د. نبيل بوحميدي يكتب: تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الفجوة الرقمية ورهانات النموذج التنموي الجديد
بعد اطلاعنا على تفاصيل التقرير الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات حول الخدمات على الإنترنيت الموجهة للمتعاملين مع الإدارة، والذي يتضمن نتائج الفحص الذي قام به المجلس حول مدى إتاحة أهم الخدمات عبر الإنترنت ومستوى نضجها، وتضمن موقفا واضحا حول حكامة الخدمات عبر الأنترنيت والتواصل بشأنها وكذا تتبع الإدارة لتطورها ومدى استعمالها.
وكتفاعل مع مضامين التقرير نود استحضار مدى انطباق الملاحظات المذكورة في التقرير على منصة أطروحتي التي مر على العمل بها ما يتجاوز 3 سنوات.
واستحضر أنه خلال اطلاق هذه المنصة تم التأكيد على أنه تم العمل على إخراجها بمجهودات ذاتية لأطر الوزارة، والمعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، وبتعاون مع الجامعات والمؤسسات التابعة لها؛
فعلا الأمر يتعلق بتجربة مفيدة وتشكل قيمة مضافة، وكان بالإمكان أن يكون لها أثر واضح على مجالات البحث العلمي، إلا أنه وبعد مرور مدة زمنية غير يسيرة سيبقى التساؤل مطروحا: ما هي حدود هذا الأثر؟ أليست لنا كفاءات وإمكانيات لتكون لنا منصة أقوى من التي تم إنجازها؟ هل ما تم إنجازه يكفي؟ وهل الأمر يتعلق بمحدودية المجالات التي تمنحها الشبكة العنكبوتية، أم يتعلق بمحدودية إستراتيجية الوزارة المعنية بخصوص المنصة، أم هي محدودية عقول وإرادة القائمين على المشروع؟
حقيقة؛ لا أنتظر إجابة فتساؤلاتي من البداية لها جواب؛ وأجوبة راسخة بقوة التقرير المشار إليه أعلاه.
تأكد أنه لم يتم تأسيس منارة جدية للباحثين، وأنها مجرد منتوج إشهاري محدود الفعالية، رغم فوائده بجوانب عدة، إلا أن ما يمكن إنتاجه في زمن الثورة التقنية بإمكانه أن يكون أجدى وأقوى، إذا كان بالفعل هدف القائمين عليه منح الباحثين فرص أكبر لتجويد أبحاثهم، لا مجرد خلق فرص للإشهار والدعاية لقائمين على بلورة المنصة، فحتى إستغلال ما تم إنجازه للدعاية للوطن ككل أمام المنتظم الدولي على أساس أن المملكة المغربية في طريقها إلى تجاوز الفجوة الرقمية التي نعاني منها هو أمر لا يُمَكِّنُنَا منه هذا المشروع.
وكي لا يفهم من كلامي غايات سياسية؛ بل هو مجرد رد فعل أكاديمي؛ سأبسط لكم نماذج من حيث الشكل والمضمون تؤكد لي في الحد الأدنى أن هذا العمل ربما سوي الآن وفي حينه وإن لم يتم إتقانه وتطويره لاحقا.
إن ما يليق بالباحثين ويهدف إلى دعمهم يجب أن يكون متجاوزا لنقصان يسهل تجاوزه بقليل من التدقيق والتركيز في المنصة وبعيدا عن الرغبة في الإسراع بالتباهي، فالأمور الرسمية في مجال البحث العلمي لا تؤخذ بجمال الخطابات وفخامة الإحتفالات وإنما بحسن الأعمال وجدية الأهداف؛ وعملكم فيه ما يسوءه من ناحية الشكل والمضمون.
فاسمحوا لي أن أبدي بعض الملاحظات التي تُسَجَّل بمجرد الولوج والبحث في محاور المنصة، وهي ملاحظات أراها تجعل التجربة تحمل في طياتها بذور الفشل في تحقيق أثر إيجابي بشكل قوي على مسار البحث العلمي للدكتورانيين (les Doctorants)؛
لي ملاحظات من حيث الموضوع والتي توحي بأن المنصة لا ترقى إلى مستوى الهدف المعلن عنه من ناحية المجال العلمي؛ وملاحظات من حيث الشكل أوردتها فقط للإستدلال على عدم الإهتمام الجدي بالمنصة وعدم إستحقاقاها لإحتفال خاص بإطلاقها.
من ناحية الموضوع:
جاء في أسباب النزول أن المنصة جاءت في إطار تثمين البحث العلمي في مختلف جامعات المملكة والرفع من مردوديته ودعم الحكامة بهذا المجال من خلال توجيهه نحو الأولويات الوطنية، والبحث في مواضيع جديدة غير مستهلكة تخدم التنمية المستدامة بالمغرب؛
لكن ألا تعلمون أن الرفع من مردودية البحث العلمي يكون بنشر الأطروحات التي تم مناقشاتها قصد تمكين الباحثين من جميع الإشكالات التي تم تحليلها ومقاربتها وتقديم التوصيات والنظريات الخاصة بتجاوز هذه الإشكالات، وأن الإكتفاء بإيراد العناوين فقط هو أمر غير مجدي مادام أنه يمكن البحث في ذات المجال العلمي بتطوير ومناقشة الطرح الذي تم تقديمه من خلال الأطروحات السابقة،
ألا تعلمون أن إعادة البحث في ذات الموضوع لا يعتبر علميا من باب الإستهلاك المجاني بل هو من باب تطوير النظريات وتنويع وجهات النظر في تحليل الإشكالات المطروحة وإيجاد حلول لها.
ورد أثناء حفل الإطلاق؛ أن المنصة ستمكن من توفير قاعدة بيانات يلزمها التحيين والمراجعة من طرف الجامعات المغربية، إذ سيكون على المسؤولين بالمؤسسات الجامعية تصحيح المواد وتعديلها كل حين، حفاظا على صحة المعلومات الواردة. وإذ الأمر كذلك؛ ألم يكن من الأجدر تكليف كل جامعة على حدة (لأنها تتوفر على مواقعها الإلكترونية) بوضع محور في مواقعها خاص بنشر عناوين الأطروحات، وتكونون بذلك قد أَسَّسْتُمْ لمفهوم الجهوية الرقمية والتي سيكون لها أثر أقوى من آثار ما أنجزتموه،
فعندما تتكلف كل جامعة بما لديها؛ ستتمكن من نشر عناوين الأطروحات التي لازالت في طور الإنجاز، وعناوين الأطروحات التي تمت مناقشتها على عكس المنصة التي تتضمن فقط عناوين الأطروحات التي لم يتم بعد مناقشتها؛ بل كان من الأجدر تكليفها بنشر الاطروحات التي تم مناقشتها، وفي الحد الأدنى تلك الأطروحات التي تم التوصية بنشرها من طرف لجن المناقشة ليتحقق بالفعل فائدة للباحثين من خلال منحهم مراجع إضافية تغنييهم عن مصاريف التنقل والحصول على الأطروحات من الجامعات التي لا يتواجد الباحث في نطاقها الجغرافي.
إن مجرد نشر عناوين الأطروحات كي يتم البحث في مواضيع جديدة غير مستهلكة هو من باب تطوير البحث العلمي وحكامته، هو فهم مغلوط لأنه يلغي مفهوم التراكمية العلمية التي تأتي بالبديل فتلغي القـديم؛ البحث العلمي بحث حركي وتجديدي لأنه ينطوي دائما على تجديد وإضافات في المعرفـة، عـن طريـق استبدال متواصل ومستمر للمعارف القديمة بمعارف أحدث وأجد.
لقد ثبت يا أصحاب السعادة أن البحث العلمي الأكاديمي هو الاسـتخدام المـنظم لعـدد مـن الأسـاليب والإجراءات للحصول على حل أكثر كفاية لمشكلة ما، عمـا يمكننـا الحصول عليه بطرق أخرى، وهو يفتـرض الوصـول إلـى نتـائج ومعلومات أو علاقات جديدة لزيادة المعرفة للناس أو التحقق منها (ماثيو جيدير).
إن الكثير من النظريات والمعارف العلمية فـي مجـالات مختلفـة استغنى عنها الإنسان واستبدلها بنظريات ومفاهيم ومعارف أخرى ولم تُسْتَثْنَى من ذلك مجالات العلوم الإجتماعية والقانونية والإقتصادية التي تتسم بالتغير والنسبية؛ فبالله عليكم كيف يمكن لهذا المشروع ان يخدم التنمية المستدامة أو النموذج التنموي الجديد في بلادنا؟ وكيف سيساهم في التوجيه نحو الأولويات الوطنية؟
من حيث الشكل:
على عكس ما جاء في بلاغ الإطلاق بأنه تم التعاون مع المعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني التابع للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني؛ فإن القالب العام للمنصة يتسم بتوزيع محاورها بشكل يوحي بأنه لا وجود في فريق الإنجاز لمختص في تنسيق الصفحة الرئيسية للموقع بشكل يسهل على المتعامل إستيعاب ما يحتويه الموقع، والأكثر من ذلك يغيب عن الموقع أسهل ما يمكن أن يحتوي عليه وهو خريطة الموقع ( le plan du site)، وأسألوا عنها التقنيين المتخصصين، إسألوهم هل كان بالإمكان أن يتم وضعها تسهيلا للتعامل مع المحتويات وأرشيف المنصة؛ عوض أن يتم هدر الوقت بتطوير برمجة تسمح بوضع URI (Uniform Resource Identifier ) في كل صفحة من صفحات المعلومات المتعلقة بالأطروحة؛ في حين أنه مجرد عنوان فريد يستخدم لتحديد المحتوى على الشبكة وبمجرد الدخول إلى صفحة إلكترونية تمنحه لنا الشبكة العنكبوتية بشكل آلي في الخانة المخصصة بكتابة أسماء المواقع (Nom de Domaine)، وإعادة إدراجه هو مجرد تكرار يتسم بالغباء الإلكتروني؛
ومن ناحية المبدأ فإن المواقع الإلكترونية والمنصات العلمية تهدف لتنسيق صفحاتها الرئيسية بشكل يتم الإدراج معه ما يسمى بقائمة المحتويات (La Barre d’outils)، وذاك ما تتميز به الصفحة الرئيسية لموقع الوزارة إلا أنه لم تميزوا بها منصة أطروحتي والأمر لا يمكن تَفَهُّمُهُ وَلاَ فَهْمُهُ لا من الزاوية التقنية ولا من الزاوية العلمية، إذ لا يخرج هذا من فرضيتين أولها يدخل ضمن أحد تجليات الغباء الإلكتروني لكل من ساهم وأشرف على هذا العمل والراجع لعدم إِطِّلاَعِهِ على المعايير الدولية التي تصنف المواقع على محركات البحث العالمية؛ أو لعدم الإهتمام أصلا بنجاح هذه التجربة والهدف الحقيقي لا يتجاوز الفرجة الإعلامية.
أهمس في آذان التقنيين اللذين أشرفوا على هذا العمل وأقول إن الموقع يبدو على صفحات الهواتف الذكية وكأنه مجرد (blogspot) أحدثهاو لم يتلقى يوما تعليما لا مؤسساتيا ولا ذاتيا في مجال البرمجة وصنع المواقع؛ وأزيد على هذا بالقول أن بعض الصفحات؛ سنة حفظ حقوقها (copyright) هي 2015 في حين أن الصفحة الرسمية سنتها هي 2016، ولي اليقين أنكم تعلمون أن سنة (copyright) تنطلق من سنة إطلاق العمل بالموقع للعموم لا من سنة الإنطلاق في تأسيسه.
السادة المكلفون، ألم يكن من الأجدر وضع نسخة باللغة العربية أم أنكم غير معنيين بقول الدستور بأن اللغة الرسمية للمملكة المغربية هي اللغة العربية وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها؛ لكن يبدو أن العمل قد سوي على عجل، وذاك ما جعلكم لم تنتبهو إلى ان يافطة المنصة (Bannière) التي كتبت باللغة العربية واللغة الفرنسية ولا أثر للغة الأمازيغية التي يلزمكم بها الفصل 5 من الدستور كلغة رسمية يجب أن تعلو جميع المنشورات الرسمية الورقية والإلكترونية.
كل هذا؛ إضافة إلى تفاصيل المجلس الأعلى للحسابات، يجعلني غير واثق من أن هناك فعلا إقتناع بأن تطوير التعليم العالي رهين أساسا باعتماد الرقمنة وإنشاء جامعة افتراضية على الصعيد الوطني بكل مقوماتها سواء على المستوى القانوني أو اللوجيستيكي.
لماذا يا أصحاب السعادة تجعلوننا نقتنع يوما بعد يوم أن ساسة بلادنا دائما فرحون بما لديهم، وإن كان ما لديهم لا يشكل لنا إلا أبهى تجليات الرداءة.
* نبيل بوحميدي : دكتور في الحقوق