، وهذا الشأن شأن عمومي ملقى على عاتق الجميع، والمطلوب من الكل مؤسسات رسمية ومدنية وعائلية تحمل مسؤوليتها في ذلك حتى ننصف هذه المكانة العلمية والمعرفية لهذه الأعلام الوطنية ونبوئها المكانة التي تستحقها في المشهد الثقافي والفكر الوطني.
في بداية الندوة التي أدارها ، الإعلامي والكاتب محمد برادة، تناول الكلمة عبد المنتقم الموقت، رئيس «مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة»، الذي رحب بالحضور في هذا اللقاء العلمي مبرزا أن هذه المؤسسة في ميثاق تأسيسها أخذت على عاتقها الاهتمام بالدراسة الأدبية والتراثية، ودعم الأبحاث والدراسات التي تسعى لإخراج التراث الثقافي والعلمي لمحمد بن الموقت المراكشي، وكذلك إحياء الجوانب الغنية والمشرقة في التراث المغربي بصفة عامة.
وأوضح الدكتور المامون المريني، الأكاديمي والفاعل الثقافي، في مستهل أشغال هذه الندوة، أن قضية الإصلاح، قضية المغرب كله، الذي يحتاج إلى كل نخبه الوطنية والمحلية. مبرزا أهمية البحث في الأعلام الوطنية التي اهتمت بالإصلاح، ولماذا تزايد اهتمام عائلات وأبناء هؤلاء الأعلام الوطنية بهم في الآونة الأخيرة، معددا بعض الأمثلة حول ذلك، كأبناء المختار السوسي، ابن عبد الله إبراهيم، الأستاذ الداودي، والدفالي..
وعزا المريني هذا الاهتمام إلى الطفرة الثقافية والحضارية النوعية التي نعيشها ونحن في طور بناء المغرب الذي نريد، ثم هناك صحوة فكرية وثقافية لدى النخب للاستلهام الفكري والعلمي والمعرفي من هذه الأعلام الوطنية في بناء الديمقراطية والحرية والكرامة والتنمية الشاملة ودولة الحق والقانون والمؤسسات.
وأبرز المريني في حديثه عن كتاب الدكتور عبد العزيز أباية « الكتابات الإصلاحية للمؤرخ والعالم المغربي محمد بن الموقت المراكشي السياق والمضامين والخصائص الفنية» أن له قيمة مثلى في المزاوجة بين الدراسة النقدية مع المنطلقات الفكرية والفلسفية والإشارات التاريخية والفكرية والإيديولوجية.
كما سجل المريني أن قيمة الكتاب تكمن في هوس الإصلاح انطلاقا من الأصول والجذور بحيث أن ابن الموقت كان وفيا للنهج الليبرالي الذي ظهر في مصر لكنه كان يتبنى ذلك في إطار المنظومة الإسلامية.
ومن جانبه أشاد الدكتور عبد الوهاب الأزدي، أستاذ جامعة القاضي عياض بمراكش، بهذا الكتاب الذي هو في الأصل عبارة عن عمل أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في سنة 2007 بجامعة القرويين، من ناحية الموضوع والمنهج والأسلوب.
وأبرز الأزدي في هذه الندوة الفكرية التي حضرتها فعاليات سياسية وفكرية وأكاديمية وإعلامية ومدنية، أن الكتاب بمثابة إحاطة شاملة بالتراث المغربي بصفة عامة وتراث ابن الموقت، باعتبار أن هذا الكتاب الأطروحة أشرفت عليه لجنة علمية متكونة من أساتذة كبار، ما يعطي لكتاب ابن الموقت قيمة كبيرة بمعايير علمية ومعرفية جيدة.
ومن جهته استعرض أحمد متفكر، عميد الأبحاث التراثية في مراكش، أسماء عدد من الأعلام المغاربة الذين يعتبرون من كبار علماء المغرب، والذين لم ينالوا كذلك حقهم من الاهتمام العلمي والفكري، ونفض الغبار عن منتجاتهم الفكرية والعلمية وتوثيقها حتى تعم الاستفادة منها في المستقبل القريب.
وأوضح الباحث متفكر، أن ابن المؤقت يعتبر واحدا من هؤلاء العلماء الذي ترك أزيد من 200 مؤلف، ولا يعرف أحد عليها أي شيء، كما يُجهل مصيرها، إلا 45 كتابا موجودا ومعروفا، مسجلا في نفس الوقت أن المؤرخ ابن الموقت كان فريد عصره في ثقافته وفكره حيث كان متعدد الاهتمامات بعلوم كالتاريخ والتراجم والفلك والأوبئة… محملا الجامعة المغربية مسؤولية التكليف بدراساته ومؤلفاته. وأكد الباحث متفكر أن ابن الموقت كان بارعا في سر الحرف ومتعمقا في علمه.
أما في ما يتعلق بمداخلة الدكتور عبد العزيز أباية مؤلف هذا الكتاب الذي يعتبر من الجيل الجديد من الباحثين في الدراسات الأدبية والصرف واللسانيات، فقد نوه برئيس «مؤسسة الموقت للعلوم والثقافة»، الذي هو عبد المنتقم الموقت الذي هو في نفس الوقت ابن المؤرخ الموقت، ليس فقط على وفاء الابن لأبيه، وإنما للغيرة الوطنية الكبيرة الذي يتميز بها كمغربي وطني قح، والتي دفعت به للاهتمام بالتراث العلمي والفكري للمؤرخ ابن الموقت.
واعتبر أباية أن ابن الموقت كان رجلا موضوعيا وحيسوبيا، كما اهتم بالبيئة والتاريخ، فهو أول مفكر يسلط الضوء، في ثلاثينيات القرن الرابع عشر الهجري، على ظاهرة الاحتباس الحراري، مشيرا إلى أن ما يميز الموقت الذي كتب أيضا في الإصلاح والزراعة والتوقيت وعدد من المجالات، أنه صادق القول، صادق بكل ما للكلمة من معنى.
وسجل الدكتور أباية أن ابن الموقت انتقد الصوفية وهذا ما جر عليه الكثير من الويلات، بالرغم من أنه لم يكن يقصد التصوف بعينه وإنما بعض رجال التصوف في عصره، مذكرا في هذا السياق أن عمر ابن الموقت تميز بثلاث مراحل، الأولى كان فيها مهتما بالتصوف وكان ناصريا، وانتقل إلى الزاوية الدرقاوية، والمرحلة الثانية تميزت بنقده اللاذع للمجتمع والتصوف وألف العديد من الكتب منها « السفينة والقرن 14 «، كما انتقد العدول والقضاة وبعض الفقهاء.
وللتعرف أكثر على هذه الشخصية السابقة لعصرها، فهو الفقيه المصلح محمد بن محمد بن عبد الله بن مبارك المسفيوي المراكشي المعروف بابن المؤقت، وسمي بذلك لكونه تولى مهمة التوقيت بعد والده بالمسجد العتيق جامع ابن يوسف، ولادته كانت سنة 1894م.
نشأ العلامة ابن المؤقت في بيت علم ودين تحت رعاية والده الذي كان حينئذ من كبار علماء التوقيت، حيث أخذ عنه علم التوقيت بعد حفظه للقرآن الكريم، وتتلمذ على يد ثلة من الشيوخ الكبار نذكر منهم علامة الرباط فتح الله بناني، كما أجازه جماعة من شيوخه اعترافاً منهم بنباهته وذكائه، وقد كان المترجم وفيا لشيوخه حين جمع أسماءهم وعرف بهم في فهرسته التي سماها «العناية الربانية في التعريف بشيوخنا من هذه الحضرة المراكشية».
وعرف عن المترجم عكوفه على المطالعة والتأليف، فكان من ثمرات ذلك مصنفات كثيرة في علوم متنوعة؛ في الفقه، والحديث، والتاريخ، وأحوال الناس، طبع منها نحو الأربعين في حياته، وأربعة منها لاتزال مخطوطة، والباقي مفقود، ومن أشهر مصنفاته المطبوعة: الرحلة المراكشية، الرحلة الأخروية، أصحاب السفينة، الجيوش الجرارة، الكشف والبيان عن حال أهل الزمان، السعادة الأبدية، تقريب الأقصى في تلخيص الاستقصا، الحق المبين شرح نظم المرشد المعين الكبير … وغير ذلك من مؤلفاته.
توفي، رحمه الله، بمدينة مراكش سنة (1369هـ/1949م)، ودفن بمقبرة باب أغمات.