المغرب بعيون عربية.. “واحة من الاستقرار والأمان وأرض للسلام”
كريم محمد الجمال
أثار السقوط السريع لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد تساؤلات واسعة وأثار مخاوف عديدة في المنطقة العربية، ما دفع مراكز البحث والتحليل السياسي إلى استعراض السيناريوهات المتوقعة لتداعيات هذا الحدث على المنطقة ككل. وبينما غرقت دول عديدة في أزمات متشابكة، برز المغرب كاستثناء، “واحةً من الاستقرار والأمان وارض للسلام”، فرؤية جلالة الملك محمد السادس قدمت نموذجاً يُحتذى به في كيفية تحقيق التوازن بين التنمية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، مع الحفاظ على السلم بين كل مكونات المجتمع، مما جعل المملكة المغربية محط أنظار الباحثين والمهتمين.
الرؤية الملكية المغربية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة لسياسات مدروسة وأسس متينة تم بناؤها على مدار عقود. فعلى المستوى السياسي، استطاع المغرب ترسيخ التعددية الحزبية، وتكريس الحريات العامة ضمن إطار دستوري واضح. الانتخابات البرلمانية والجهوية تؤكد هذه الديناميكية الديمقراطية التي تُعزز ثقة المواطنين في مؤسساتهم الوطنية. وبالمناسبة، حرص المغرب على إدارة ملفاته السيادية، مثل قضية الصحراء المغربية، بمنهجية حكيمة تجمع بين الثبات على الحقوق التاريخية وتقديم مقترحات عملية، كالحكم الذاتي، بما يعكس سياسة الحوار بدلاً من التصعيد، وهو ما مكن المغرب من كسب تأييد دولي متزايد.
على الجانب الاقتصادي، يظهر المغرب كدولة نجحت في تنويع مصادر دخلها بدلاً من الاعتماد على الموارد الطبيعية وحدها، خلافاً لما شهدته دول مثل ليبيا والعراق وسوريا، حيث تسبب التركيز على موارد بعينها كالنّفط والغاز في تعريض اقتصاداتها للانهيار. المغرب، في المقابل، استثمر في قطاعات مستدامة مثل الزراعة والصناعة والطاقات المتجددة، ليصبح من الدول الرائدة في إفريقيا في مجال الطاقة الخضراء. هذا النهج جذب الاستثمارات الأجنبية وعزز مكانة المغرب كوجهة مفضلة لرجال الأعمال والسياح، وهو ما انعكس إيجابياً على مستويات النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
أما في الشأن الاجتماعي، فيبرز الاهتمام بتنمية الأقاليم والجهات كركيزة أساسية لسياسة الدولة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تشهدها هذه المناطق ليست فقط محاولة لتوفير الخدمات، بل هي رسالة واضحة بأن كل مواطن مغربي يحظى بالاهتمام والمساواة. هذه الاستراتيجية ساهمت في تعزيز الانتماء الوطني، وحمت البلاد من النزاعات الداخلية التي دمرت دولاً أخرى.
بالعودة إلى الأزمة السورية، يمكن القول إن هناك دروساً واضحة يمكن استخلاصها. أولها أن تضييق الحريات وقمع الأصوات المعارضة كان أحد الأسباب الرئيسية لانفجار الأوضاع هناك. المغرب، بخلاف ذلك، تبنى نموذجاً يُتيح قدراً واسعاً من حرية التعبير والتنظيم السياسي، وهو ما أسهم في خلق بيئة من الاستقرار السياسي والاجتماعي. ثاني هذه الدروس، يتمثل في أهمية الإعلام المتعدد والمتنوع. غياب الإعلام المستقل في سوريا أدى إلى تفاقم الأزمة وفتح الأبواب للتدخلات الأجنبية، بينما يحرص المغرب على دعم إعلام متوازن يُعبر عن تنوع ثقافاته وهوياته، سواء العربية أو الأمازيغية، مما يُعزز الوحدة الوطنية.
من جهة أخرى، تُظهر السياسة الخارجية المغربية فارقاً كبيراً مقارنة بما شهده النموذج السوري أو الجزائري. المغرب اختار نهج الانفتاح على العالم، مدعوماً بعلاقات قوية مع أوروبا وإفريقيا وباقي الدول، مع التمسك بسيادته واستقلال قراره. هذا التوجه جعل من المغرب شريكاً موثوقاً على الصعيد الدولي، وأتاح له تحقيق مكاسب دبلوماسية كبرى، ليس أقلها دعم قضيته الوطنية، كما ظهر في الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء. في المقابل، أدى اختيار سوريا وبعض الدول سياسة العزلة والمواجهة إلى إفقادها القدرة على المناورة وتحقيق مصالح شعوبها.
ومن بين الدروس الهامة التي أظهرتها الأزمة السورية، أن الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي للتعامل مع القضايا الداخلية يؤدي إلى نتائج كارثية. المغرب أدرك هذه الحقيقة مبكراً، فاختار سياسة الاعتماد على الذات في حل مشاكله، مع الالتزام بوحدة الصف الداخلي. هذا الخيار، الذي يُرسخه جلالة الملك، جعل من المغرب نموذجاً يُحتذى به في كيفية حماية المصالح الوطنية دون التفريط في السيادة.
وأخيراً، يمكن القول إن تجربة المغرب تؤكد أن التنمية الشاملة والمستدامة، المقترنة برؤية سياسية حكيمة، تُعد السبيل الأنجح لتحقيق الاستقرار والسلام. هذا النموذج المغربي، الذي يجمع بين تأثيت الحاضر والاستثمار في المستقبل، والانفتاح على العالم، يُقدَّم اليوم كدرس للدول العربية التي تسعى للخروج من أزماتها وبناء مستقبل أفضل لشعوبها. رؤية جلالة الملك محمد السادس ليست فقط دليلاً على نجاح المغرب، بل هي خارطة طريق لدول تحاول الانعتاق وتبحث عن الريادة.