الرائدة في صحافة الموبايل

استطلاعات رأي.. بين الحقيقة والتضليل لشرعنة التهجير القسري للفلسطينيين بقطاع غزة!

لم يكن الحديث عن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة جديدًا، لكنه بات يُطرح مؤخرًا بأساليب أكثر تكييفًا مع السياقات الإعلامية والسياسية الراهنة. ففي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عملياتها العسكرية ضد القطاع، تنشر مراكز استطلاع غربية بيانات تزعم أن نسبة من الفلسطينيين مستعدة لمغادرة غزة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول الغايات من وراء هذه الدراسات، ومدى مصداقيتها، وما إذا كانت تُستخدم كأداة لشرعنة مخططات التهجير القسري.

أحدث هذه الاستطلاعات قام بها معهد “غالوب” ونشرته صحيفة تيلغراف البريطانية، يشير إلى أن 52% من سكان غزة الذين شملهم المسح سيغادرون القطاع إن أتيحت لهم الفرصة، مع تقسيمهم بين 38% يرغبون في الخروج المؤقت و14% يريدون المغادرة الدائمة. وعلى العكس من ذلك، قال 39% إنهم يريدون البقاء في الجيب الفلسطيني.

ورغم محاولة تصوير هذه النتائج على أنها تعكس “رغبة” فلسطينية في مغادرة القطاع، فمجرد تحليل بسيط لهذه الأرقام؛ يكشف عن معطيات مغايرة: فالغالبية العظمى من الذين يفكرون في المغادرة يرونها كخيار مؤقت، أي أنهم يرفضون الانفصال الدائم عن أرضهم.

كما زعم الاستطلاع أن “الشباب الذين تقل أعمارهم عن 34 عاما وسكان المناطق الأكثر تضررا مثل قطاع غزة وخان يونس هم الأكثر احتمالا للتفكير في المغادرة. وفيما يتعلق بالوجهات المفضلة، ذكر 13% من المشاركين أن ألمانيا ستكون في مقدمة الوجهات المفضلة لديهم، تليها مصر (12%) وقطر والإمارات العربية المتحدة (10% لكل منهما)”.

واستحضارا للسياق الذي تجرى فيه هذه الاستطلاعات، تثار عدة تساؤلات، لاسيما وأنه يتزامن مع دعوات دونالد ترامب المتزايدة لتهجير الفلسطينيين من غزة بشكل مؤقت أو دائم كحل للأزمة الراهنة، وهو ما يتماشى مع المخطط الإسرائيلي القائم على إعادة تشكيل التركيبة السكانية في القطاع عبر التهجير القسري، ثم فرض واقع جديد لا مجال فيه لوجود المقاومة. المفارقة أن هذه الدعوات تترافق مع رفض العديد من الدول العربية لاستضافة الفلسطينيين، ما يجعل إسرائيل في مأزق سياسي كبير سواء بالداخل او بالخارج لذاك تسعى جاهدة لحفظ ماء الوجه وإلى الضغط على “ماما أمريكا” لدفع الحكومات العربية إلى قبول مخطط التهجير.

هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن ما يعزز الشكوك حول نوايا هذه الاستطلاعات أن الظروف الإنسانية في غزة لم تعد تتيح للفلسطينيين أي هامش من الخيارات. فالحصار، الدمار، انعدام الأمن الغذائي، واستهداف المستشفيات والبنية التحتية، كلها عوامل تضع الفلسطينيين أمام معادلة مستحيلة: البقاء والموت أو الخروج المؤقت أملاً في العودة. وهنا، يتحول استخدام استطلاعات الرأي إلى أداة لتبرير نتائج الحرب وليس لفهم الواقع.

فالرفض الفلسطيني للتهجير، رغم ما يتعرض له أهل غزة، لم يكن مجرد موقف عاطفي، بل خيار استراتيجي يؤكد تمسكهم بحقوقهم الوطنية. وعلى مر التاريخ، لم تكن الهجرة من غزة خيارًا، بل كانت دائمًا استجابة لضغوط لا إنسانية تمارسها إسرائيل على المدنيين. وبالتالي، فإن أي حديث عن رغبة فلسطينية في المغادرة هو في حقيقته انعكاس للمعاناة وليس مؤشرًا على القبول بتهجير دائم.

في ظل هذه المعطيات، يصبح واضحًا أن هذا النوع من الاستطلاعات لا يعكس حقيقة الواقع الفلسطيني، بقدر ما يخدم أجندات سياسية تسعى إلى فرض التهجير كحل مطروح للنقاش. لكن تبقى الحقيقة التي يؤكدها التاريخ أن الفلسطينيين، رغم كل ما يتعرضون له، يواصلون التشبث بأرضهم، ويرفضون أي محاولة لإعادة إنتاج نكبة جديدة تحت غطاء “الإرادة الحرة” أو “تقرير المصير”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد