الرائدة في صحافة الموبايل

كوريا الجنوبية.. المحكمة الدستورية تعزل الرئيس يون سيوك-يول

في سابقة تاريخية هزّت الساحة السياسية الكورية، أصدرت المحكمة الدستورية في كوريا الجنوبية، اليوم الجمعة، قرارًا بعزل الرئيس يون سيوك-يول من منصبه، بعد أن ثبت لديها ارتكابه خروقات دستورية تتعلق بإعلان الأحكام العرفية خلال شهر ديسمبر الماضي، وما تلا ذلك من قرارات وصفت بأنها تجاوزات خطيرة.

القرار، الذي دخل حيز التنفيذ فور صدوره، سيقود البلاد إلى انتخابات رئاسية مبكرة خلال ستين يومًا، من المتوقع أن تُجرى في شهر يونيو المقبل، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية “يونهاب”.

وكانت الجمعية الوطنية، التي تهيمن عليها المعارضة، قد صوّتت منتصف ديسمبر على عزل الرئيس بتهم ثقيلة، على رأسها فرض الأحكام العرفية يوم 3 ديسمبر، ونشر قوات أمنية داخل مبنى البرلمان لمنع النواب من التصويت ضد المرسوم، فضلاً عن إصدار أوامر باعتقال عدد من السياسيين، في خطوة اعتبرها مراقبون انقلابًا على المسار الديمقراطي.

ورغم إنكار الرئيس المعزول لكل التهم الموجهة إليه، إلا أن المحكمة رأت في ممارساته انتهاكًا صارخًا للدستور والقوانين التي تؤطر العلاقة بين السلط.

وبالتزامن مع النطق بالحكم، شهدت العاصمة سيئول استنفارًا أمنيًا واسعًا، حيث نشرت السلطات حوالي 20 ألف عنصر أمني من مختلف الوحدات، بينهم 14 ألفًا داخل العاصمة وحدها. وركزت التعزيزات الأمنية في محيط المحكمة الدستورية، ومقر الإقامة الرئاسي في حي هانام-دونغ، ومنطقة يوئيدو حيث يوجد البرلمان.

وأحاطت الشرطة المحكمة بعشرات المركبات، ونشرت وحدات خاصة لمنع المتظاهرين من الاقتراب، محذّرة من أي أعمال شغب أو تحركات غير قانونية.

هذا القرار سيفتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة سياسية دقيقة في كوريا الجنوبية، وسط تساؤلات حول تداعياته الداخلية والإقليمية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية القائمة في شبه الجزيرة الكورية. كما يُعد سابقة خطيرة من نوعها في الديمقراطية الكورية الجنوبية، خاصة أن الأمر يتعلق بعزل رئيس منتخب على خلفية قرارات استثنائية تم اعتبارها لاحقًا انتهاكًا للدستور.

فإقالة الرئيس يون سيوك-يول تعكس عمق الأزمة السياسية الداخلية في كوريا الجنوبية، وتظهر مدى التوتر بين السلطة التنفيذية والمعارضة البرلمانية، كما تُبرز قوة المؤسسات الدستورية في البلاد وقدرتها على محاسبة أعلى سلطة في البلاد، لكنه، أي القرار سيدخل كوريا الجنوبية في مرحلة من الغموض السياسي، ويضع المعارضة أمام اختبار قيادة المرحلة الانتقالية دون انزلاقات شعبوية.

إن فرض الأحكام العرفية ونشر القوات لمنع التصويت البرلماني يُمثل تجاوزًا خطيرًا للمبادئ الديمقراطية، وقد تُستثمر هذه الحادثة سياسيًا لإعادة صياغة علاقة الجيش بالسلطة المدنية، وترتيب أولويات السلطة التنفيذية في المستقبل.

هذا وأن الاستعدادات الأمنية الضخمة المصاحبة لقرار المحكمة تكشف عن حساسية الوضع، وتخوفات حقيقية من اضطرابات أو احتجاجات، خصوصًا أن البلاد ستدخل مرحلة انتقالية تتطلب الحذر لضمان انتقال سلمي للسلطة.

ومن الواضح أن الانتخابات المبكرة المرتقبة في يونيو ستكون نقطة تحول، وقد تحمل معها تغيرًا جذريًا في المشهد السياسي الكوري، خاصة إذا استفادت المعارضة من هذا القرار لتعزيز نفوذها، أو بالعكس إذا وجدت القوى المؤيدة ليون في هذا العزل تجاوزًا لإرادة الشعب.

يشار أن يون سيوك-يول سياسي ومحامٍ كوري جنوبي وُلد في 18 ديسمبر 1960. شغل منصب رئيس جمهورية كوريا الجنوبية منذ مايو 2022. قبل دخوله المعترك السياسي، كان شخصية بارزة في السلك القضائي، حيث عمل كمدّعٍ عام واكتسب شهرة وطنية من خلال قيادته تحقيقات بارزة في قضايا الفساد، شملت مسؤولين من مستويات عليا في الدولة.

تخرّج يون من جامعة سيول الوطنية، وبدأ مسيرته القانونية في النيابة العامة، حيث عُرف بأسلوبه الصارم والمباشر، ما أكسبه دعمًا شعبيًا وشكل قاعدة لانتقاله إلى السياسة. أعلن ترشحه للرئاسة في 2021 كمرشح عن حزب السلطة الشعبية المحافظ، وفاز في انتخابات 2022 بفارق طفيف، متعهدًا بالإصلاح ومكافحة الفساد وتعزيز التحالف مع الولايات المتحدة.

طوال فترة حكمه، وُجهت إليه انتقادات تتعلق بالأسلوب السلطوي، وتصاعدت خلال فترة حكمه التوترات والتجاذبات السياسية والتي أشعل فتيلها القرار الأخير المتعلق باعتماد الأحكام العرفية، والتي انتهت بدق آخر مسمار في نعش الرئيس يون سيوك-يول سياسيا وعزله من الحكم بقرار تاريخي من المحكمة الدستورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد