الرائدة في صحافة الموبايل

د. حسين عبد البصير الروائي والأثري المصري في حوار خاص لـ”دنا بريس”

  • في البداية، أتوجه بالشكر والتقدير لحضرتك على قبول الدعوة.

نحن نرحب بكم دومًا وبجمهور “دنا بريس” المحترم.

  • قبل أن نغوص في الأسئلة، أريد أن أسأل حضرتك عن البداية، كيف جاءت، وكيف تطورت الأمور حتى وصلت لمنصب هام “مدير متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية”، بالإضافة إلى كونك روائيًا وعالم آثار؟

في البداية، منذ الصغر كنت أحب زيارة المتحف المصري في ميدان التحرير بالقاهرة، وأتعجب من قراءة رواد المتحف للكتابة الهيروغليفية، مما شد انتباهي وعلمت أن أغلبهم طلبة في كلية الآثار. فقررت دراسة الآثار المصرية القديمة.

  • على مايبدو للأسرة والنشأة اثر كبير على هذا التوجه؟

نعم، بالإضافة لذلك فقد وُلدت في مدينة السنبلاوين في محافظة الدقهلية، وبالقرب منها موقع أثري يُطلق عليه “تمى الأمديد” وهي في موقع قريب من “منديس” عاصمة الأسرة 29. فأحببت زيارة هذا الموقع الأثري، ولذلك قررت دخول كلية الآثار، وكنت الطالب الوحيد تقريبًا الذي دخل كلية الآثار حبًا فيها وليس بحسب التنسيق، والحمد لله كنت طالبًا متفوقًا في الدراسة الجامعية، ورغم ذلك فضلت العمل في مجال الآثار على العمل الأكاديمي.

  • ما هي الأسباب وراء عدم إقبال المصريين على الاهتمام بالآثار؟

المصريون يحبون بلدهم جدًا، ولكنهم لا يقبلون على دراسة الآثار لأنه علم صعب، بالأخص الآثار المصرية، من حيث اللغة والكتابة والديانة، بالإضافة إلى بعض الأطراف الجاهلة أو المتشددة دينيًا التي تشوه صورة الحضارة المصرية القديمة، وتصف قدماء المصريين بالكفر أو تحرم التماثيل، كما أن هناك بعض الناس الجهلة الذين يستعينون بالسحرة والدجالين للتنقيب عن الآثار وبيعها بشكل مخالف، ولكن الفترة الأخيرة بدأ الوعي يزداد مع اهتمام الدولة والإعلام مثل “موكب المومياوات” و”طريق الكباش” والمتاحف التي تنشئها الدولة. والرئيس عبد الفتاح السيسي يولي اهتمامًا كبيرًا بالسياحة والآثار ووصلنا إلى حوالي 15 مليون سائح، ونسعى للمزيد في المواسم القادمة حتى 30 مليون سائح. وهذا الرقم قليل على إمكانيات مصر الهائلة بالمقارنة مع دول أخرى، ومن المنتظر مع الانتهاء من المشاريع الحالية الكبرى مثل المتحف المصري الكبير في القاهرة، ومتحف العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير متاحف الإسكندرية، ومشروع التجلي الإلهي الأعظم في سانت كاترين بسيناء زيادة الأعداد، ولكن نحتاج إلى زيادة أعداد الفنادق والليالي الفندقية لتستوعب هذه الزيادة المنتظرة في عدد السائحين. لدينا في القاهرة حوالي 220 ألف غرفة لن تلبي متطلبات أعداد أكبر من السياح.

  • كيف ترى مشاريع البنية التحتية التي قامت بها مصر في الفترة الأخيرة وتأثيرها على تدعيم القطاع السياحي؟

لدينا حاليًا شبكة طرق ممتازة ومتوسعة ومتشعبة تضاهي الشبكات العالمية، وهذا يسهل ربط المتاحف مع بعض والأماكن الأثرية والتاريخية والفنادق. وكل ما يحدث يعتبر نهضة عمرانية متكاملة لم تشهدها البلاد منذ عهد محمد علي باشا “أكثر من 200 سنة”، ولكن نحتاج إلى رفع وعي المواطن في التعامل مع السائح من خلال تربية الأطفال في المدارس والمناهج الدراسية كثقافة التعامل مع السائح والترحيب به وعدم استغلاله. وأكبر دليل على الإقبال العالمي على الآثار المصرية النجاح الكبير للمعارض الخارجية على مستوى الجمهور وفي الإعلام العالمي، دومًا ما تكون الآثار المصرية محط اهتمام جميع وسائل الإعلام العالمية وآخرهم حتى “Mr Beast” مستر بييست أشهر يوتيوبر في العالم الذي أعد فيلمًا عن الهرم الأكبر وأثبت أن الهرم بناه المصريون القدماء وليس كما يدعي البعض أن “الكائنات الفضائية” قامت بذلك. ولكن نحتاج تعزيز الدعاية والترويج لحضارتنا عبر إنتاج الأفلام والوثائقيات والكتب والدعاية للرد أيضًا على شبهات وادعاءات مثل حركة “أفرو سنتريك”.

