تقرير.. الندوة الأدبية بمناسبة صدور المجموعة القصصية “دوائر مربعة” للكاتب أحمد دخيسي
في إطار الأنشطة الثقافية التي يشرف على تنظيمها “المركز الفضي للثقافة والإبداع”، كان موعد جمهور قراء مدينة تنغير يوم الأربعاء 11 دجنبر 2024م بقاعة العروض التابعة للمركز الثقافي مع ندوة أدبية لقراءة وتوقيع المجموعة القصصية “دوائر مربعة” للكاتب أحمد دخيسي. وذلك بتنسيق مع إدارة المركز الثقافي، وبشراكة مع المجلس الجماعي تنغير. ومن تسيير الأستاذ عبد الحكيم الصديقي.
افتتحت الندوة بآيات بينات من الذكر الحكيم، تلاها الاستماع للنشيد الوطني، ثم كلمة افتتاحية لكل من: مدير المركز الثقافي السيد ابراهيم الحافظي، رئيس المركز الفضي للثقافة والإبداع السيد محمد اهرايو، ورئيس المجلس الجماعي لتنغير السيد محمد بلمكي. شارك في تأطير هذه الندوة الأدبية كل من: الدكتور خالد ناصر الدين، والأستاذ فريد أمدى، بالإضافة إلى كاتب المجموعة القصصية أحمد دخيسي.
اختار الدكتور خالد ناصر الدين لمداخلته عنوان: “المفاتيح الثلاثة لقراءة المجموعة القصصية “دوائر مربعة”، وقد افتتحها بديباجة أشار فيها إلى حقيقة مفادها أن قراءة الأدب أهم بكثير من كتابته، وأن القراءة ليست مسحا بصريا للنص، ولا تفسيرا معجميا لألفاظه واستنباطا لمعانيه المباشرة، إنها تتجاوز ذلك لتدل على معاني منها: التلقي الإيجابي للنصوص، لا الاستسلام لها والوقوع في أسرها. ثم انتقل بعد ذلك لمناقشة عتبات ثلاث للمجموعة القصصية، يتعلق الأمر بـ:
1_اسم المؤلف “أحمد دخيسي”، هذا الاسم يبقى مثيرا للانتباه من جانبين اثنين على الأقل: أانحداره من بلدة تنغير. بتخصصه في الأدب الإنجليزي لم يمنعه من التألق والإبداع باللغة العربية.
2_العنوان الذي اختاره المؤلف لمجموعته القصصية “دوائر مربعة”، وهو عنوان يوحي بمعاني الضياع والتيه والانفلات واللامعنى، وبمشاعر اليأس والإحباط والقلق والتوتر والاكتئاب… وهي المعاني والمشاعر التي تسيطر على “البطل” الوحيد والمتعدد في المجموعة.
3_اللوحة التشكيلية: لوحة تعبيرية نجحت إلى حد بعيد في تصوير حالة التصدع النفسي والصراع الداخلي الذي يعيشه البطل “حنظلة”، لوحة تعبر عن محاولة التماسك وسط حالة من الفوضى.
أما المفاتيح الثلاثة التي اقترحها خالد ناصر الدين لقراءة هذه المجموعة القصصية، فهي كالتالي:
المفتاح الأول: مفتاح التعيين الجنسي: لقد صنف المؤلف عمله الإبداعي السردي في خانة “القصة القصيرة”، غير أن قراءة القصص الثماني التي تتشكل منها هذه المجموعة جعلت الدكتور خالد لا يتورع عن تصنيفها في خانة جنس “الرواية” لاعتبارات كثيرة أجملها في مقومات ثلاث:تتبع الحدث، الشخصيات، ثم اَلْحَبْكَة. المفتاح الثاني: اللغة وصيغ العرض : التعبير بلغة راقية جذابة جامعة بين الجمال والجلال: “اللفظ القرآني، العبارة القرآنية، القصة القرآنية”. اعتماد لغة أدبية شاعرية جميلة وجذابة، لغة تقوم على الخرق والانزياح وعلى المنحى التصويري الذي يكاد يحطم الحدود بين النثر والشعر. توظيف ألفاظ جزلة، وتراكيب قوية تدل على أن الكاتب قارئ نهم شغوف بالقراءة الجادة الهادفة، يغترف من منابع التراث العربي الأصيل ويقتفي أثر أرباب الفصاحة والبيان، ويمكن رصد صور ومشاهد هذا التراث كما يلي: أالشعر العربي القديم والحديث، بالأمثال العربية، جالحديث النبوي الشريف. وايضا توظيف محصور ومحدود جدا لألفاظ وعبارت من العامية المغربية. وقد وفق الكاتب في الجمع بين صيغ العرض المتنوعة والمختلفة: السرد والوصف والحوار بشكل جذاب ممتع. المفتاح الثالث: الرسالية أو المقصدية: إن رهان هذه المجموعة القصصية هو تصوير حالة الضياع واليأس والإحباط والاكتئاب التي يعيشها الشباب المغربي الحاصل على شهادات جامعية عليا بسبب البَطالة التي تفرض عليه فرضا.
وقد خلص الدكتور خالد إلى خلاصات واستنتاجات مفادها:
_احتفاء المؤلف باللغة العربية الفصيحة الجميلة، وحرصه على متانة التركيب وجزالة اللفظ وجودة وجمال الصياغة، اغترافه من القرآن الكريم ومن الحديث النبوي الشريف ومن الشعر العربي القديم ومن الأمثال العربية الأصيلة، انتصاره لقيم الجد والكد والصبر والمجاهدة والوفاء والاعتراف بفضل الأم والحرص على رضاها، حرصه على تمجيد الأخلاق الربانية الرفيعة: العفة، الحرص على العلاقات الحلال وإنشاء أسرة، الامتعاض من السلوكات اللا أخلاقية المشينة كالتجسس والتدخين، إيثار الصدق والامتعاض من الكذب والفساد السياسي، استنكار واقع الظلم والتهميش، الانتصار للمظلومين، رفض الانخراط في لعبة الخداع السياسي، حضور الدفء الإيماني “الذكر، الصلاة، الآذان” … كل ذلك جعل ناصر الدين يؤكد أن هذه “المجموعة القصصية” تعتبر إضافة قيمة تنضاف إلى مكتبة “الأدب الإسلامي”. وهو ما جعله يرى أن أحمد دخيسي كاتب واعد عمله السردي الأول “دوائر مربعة” يبشر بميلاد كاتب سيكون له شأن في مجال الإبداع السردي.
أما الأستاذ الباحث فريد أمدى فقد أشار في بداية مداخلته إلى أن هذه القراءة التي سيقدمها لا تعفي القراء من قراءة المجموعة القصصية. “لأننا لا نريد أن نقتل القارئ ونشغل مكانه وإنما أن نفتح له الشهية، ونمده بمفاهيم ومداخل للقراءة”.
بعد ذلك تناول إشكالية التجنيس التي قد يطرحها المنجز الابداعي لأحمد الدخيسي، فهو عمل ولو أنه يصنف ذاته في جنس القصة، إلا أنه عمل ممتد وعابر للأجناس الأدبية، فهو متكامل، ونسيج يجعل منه رواية وفيه نفحات شعرية وإقتباسات ونفحات صوفية وتداخل لنصوص من روافد فكرية وإبداعية مختلفة، ما يجعله يحدث تصدعا في التصنيفات الكلاسيكية، وينسجم مع روح الابداع المعاصر، لكن تعريف العمل لنفسه بأنه مجموعة قصصية يقتضي، في نظر الأستاذ فريد، التعامل معه باعتباره كذلك، فالقصة كنوع أدبي تناسب التعبير عن الهامش بما تتيحه من كثافة رمزية للتعبير عن الألم وترميزه، فالقصة تتطلب من القارئ ذهنية خاصة، وهي لا تفصح عن الواقع بل تكتفي بالإشارة والتلويح إليه، وتلقي على المرء مهمة استدعائه. ومن هنا تأتي النزعة الرمزية الملازمة لها، إنها أيضا تتيح التعامل مع الجراح الإنسانية وصوغها في قالب فني وأدبي يتيح للقارئ، لا أن يعيش الألم كما تعيشه الشخصيات، وإنما تنمي لديه وعيا بالحياة بما هي ألم ومقاومة ضده.
