“الحشاشون” لحسن حافظ.. بين الأسطورة واستقراء التاريخ
دنا بريس – كريم محمد الجمال
يعد حسن حافظ، كاتبا وباحثا مصريا مهتما بالتاريخ الإسلامي والفرق الدينية، يتميز بأسلوبه البحثي الدقيق القائم على تحليل المصادر التاريخية وربطها بالسياق المعاصر. صدر له عدة دراسات تناولت قضايا تاريخية وفكرية متنوعة، ويسعى في أعماله إلى تفكيك السرديات الشائعة وإعادة تقديم التاريخ من منظور علمي موضوعي.
في كتابه “الحشاشون: صفحات من تاريخ وأساطير النزارية”، الصادر عن دار “العين” للنشر، يسلط حسن حافظ الضوء على واحدة من أكثر الطوائف الإسلامية غموضًا وإثارة للجدل، متتبعًا تطورها السياسي والعسكري والاجتماعي، ومحللًا الروايات المتداولة عنها بين الحقيقة والأسطورة.
شغلت طائفة “الحشاشين” مخيلة المستشرقين والرحالة الغربيين، كما ألهمت العديد من الروائيين والكتاب العرب، لما تحمله من غموض وتشويق. ومع تعدد الروايات عنها، ودخولها إلى الدراما الحديثة، برزت الحاجة إلى العودة إلى المصادر التاريخية لفهم حقيقة هذه الجماعة بعيدًا عن الأساطير. في هذا السياق، يقدم حسن حافظ كتابه ليكون مرجعًا متوازنًا يستعرض الأوضاع التي أحاطت بهذه الطائفة.
ويعد اختيار حسن حافظ لهذا الموضوع موفقًا، نظرًا لتشعب جذور الجماعة داخل التاريخ الإسلامي، خاصة علاقتها بالفاطميين في مصر، حيث انبثقت عن الفرع الإسماعيلي الذي حكم البلاد في العصر الفاطمي. ومع تزايد الاهتمام الدرامي بهذه الطائفة، مثل المسلسل المصري “الحشاشين” الذي حقق نجاحًا لافتًا العام الماضي، وغيره من الإنتاجات العربية، أصبح من الضروري التمييز بين الدراما بوصفها معالجة فنية والتاريخ كحقيقة موثقة. وهنا يبرز دور الكتاب، الذي يقدم رؤية تاريخية مبنية على مصادر متعددة وجهد بحثي واضح.
كما تتجلى أهمية الكتاب في سياق النقاشات الدائرة حول الصراعات الطائفية في المنطقة، حيث يربط بين الماضي والحاضر، مستعرضًا الانقسامات داخل الدولة الفاطمية، خاصة بين النزارية والمستعلية. كما يتناول التطورات التاريخية التي أدت إلى نشوء فكر الحسن بن الصباح، مؤسس جماعة الحشاشين، وتأثير ذلك على المشهد السياسي في مناطق مثل إيران وأفغانستان وأوزبكستان.
وتبرز أيضا أحد جوانب قوة الكتاب في أسلوبه السلس رغم تعقيد الموضوع، وربطه بين التاريخ والجغرافيا، حيث يعيد القارئ إلى أصول الأماكن الأثرية الإسلامية في القاهرة الفاطمية. كما يوضح كيفية توظيف الدين في السياسة، والصراع بين القوى السنية والشيعية آنذاك، إضافة إلى تحليل علاقات الحشاشين بالمماليك والتتار والعباسيين.
بفضل تعدد مصادره، وتقديمه وجهات نظر متنوعة، يشكل الكتاب مرجعًا ثريًا للباحثين والمهتمين بتاريخ الطوائف الإسلامية، ويمثل إضافة قيمة في سياق الحاجة لفهم أعمق للفرق الدينية وتأثيرها عبر العصور.