  • مصر البلد الوحيد في العالم الذي له علم آثار منفرد “علم المصريات”.

صحيح، ولكن الأهم من ذلك كيفية استغلال الإمكانيات السياحية المصرية لجلب الاستثمارات وتعتبر هذه أحد مظاهر قوة مصر الناعمة، ويجب الاستعانة بمتخصصين في “اقتصاديات التراث”.

  • بالنسبة لمكتبة الإسكندرية، هذا الصرح العملاق، هناك جهود ومبادرات رائعة.

فعلًا قدم د. أحمد زايد، مدير المكتبة، سلسلة تسمى “تراث الإنسانية” للشباب بأسعار مدعمة.

  • حضرتك، كذلك، قدمت بعض الأعمال في هذا المجال.

قدمت كتابًا بعنوان “اعرف حضرتك” للنشء، والعام الماضي شاركت بكتاب بعنوان “الأساطير المصرية القديمة” في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهذا العام شاركت بكتاب “الأساطير اليونانية القديمة”، وكذلك “الحضارة الفرعونية 100 سؤال وجواب”، كما تتم ترجمة العديد من كتبي لعدة لغات سواء شرقية أو غربية.

في الفترة الأخيرة بدأت قطاعات من الشباب تهتم بعصور حضارية أخرى إلى جانب الحضارة الفرعونية، كما أن لحضرتك جهود في كتب الأطفال.

بالنسبة لكتب الأطفال، قدمت كتبًا عن الملك مينا، وتوت عنخ آمون، والملك زوسر، ورحلة عبر النيل، ومصر قبل الأهرامات، وبعض إصدارات في عصر البطالمة.

ترتبط الإسكندرية مع المغرب ارتباطًا وثيقًا من خلال البحر المتوسط والبعد التاريخي الروماني وكذلك الإسلامي، فكثير من الأولياء الصالحين في مصر والإسكندرية جاءوا من المغرب أثناء رحلات الحج، فما هي أهم تجليات ذلك في رأي حضرتك؟

المغرب بلد عظيم جدًا، زرته في عام 2010 في مؤتمر تابع لليونسكو، زرنا الدار البيضاء والجديدة، وتصادف قبل الزيارة وجود فنانين مصريين مثل عادل إمام وعمرو دياب يحظون بشعبية كبيرة، المغاربة يحبون مصر ويقدرون الشعب المصري ويفهمون اللهجة العامية المصرية ويحبونها. وزرنا مسجد الحسن الثاني الرائع واستمعنا لقراءة القرآن الكريم بقراءة ورش المشهورة عند المغاربة، واستمعتنا بأجواء المحيط الأطلسي، وكان الوفد يضم شخصيات وازنة منها د. أشرف العربي الذي أصبح وزيرًا للتخطيط فيما بعد، وخضنا جولة في أسواق الدار البيضاء والمقاهي والمطاعم. المغرب بلد نظيف جدًا تشعر فيه بالهدوء والسكينة والشعب مثقف جدًا.

  • ماذا عن الثقافة والمثقفين المغاربة؟

أنا على علاقة طيبة بأغلب المثقفين المغاربة سواء معرفة شخصية أو من مجال الكتابة من أمثال د. محمد برادة، حسن نجمي، محمد بنيس، محمد الأشعري، محمد زفزاف، عبد الفتاح كليطو، محمد شكري، كلها أسماء وازنة وشخصيات محترمة جدًا يحبون مصر، وفي زمن د. جابر عصفور، رئيس هيئة الكتاب المصري السابق، كان هناك تعاون مشترك وتنسيق بين البلدين. في الإجمال، البلد جميل جدًا. والثقافة المغربية ثقافة مهمة، ونلتقي بالمبدعين المغاربة في معارض الكتاب، وأنا شخصيًا أعتبر زيارة المغرب أفضل زيارة قمت بها لبلد عربي، فضلًا عن العلاقات المتميزة منذ عهد جلالة الملك محمد الخامس مرورا بجلالة الملك الحسن الثاني وحتى جلالة الملك محمد السادس. والأهم ما أراه من مستقبل واعد للباحثين من حيث تقديم الأطروحات والدراسات النقدية اعتمادًا على الثقافة الفرنكوفونية والتراث الأندلسي. وطبعا نحرص على لقاء الوفود الثقافية المغربية في مصر عند زيارتهم الروائيين المصريين الكبار مثل نجيب محفوظ، وبعده جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم.

  • كيف ترى إمكانية تعزيز التعاون الثقافي العربي المشترك؟

حاليًا ألحظ جهودًا مميزة في عدة دول مثل مبادرات “كتارا” في قطر، ومثل النهضة الثقافية في سلطنة عمان، كذلك المملكة العربية السعودية تقوم بالتوسع في معارض الكتاب في أماكن مختلفة ومعرض الرياض يشهد رواجا كبيرا. أتمنى زيادة الإقبال السياحي العربي على مصر، باستثناء السعودية، فالسياحة في مصر أغلبها أجنبية. وبالتأكيد نحتاج إزالة الفوارق الثقافية بين الدول.

بالنسبة لما يروجه الإعلام الجزائري عن غزو جزائري قديم لمصر زمن الملك شيشنق الأمازيغي، وكذلك ادعاء بأن الشعوب والقبائل التي تسكن الجزائر حاليًا هم بناة الأهرام ثم حدث جفاف وقحط في مصر فتركوها وذهبوا إلى حيث الجزائر حاليًا، فهل هناك أدلة تاريخية على ذلك؟

الملك شيشنق فرعون مصري قديم ولكن من أصول ليبية، في نهاية الأسرة 20، قام رمسيس الثالث بجلب بعض أمراء القبائل من ليبيا لضمان ولائهم، وكذلك بعض الجنود للعمل داخل الجيش المصري، فعاشوا في مصر حوالي 200 إلى 300 سنة وتولوا الحكم بعد ذلك داخل منظومة السلطة المصرية ونطلق عليهم “الأسرات الليبية” نسبة إلى أصولهم ولكنهم مصريون نشأوا وتربوا داخل مصر. شيشنق عاش في مصر أبا عن جد وقاد حروبًا لإعادة مجد مصر في الشرق الأدنى القديم، ومذكور في التوراة اسمه “شيشاك” وأنه “سرق كنوز بيت الرب”، وله بوابة أثرية في متحف الكرنك بالأقصر مكتوب عليها انتصاراته في منطقة كنعان أو فلسطين حاليًا، وانتصر على ملوكها وجلبهم أسرى لمصر، كما تزوج ابنة الملك “النبي” سليمان. ولا توجد أي صحة لتلك الادعاءات في الإعلام الجزائري بأن القبائل الجزائرية هي التي بنت الأهرامات وورثها الفراعنة، هذه ادعاءات مضحكة، فلماذا لم يدونوا ذلك أو يقيموا حضارة شبيهة بذلك أو يشيدوا مثل ذلك؟ دراسة علم “الأنثروبولوجيا” تؤكد أن الأصول والسلالات كلها مصرية، بدليل أهرامات السودان جاءت بعد أهرامات مصر وليس العكس، وبالتالي لا يمكن للجزائريين أن يزعموا أن أجدادهم هم من بنوا الأهرامات. نحن بحاجة إلى فهم التاريخ بشكل صحيح من خلال الأدلة والشواهد التاريخية، وليس عبر الأساطير والادعاءات التي لا تستند إلى أية حقائق علمية. الأهرامات هي من إنجاز الحضارة المصرية القديمة، التي أبهرت العالم بعلومها وفنونها.

  • ماذا عن مسألة حروب الآثار التي تدور حول ملكية بعض القطع الأثرية بين الدول؟

بالطبع، هناك صراعات مستمرة بشأن ملكية القطع الأثرية بين دول عديدة، وخاصة بين مصر وبعض الدول الغربية. على سبيل المثال، هناك العديد من القطع الأثرية المصرية التي تمت سرقتها وبيعها في أسواق الفن العالمية، لكننا نعمل بشكل جاد لاستعادتها. ويعتبر متحف اللوفر في باريس واحدًا من الأماكن التي يوجد بها العديد من القطع المصرية التي نطالب باستعادتها. نعمل أيضًا على إنشاء قوانين دولية تحمي حقوق البلدان في استعادة تراثها الثقافي. كما أن مصر تبذل جهودًا كبيرة لاستعادة القطع الأثرية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من الولايات المتحدة وأوروبا.

  • هل ترى أن هناك اهتمامًا كافيًا من قبل الحكومة والمجتمع الدولي للحفاظ على التراث الثقافي في العالم العربي؟

بالطبع هناك اهتمام، لكن هذا الاهتمام لا يكفي بالنظر إلى حجم التحديات. هناك بعض المبادرات المهمة من بعض الحكومات في العالم العربي، مثل دعم المتاحف والمعارض الفنية، ولكن لا يزال هناك نقص في الوعي العام بمفهوم التراث الثقافي وكيفية الحفاظ عليه. نحن بحاجة إلى مزيد من الجهود المشتركة بين الدول العربية لتوحيد الرؤى وتعزيز التعاون الثقافي من خلال مشاريع مشتركة، مثل معارض فنية وسينمائية تعكس حضاراتنا الغنية والمتنوعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد