سوريا بعد الأسد.. صراعات إقليمية وإعادة تشكيل النفوذ
دنا بريس – كريم محمد الجمال
خطفت الأحداث في سوريا الأضواء وأسالت الاقلام، فالسقوط الدراماتيكي لنظام الرئيس السابق بشار الأسد أفرز متغيرات جديدة في المنطقة، لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على سوريا والمنطقة ككل، بينما تبحث الشعوب العربية عن بصيص استقرار غاب لأمد.
ومع ما تشهده الساحة السورية من تغييرات جذرية، فقد تفرز ثلاثة معادلات أساسية في المنطقة: المعادلة الكردية، المعادلة الإسرائيلية، ومعادلة النظام السابق، والتي تواجه السلطة الجديدة في سوريا تحدي التعامل معها بحكمة وروية.
*المعادلة الكردية.. التوازنات الدولية والمخاطر الإقليمية
رسمت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومسؤولين أمريكيين آخرين خطوط التماس بين الإدارة الجديدة وسلطة الأمر الواقع في “الإدارة الذاتية الكردية”، في ظل مخاوف من صدامها مع تركيا. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اجتمع مؤخراً بالرئيس الإيراني، أكد من القاهرة رفضه القاطع لوجود “عناصر إرهابية” مثل تنظيم داعش أو الميليشيات الكردية. وتلتقي أنقرة وطهران في رفض إقامة دولة كردية سواء في العراق أو سوريا.
في المقابل، يرى الأكراد أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية لتحقيق حلمهم القديم بإقامة دولة مستقلة. لكن استمرار القوات الأمريكية في قواعدها بالمناطق الكردية، أو انسحابها بقرار من الرئيس الأمريكي الجديد، قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع تركيا والجماعات المدعومة منها.
*المعادلة الإسرائيلية.. وإعادة رسم النفوذ
بعد هزيمتها في لبنان، حققت إسرائيل مكاسب استراتيجية في سوريا، من بينها ضم مناطق مثل جبل الشيخ. ومع المرحلة الجديدة، تسعى إسرائيل إلى تقليص النفوذ الإيراني، بل والقضاء التام على النظام في طهران، مما يعني عملياً إنهاء محور المقاومة.
تدعم إسرائيل مشروع التقسيم الطائفي في سوريا، من خلال تعزيز الأكراد ومشاريع مشابهة للطوائف الأخرى كالعلويين والدروز، إلى جانب المسيحيين الموارنة في لبنان. ويبدو أن الجماعات الإسلامية المسلحة هي الأداة الأمثل لتغذية هذه الانقسامات، في إطار مخطط يستهدف تفتيت المنطقة دينياً وطائفياً.
*معادلة النظام السابق.. رجل الظل وشبكة التحالفات
رغم انهيار نظام الأسد، لا تزال شخصية ماهر الأسد، شقيق الرئيس السابق، تحظى بشعبية داخل المؤسسة العسكرية السورية السابقة. وترددت أنباء عن لجوئه، برفقة اللواء علي مملوك، إلى جبال قنديل في إقليم كردستان العراق.
هذا التواجد يسبب إحراجاً للحكومة العراقية، لكنه يجد في الحكم الذاتي للإقليم ملاذاً آمناً بعيداً عن انتقام السلطة السورية الجديدة. العلاقة بين ماهر الأسد وعلي مملوك، التي شابها التوتر على مدى سنوات، تبدو الآن في حالة هدنة تفرضها الضرورة.
*قلق إقليمي.. الأردن ومصر في مواجهة التحديات
أبدت دول عربية، خصوصاً مصر والأردن، تخوفها من التحولات الجارية. مصر، التي عانت من الإرهاب لفترات طويلة، تسعى لتعزيز استقرارها الاقتصادي والسياسي، لكنها تراقب بحذر تداعيات الأحداث في سوريا وتأثيرها الإقليمي.
أما الأردن، المحاط بتحديات جغرافية وأمنية، يعاني من معارضة داخلية قوية ذات طابع إسلامي. هذه المعارضة غير راضية عن ما تُعتبر “تواطؤاً” بين النظام الأردني وإسرائيل ضد الفلسطينيين. الموقع الاستراتيجي للأردن، بين فلسطين وإسرائيل وسوريا والعراق والسعودية، يجعله هدفاً محتملاً لتحركات الجماعات المسلحة، السنية والشيعية على حد سواء.
تواجه المنطقة تحديات معقدة تتطلب حكمة وحذراً، حيث قد يكون أي خطأ مكلفاً للغاية، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والتوترات السياسية التي تُثقل كاهل الدول العربية. متغيرات سوريا ليست شأناً داخلياً فحسب، بل تمثل عامل تغيير إقليمي ستظل تأثيراته تتردد لسنوات مقبلة.