“بيجر” تفتح النقاش حول صلابة المنظومة الأمنية لحزب الله
دنا بريس – كريم محمد الجمال
بعد الهجوم “السيبراني” الإسرائيلي وسط هذا الاسبوع، والذي استهدف عددا كبيرا من مقاتلي حزب الله اللبناني ونتج عنه 37 قتيل و 3000 جريح، فتح باباً للشك والتساؤل حول مدى اختراق البنية التنظيمية للحزب ومدى صلابة منظومته الأمنية.
من المعروف عن حزب الله اللبناني شدة ارتباط عناصره بالبيئة الجنوبية، التي يسيطر عليها الحزب، وأن قياداته وبالأخص في الفرع الأمني تكون من عائلات معروفة بولائها وانتماءها لأفكار الحزب ومبادئه، وعادة ما يُقدم أبناء الشهداء في المعارك السابقة ضد اسرائيل أو في سوريا لتبوأ المناصب التي تقلدها آباؤهم كنوع من الدعم النفسي، والتفاخر العائلي والقبلي في هذه البيئة شديدة الترابط، والتي لا تقبل مجرد النقاش أو إبداء الرأي بشكل سلبي في قيادتها ورموزها.
ولكن؛ وعلى ما يبدو، فالوضع الحالي تغير، وبحسب محللين ومراقبين، فهناك احتمالان لحدوث هذا الخرق الكبير، وهو ليس الأول، بل سبقته عده خروقات على سبيل المثال، مقتل القيادي فؤاد شكر واغتيال الشيخ صالح العاروري القيادي بحماس في عقر دار الحزب في الضاحية الجنوبية.
وذهب البعض إلى اختراق وخيانة داخلية سواء من رجال الحزب أو من متعاونين مثل بعض الشبكات التي تربطه بالحلفاء في سوريا أو في إيران. فيما ذهب البعض الآخر إلى فرضية الاختراق السيبراني، مع العلم بأن الحزب وحلفاؤه في إيران، وحلفاؤه في روسيا والصين، لديهم قدرات عالية جدا في الاختراق وفي التامين السيبراني وقاموا بأكثر من عملية اختراق سابقة للأمن الإسرائيلي، ونقلوا بعض هذه الخبرات للمقاومة الفلسطينية في غزة.
وهكذا؛ يكون احتمال الخيانة أو الاختراق هو الأقرب، خصوصا بعد التحقيقات التي أجرتها السلطات التايوانية مع الشركة الأم المصنعة للأجهزة الإلكترونية والتي أكدت عدم صلتها تماماً بإنتاج هذه الأجهزة.
ومع ظهور تقارير توضح وجود وكيل لهذه الشركة في المجر.. والمجر مثله مثل باقي دول أوروبا الشرقية والتي تعتبر ملعبا فسيحا لأجهزة المخابرات، ومنها الموساد. والمجر تحت حكم رئيس وزراء يميني متعصب ويدعم نتنياهو بقوة.
وربما كل هذه العوامل قد أدت الى اختراق سلسلة الإمداد التي أمدت الحزب بهذه الشحنة. ومع خروج بعض التسريبات الصحفية من الإعلام الغربي عن تمكن الموساد الإسرائيلي من عمل شركة ووكالة وهمية في المجر، وبذلك تمكنت من تمرير هذه الصفقة إلى لبنان، وهو الاحتمال الأقرب، لأن حادث اغتيال فؤاد شكر نتج عن اتصال فتوجه من أحد الطوابق التي كان فيه مكتبه إلى طابق آخر حيث أصابته المسيرة بدقة.
ومع الأنباء التي خرجت عن تنبه أو اشتباه فردين من الحزب في هذه الأجهزة، الأمر الذي عجل بتنفيذ العملية قبل انكشاف الأمر، وربما هذا يصب في مصحلة الحزب لأن هذه العملية كانت إسرائيل تجهز لها في حاله الاقتحام البري، ولو حدث ذلك لكانت العواقب وخيمة وكارثية على البنية القتالية بالحزب والروح المعنوية للبيئة الداعمة له، وبحسب تقارير أمريكية حديثة فإن إسرائيل أعدت لهذه العملية منذ أكثر من 15 عام.
وبالنظر للوضع الديموغرافي في لبنان، والوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ فان المسالة تغيرت تماما عن السنوات الماضية، فمثلا قبل 15 أو 20 عاما، كانت المناطق الجنوبية والضاحية الجنوبية في بيروت لا يقطنها إلا العائلات اللبنانية شديدة الارتباط بالحزب وأغلبهم من العائلات التي نزحت من الجنوب، واتخذت من الضاحية مقر لها ولعملها، ولكن بعد الحرب السورية وأزمة النزوح، وبعد انفجار مرفأ بيروت، وأزمة المصارف، أصبحت الأزمة الاقتصادية شديدة، ومع وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين على خلاف سياسي وفكري مع الحزب نتيجة لموقف كل منهما من الحرب السورية.
فإن هذه العوامل كلها؛ تفتح الباب بشكل كبير أمام قطاع كبير من المتعاونين، بالإضافة إلى الخصومات السياسية للحزب مع أطراف عدة مثل حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، والكتائب، وغيره، الأمر الذي ينتج عنه خصومات وحزازات داخل البلد الواحد، ويصعب عمل الأجهزة الأمنية للحزب لكثرة الأعداد، وللسكان الجدد الذين دخلوا على الضاحية، ومستوى الفقر والبطالة وانتشار الجريمة، والتي يرى محللون بأن امريكا وإسرائيل لهما اليد الطولى في ذلك.
وبالتالي فإيجاد مصادر معلومات بشرية بسهولة تمكن إسرائيل من تنفيذ هكذا عمليات دقيقة وخطيرة، وغير معهودة، وغير مسبوقة حتى داخل البيئة الداعمة للحزب.
وبمقارنة القوى العسكرية والتكنولوجية للجانب الإسرائيلي مع الأخذ في الاعتبار الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود مع الحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، ترجح الكفة الإسرائيلية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة تفكك بنية الحزب وتنظيمه، ولكنها دليل على وجود خروقات شديدة. ومع ذلك؛ يبقى الحزب قادرا على المواجهة والمواكبة، وربما تسفر الأيام القليلة القادمة عن معطيات جديدة، وبالذات لو طالت المعارك الحالية فإن كل طرف سيستخدم أسلحة مفاجئه للطرف الآخر وللمراقبين والمحللين.