وفي هذا الأفق والنقاش النقدي الذي فتحت الندوة شهيته، تطرق الأستاذ فريد أمدى بأفق فلسفي وأنطولوجي إلى أهم التيمات والموضوعات الأساسية التي عالجتها القصص بأفق إشكالي وجدلي، تطبعه الكثير من المفارقات كالبطالة والشغل، والزواج والعزلة، والحتمية القدرية والحرية…، مشيرا إلى أن المجموعة القصصية تدفعنا إلى التفكير في ما تثيره هذه القضايا علينا من تساؤلات وآفاق لللتفكير، بالنظر إلى الشخصيات لا باعتبارها مجرد حالات اجتماعية ونفسية تعيش الأزمات وفقط، وإنما باعتبارها حالات أنطولوجية تعكس وضعية الإنسان ككائن في الوجود، وما يخترق منطق هذا الوجود البشري من إلتواءات وإنعراجات تجعل من الحياة لا مجرد خط مستقيم يفهم بمنطق رياضي وحسابي وإنما هي معزوفة موسيقية متعددة الخيوط والايقاعات و تخترقها أصوات نشاز، والدلالة هنا هي: أن الحياة البشرية بما هي رموز ومعاني لا يمكن ملامستها والاقتراب منها إلا بمقاربة مرنة وبلغة إبداعية وأدبية، وهذا ما يجعل من القصة والأدب بصفة عامة مدخل لفهم الحياة وإعادة صياغة الألم على نحو غير مؤلم وعلى نحو يفكر.
في بداية مداخلة صاحب “الدوائر المربعة”، نوه احمد دخيسي بالمبادرة التي أقدم عليها المركز الفضي للثقافة والإبداع في احتضان المجموعة القصصية وإصدارها، وتنظيم حفل توقيع قدمت فيه قراءاتان للمجموعة القصصية. بعدها تطرق، كمدخل عام، لموضوع القراءة، وقراءة الأدب بشكل خاص، حيث نوه إلى أن الرهان على القراءة لا يمكن أن يموت، رغم صعوبة الأمر في ظل الثورة الرقمية. نبه الكاتب في مداخلته إلى أن قراءة الأدب بكل أصنافه لا يمكن أن يكون مضيعة للوقت لاعتبارات عدة: أولا: لا يتعلق الأمر بجنس الكتاب، بل بجودته وأسلوبه وفكرته وفائدته. ما ينطبق على الأدب ينطبق على كتب الفكر والفلسفة والعلم والدين. ثانيا: قراءة الأدب ضرورة ملحة لبناء وصقل الملكة اللغوية والحفاظ على اللسان، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. ثالثا: الأدب لا يموت لأنه ملازم للإنسان. مهما تطورت الحياة يظل الأدب تعبيرا عن الضمير والوجدان، لأن الأدب، والإنسانيات عموما، يبقي المجتمع في دائرة الحياة. رابعا: القصة والحكاية من أقدم الفنون التي استعملها الإنسان لتربية الأجيال ونقل القيم وترسيخها. وقد وظف القرآن الكريم أسلوب القصص لما لذلك من تأثير قوي على الضمير والوجدان. خامسا: الأدب من الآليات المهمة للتحليل النفسي والاجتماعي والثقافي واللغوي والسياسي لفهم الظواهر الاجتماعية والسياسية.
وفي تفاعله مع القراءتين المقدمتين وبعض أسئلة الحضور، أشار الكاتب إلى أن الأدب يكتب ليُختلف عليه ويُقرأ بطرق مختلفة، وتلك من نقاط قوة الأعمال الأدبية. ونوه إلى أنه حرص على إثارة الأسئلة والإشكاليات في المجموعة القصصية بدل تقديم أجوبة جاهزة عنها. قدمت الإشكاليات على شكل ثنائيات من خلال إدارة الحوار بين الشخصيات حيث يطلع القارئ على الرأي والرأي الآخر، ويرى نفس الموضوع من زوايا مختلفة. من بين الإشكاليات التي وردت في النقاشات بين شخصيات المجموعة القصصية: ثنائية الحتمية-الجبرية والإرادة-الحرية؛ الزواج كمؤسسة مجتمعية مبنية على الصبر والتضحية وبين من يراها عبئا ثقيلا من الالتزامات والمسؤوليات؛ الموقف من الإنتخابات بين المشاركة المقاطعة….
وفي ختام الندوة تم تقديم الشواهد التقديرية والتذكارات تقديرا واعترافا بالمجهودات التي بذلها الكاتب والمؤطرون في إنجاح اشغال هذه الندوة الأدبية.
تجدر الإشارة إلى أن المجموعة القصصية دوائر مربعة، هي من إصدارات المركز الفضي للثقافة والإبداع هذه السنة، وهي المنجز الأدبي الاول للكاتب أحمد الدخيسي.
تقرير عن المركز الفضي للثقافة والإبداع/تنغير