الرائدة في صحافة الموبايل

ليبيا بين الواقع المأزوم والمستقبل المجهول!

تمتاز ليبيا بموقع جغرافي وجيوسياسي استراتيجي مهم في شمال أفريقيا والتي تمتد على مساحة تقارب 1.76 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها خامس أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومصر من الشرق، بينما تحدها السودان من الجنوب الشرقي، وتشاد والنيجر من الجنوب، والجزائر وتونس من الغرب.

تتشكل جغرافية ليبيا من الصحراء الكبرى وتستحوذ على الجزء الأكبر من أراضيها، ما يفسر المناخ الصحراوي القاسي في معظم المناطق، فيما يشكل السهل الساحلي على طول البحر الأبيض المتوسط الجزء المتبقي ويعتبر نقطة اتصال رئيسية بين ليبيا وبقية العالم، ويربطها بالقارتين: أوروبا وآسيا معا مما يعزز مكانتها بالمنطقة ويجعلها حلقة وصل بين الاثنتين، ويعزز أهميتها كجسر تجاري، هذا بالإضافة إلى مجاورتها لمصر والجزائر مما يضيف بعدا آخر لمكانتها.

هذا وتتمتع ليبيا بثروات طبيعية هائلة تسهم بشكل كبير في اقتصادها، فهي من أكبر منتجي النفط في أفريقيا بل تمتلك احتياطي هائل من النفط والغاز الطبيعي، كما يعتبر النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، ويشكل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي، هذا بالإضافة إلى موارد معدنية أخرى مثل الفوسفاط والحديد والتي تساهم في الاقتصاد الوطني.

هذه العوامل! من شأنها أن تجعل من ليبيا دولة ذات أهمية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، إلا أنها مع ذلك؛ تظل حبيسة واقع سياسي بئيس، فالاستفادة الكاملة من هذه الموارد والموقع الجغرافي والثروات الطبيعية الهائلة يتطلب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني داخل البلاد.

ليبيا بين حاضر مأزوم ومستقبل مجهول!

تواجه ليبيا تحديات جذرية تظل معقدة بين تاريخها السياسي المتقلب ومستقبلها المجهول، فمنذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، شهدت البلاد تحولات عميقة وأزمات مستمرة، مما جعل واقعها السياسي معقدًا ومبهمًا.

الفوضى والانقسام السياسي:

منذ الإطاحة بنظام القذافي؛ شهدت ليبيا حالة من الفوضى السياسية والأمنية، وغمر البلاد فراغ سياسي وأمني أدى إلى تصاعد النزاعات بين الفصائل المسلحة، منا أسفر عن ظهور حكومتين متنافستين بل متصارعتين، الأولى في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومعترف بها دوليًا، والأخرى في شرق البلاد بدعم من البرلمان والمشير خليفة حفتر، مما يفسر الانقسام بين هاتين الحكومتين وتفاقم الاستقطاب السياسي والنفوذ القبلي، وبالتالي عرقلة أي جهود ممكنة لبناء دولة المؤسسات.

تأثير الفوضى والانقسام على الإصلاح السياسي:

الفوضى والانقسام السياسي كان لهما تأثير كبير على جهود الإصلاح السياسي في ليبيا، الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من توحيد الإطار السياسي أو تنظيم انتخابات ديمقراطية بسبب النزاع المستمر، وكمثال على ذلك؛ الفوضى الأمنية التي شهدتها طرابلس في أغسطس 2024، حيث أدت الاشتباكات بين الفصائل المسلحة إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح العشرات وفي 11 من الشهر نفسه، طوّق مسلحون مبنى مصرف ليبيا المركزي، مما عكس تفاقم الأزمات الأمنية والاقتصادية.

