بين طهران وتل أبيب.. المغرب يختار طريق الحكمة
دنا بريس – كريم محمد الجمال
هل نحن على أعتاب حرب جديدة في المنطقة؟ وهل تتكرر فصول النزاعات التي غيّرت الخرائط الجيو سياسية ودفنت أوهام التعايش؟ في وقت ترتفع فيه التهديدات وتدق فيه طبول الحرب، تقف السياسة المغربية على أرض ثابتة، تزن الخيارات وتستبق الأحداث برؤية ملكية متبصّرة تحرص على الاستقرار وحفظ المصالح دون التفريط في المبادئ.
الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترمب، تعود إلى نغمة التصعيد ضد إيران، واضعة شروطًا قصوى لا تنفصل عن عقيدة طهران منذ 1979. في المقابل، تُشير تقارير إعلامية غربية، من بينها ما نشره موقع “أكسيوس” الأميركي فجر السبت، إلى أن بنيامين نتنياهو يسابق الزمن للوصول إلى اتفاق مع واشنطن يقضي بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية، في حال فشل المسار الدبلوماسي، وهو احتمال يراه نتنياهو شبه مستحيل.
المشهد الإقليمي يزداد احتقانًا، ومع توافد حاملات الطائرات، وتحليق القاذفات الثقيلة، واستعراض قنابل خارقة جرى تجريبها في العراق وأفغانستان وغزة، بل وحتى في عمليات الاغتيال الدقيقة، مثلما حدث مع حسن نصر الله في بيروت. كل هذه المؤشرات توحي بأن الاستعدادات تجري على قدم وساق، في ظل تحييد جزئي للدور الروسي المنشغل بترتيب أوراقه في أوكرانيا، وربما التمهيد لصفقة كبرى تُبرم بين الكرملين والبيت الأبيض.
وفي خضم هذا التصعيد، تُطرح تساؤلات عميقة حول الخيارات المتاحة أمام إيران: هل تناور لكسب الوقت؟ هل تواصل دعم حلفائها في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين؟ وهل تراهن على تهدئة تكتيكية؟ خبراء عديدون يرون أن تفكيك برنامجها النووي والصاروخي بمثابة انتحار سياسي للنظام، بينما يشكك آخرون في قدرتها على الحفاظ على السرية وسط توغل الاستخبارات الغربية.
في المقابل، تُبدي الدول العربية حذرًا مضاعفًا: لا ترحب بالحرب، ولا تقبل بتمدد النفوذ الإيراني أو الإسرائيلي في محيطها. فالصراع، إن اندلع، لن يُبقي على الاستقرار والأمن، بل سيفتح أبوابًا للفوضى. أسعار النفط قد تقفز إلى مستويات غير مسبوقة، والممرات المائية، من مضيق هرمز إلى قناة السويس، مهددة، والجماعات الإرهابية قد تجد في هذا المناخ فرصة للتمدد من أفريقيا إلى قلب أوروبا.
وفي وسط هذه الزوبعة، يبرز الموقف المغربي بخصوصيته: رؤية واقعية تستمد قوتها من الشرعية الملكية، وثوابت السياسة الخارجية التي لطالما جعلت من التوازن مبدأً ومن الحوار أداة. العلاقات بين الرباط وطهران ليست في أفضل حالاتها، لكن المغرب لا يغلق الأبواب أمام أي انفتاح صادق. في الآن ذاته، يضع المغرب القضية الفلسطينية في قلب اهتمامه، ويواصل دعمه الثابت للشعب الفلسطيني.
كما أن شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية تمنحه هامشًا من التأثير، لا يُستخدم للدفع نحو الحرب، بل لتثبيت خيارات الحلول السلمية. الدبلوماسية المغربية، التي تراكمت خبراتها في أفريقيا وأوروبا والعالم العربي، تملك من الأدوات ما يكفي لتكون وسيطًا فاعلًا لا متفرجًا قلقًا.
فالرهان إذا على الاستقرار ليس رفاهًا بالنسبة للمغرب، بل ضرورة وجودية، خصوصًا وهو يستعد لتنظيم المونديال. فكل توتر إقليمي قد يؤثر على تدفق السياحة، وعلى جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية، وعلى طموحاتها في التحول إلى قوة صاعدة في مجالات الطاقة الخضراء، وصناعة السيارات والطائرات، وتطوير الأقاليم الجنوبية.
وفي ظل هذا كله، يظل الخيار المغربي واضحًا: لا انخراط في المغامرات العسكرية، بل تحصين الجبهة الداخلية، والدفع نحو الحلول السياسية، والعمل على تجنيب المنطقة مزيدًا من الخراب. فكل صراع في الجوار، من الجزائر إلى ليبيا، ومن السودان إلى الساحل، ومن مياه النيل إلى غزة، له ارتداداته على استقرار المغرب وازدهاره.
إن قدرة المغرب على الموازنة بين التحالفات والثوابت، وبين الانفتاح والحذر، وبين المبادئ والمصالح، ليست فقط دليلا على النضج السياسي والحكمة والروية بل نموذج يمكن الاستلهام منه في منطقة اعتادت أن تسير فوق الجمر.