فالانقسام السياسي زاد من تعقيد الوضع، حيث أعلن مجلس النواب انتهاء عمل حكومة الدبيبة واعتبر حكومة أسامة حماد في الشرق “شرعية”، قرار أدى إلى سحب صفة “القائد الأعلى للجيش” من المجلس الرئاسي وإعادتها إلى رئيس مجلس النواب، وفي الوقت نفسه، تمسكت حكومة الدبيبة بقانونية موقفها بناءً على بند في الاتفاق السياسي الليبي في جنيف، الذي ينص على أن نهاية عمل الحكومة المؤقتة تكون بإجراء الانتخابات.

تعطيل مسار الإصلاح وإقامة المؤسسات:

الفوضى والانقسام السياسي أعاقا بشكل كبير مسار الإصلاح وإقامة المؤسسات في ليبيا. على الرغم من الجهود الدولية والأممية للتوسط في مفاوضات السلام، إلى انه ولحدود كتابة هذه السطور، لم يتوصل الفرقاء في ليبيا إلى اتفاقات دائمة بسبب عدم الالتزام الكامل من الأطراف المتنازعة، وهذا الوضع السياسي المأزوم أعاق مسار وتطور التنمية الاقتصادية، حيث تراجعت الاستثمارات وأثرت الأزمات على القطاعات الحيوية مثل النفط وأضعف البنية التحتية.

خاتمة: تظل ليبيا تعاني من تحديات كبرى تتعلق بالاستقرار السياسي والأمني، فالفوضى والانقسام السياسي يعوقان كل الجهود الممكنة لبناء المؤسسات الفعالة وتحقيق الإصلاح السياسي من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، فالوضع الحالي يتطلب توافقًا شاملًا بين الأطراف الليبية والمجتمع الدولي، وتعزيز الحوار الوطني لحل النزاعات وإعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل فعال.

ورقة حول التاريخ السياسي الليبي الحديث:

الاستقلال وبداية الحكم الملكي (1951-1969): نالت ليبيا استقلالها عن الاستعمار الإيطالي تحت اسم “المملكة الليبية المتحدة” سنة 1951 وتولى الملك إدريس السنوسي الحكم كملك دستوري وقاد البلاد خلال فترة الاستقلال المبكرة، وفي سنة 1963 تم تعديل الدستور ليصبح النظام الملكي أكثر مركزية.

انقلاب القذافي وتأسيس النظام الجمهوري (1969-2011): قام العقيد معمر القذافي بانقلاب عسكري ضد الملك إدريس السنوسي سنة 1969 وأسس النظام الجمهوري تحت شعار “الجماهيرية”، فارضا بذلك القذافي نظام حكم استبدادي يركز على السلطة في يد واحدة هي يد القذافي ولا غير، وفي سنة 1977؛ أعلن القذافي “السلطة الشعبية” من خلال ما يسمى بـ “الكتاب الأخضر”، ليؤكد على مبادئه الثورية ونظام “السلطة الشعبية”.

سقوط نظام القذافي والفوضى (2011-2014): اندلعت الثورة الليبية ضد نظام القذافي بدعم من التحالف الدولي سنة 2011، مما أدى إلى سقوط نظام القذافي ومقتله. لتبدأ بعد ذلك فترة من الفوضى والصراع الداخلي كانت لتنتهي بتأسيس حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات لتشكيل جمعية وطنية في العام الموالي، إلا أن الانقسامات والصراعات المسلحة المستمرة بين مختلف الفصائل السياسية حالت دون ذلك.

حالة الانقسام والصراع المستمر (2014-الوقت الحاضر): تصاعد النزاع بين حكومة طرابلس المعترف بها دوليًا بقيادة عبد الحميد الدبيبة والحكومة الموازية في الشرق برئاسة المشير خليفة حفتر، مما أدى إلى اندلاع صراع مسلح، إلى أن عرفت البلاد سنة 2015 توافقا سياسيا برعاية الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وفاق وطنية، لكن هذا الاتفاق لم يحل النزاع بشكل كامل، واستمرت الصراعات وتعددت الحكومات في ليبيا. وفي ستة 2021؛ كان من المزمع تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لكن الفوضى الأمنية والانقسامات السياسية نرة أخرى أعاقت إجرائها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد