الرائدة في صحافة الموبايل

أوليمبياد باريس 24.. بين العشاء الأخير والرخيص!

بعد أقل من ثلاثة أشهر من ذكرى العشاء الأخير للسيد المسيح، انطلقت دورة الألعاب الأوليمبية\باريس 24، الحدثً الذي ينتظره الملايين من العالم بكل شغف لما يحمل من متعة المشاهدة والبهجة والانطلاق وتوحد الأحلام والأعلام والتنافس على جميع المستويات الرياضية والقيمية بمعناها العميق والدقيق المتمثلة في الألعاب الرياضية عموما والأولمبية خصوصا.

مع انطلاق الشارة الكهربائية صديقة البيئة مثلما صرح المنظمون لحفل افتتاح الدورة الأولمبيية باريس 24، الذي انطلق وسط أحدث دموية وحرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني؛ جاء حفل الافتتاح مخيباً للآمال، إذ خرج عن كونه حفلا رياضياً أو فنياً ليحمل أفكاراً سياسية ظاهرة ومستترة، وكذلك سخرية واضحة من كل ما هو جميل، كأن القبح أصبح رسالة عالمية..

كما كان الافتتاح مناسبة لترويج أفكار تتناقض مع مبدأ الحرية ذاته، توحي بأنه يمكن جمع العالم كله في قبضة واحدة على مائدة عشاء ملوثة بالدماء والنساء القبيحات البدينات مثلما عرضته لوحة تعبيرية بشكل فج تحاكي لوحة “العشاء الأخير” للرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي.

المنظر الذي أثار لغطاً كبيرا، وسخط الكثيرين حتى أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوريان انتقد وبشدة الحفل على أنه يعكس “الخواء الأخلاقي” و “ضعف الغرب وتفككه”، وأشار أوريان إلى مشهد تمثيلي شارك فيه متحولون جنسياً قائلاً “القيم الغربية التي طالما اعتبرت عالمية، أصبحت غير مقبولة ومرفوضة بشكل متزايد من قبل العديد من دول العالم” (1).

كما علق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على حسابه الرسمي بمنصة X قائلا: “تسخر الألعاب الأوليمبية علناً من العشاء الأخير ليسوع حيث تلعب الملكات الذين يرتدين ملابس النساء دور التلاميذ بينما تظهر امرأة زائدة في الحجم في المنتصف ترمز إلى يسوع وهو يرتدي تاجاً عملاقاً”، ثم يعلق” هذا ابتذال وذوق قبيح” (3) .

اضطرت اللجنة الأوليمبية إلى الاعتذار رسمياً على منصة X بعد غضب الكاثوليك والجماعات المسيحية والسياسين المحافطين في جميع أنحاء العالم، من مشهد حفل الافتتاح ومحاكاة لوحة العشاء الأخير، صرحت بأن المحاكاة الساخرة للمشهد التوراتي على خلفية نهر السين تهدف إلى تأويل ديونيسوس والتوعية ب “عبثية العنف بين البشر” (3) .

الأحداث العالمية والألعاب الأوليمبية (4)

كان من المنتظر بشكل قيمي وأخلاقي يعكس مبادئ حقوق الإنسان التي طالما روجت لها الدول الغربية،  ودعت إليها أن يتم تعليق دورة الألعاب الأولمبية الحالية احتراماً للحراك الشعبي العالمي  والأوربي واحتراما لحقوق الإنسان المتمثلة في حق  الشعب الفلسطيني كأحد وسائل الضغط السلمية التي من الممكن أن يكون لها تأثير كبير، وهذا ليس بجديد:

  • عام 1932 شهدت الألعاب الأوليمبية انخفاضاً كبيراً بسبب الكساد الكبير.
  •  1940، 1944 تم إلغاء دورة الألعاب الأوليمبية بسبب الحرب العالمية الثانية.
  • 1948 حظرت ألمانيا واليابان عن دورة الألعاب الأوليمبية التي أقيمت في لندن.
  • 1976 قاطعت بعض الدول الإفريقية الألعاب الأوليمبية احتجاجاً على جولة الفريق النيوزيلندي الوطني في جنوب إفريقيا خلال الفصل العنصري.
  • 1984 انتقم الإتحاد السوفيتي من الحلفاء بمقاطعة الألعاب في لوس أنجلوس، لكن المشاركة كانت عالية حتى أنها حققت رقما قياسياً.
  • 1979 في أعقاب غزو الإتحاد السوفيتي لأفغانستان، قاطعت عشرات الدول دورة الألعاب الأوليمبية 1980 في موسكو، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، مما أدى لانخفاض ملحوظ في الألعاب.

ماضي فرنسا المظلم

في 17 من أكتوبر عام 1961، تعرض 30 ألف متظاهر جزائري في باريس لقمع عنيف من قبل الشرطة الفرنسية، سقط ثلاثة قتلى ونحو ستين جريحاً بحسب التوثيق الرسمي، لكن المؤرخين يقدرون عدد الضحايا بالعشرات (5).

صوتت الجمعية الوطنية، بمجلس النواب الفرنسي، لصالح قرار غير ملزم يدين وحشية الشرطة باعتباره “قمعاً دموياً وقاتلاً” (6) .

نالت الجزائر استقلالها عن فرنسا  في العام التالي 1962 بعد كفاح طويل مع الاحتلال الفرنسي الذي استمر حوالي 162 عاماً.

جمع لاعبي الجزائر الزهور الحمراء في قاربهم الصغير الذي يمر على صفحة نهر السين الشاهد على أكثر الأحداث دموية في تاريخ فرنسا المظلم، وفي يوم الجمعة  بموكب الألعاب الأوليمبية  2024 هتف الرياضيون الجزائريون باللغة العربية “تحيا الجزائر”  بعد إلقاء الزهور الحمراء في النهر، تكريماً لشهدائهم؛ ضحايا هذا الحدث الدموي.   

هل عادت سيلين ديون

بفستان فضي طويل ذي أكمام وشعر مربوط إلى الخلف، سمح لملامح وجهها وعيونها السوداء والمنحونة التي تحمل الأمل والألم ان تظهر، هكذا أطلت الأسطورة الكندية سيلين ديون لتقدم رائعة “ترنيمة الحب” التي تعود للمطربة الفرنسية “إديث بياف” ذات العيون السوداء الحزينة، نفس عيون ديون التي عادت من مرض شائك “متلازمة الشخص المتيبس” بعد تجربة في غاية الصعوبة والتحدي، هذا الحضور! الذي بدا  وحيداً بعيداً في عالم آخر، كان أقوى وأجمل وأنبل ما في هذا الحفل.   

الدول المشاركة

يشارك بهذه الدورة 184 دولة بما فيهم فلسطين، مصر، السعودية، أفغاستان، الجزائر، أذربيجان، بنجلاديش، جمهورية الكونغو.

تمثل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى تسجيلاً للألعاب الفردية والجماعية. 

تم تعليق مشاركة روسيا وبيلاروسيا في هذه الدورة على خلفية حرب أوكرانيا.

بدأت الدورة يوم 26 من يوليو وتستمر حتى 11 من أغسطس.

هل من المتوفع مشاهدة منافسة قوية تؤكد بأن الإنسانية لازالت بخير، هل من المحتمل أن تشهد الملاعب موقفاً موحداً لصالح الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية على مرآى من العالم؟!.

أم سيكون حقاً العشاء الأخير للروح الإنسانية على مائدة الطموح البشري؟!

المصادر:

  •  رئيس الوزراء المجري يشن هجوماً على حفل الأولمبياد: تدهور أخلاقي، العربيةزنت-وكالت، 27 يوليو، 2024 .
https://www.alarabiya.net/last-page/2024/07/27
  • لوحة “العشاء الأخير” وربطها بأوليمبياد باريس 2024 يشعل تفاعلاً، CNN العربية، 27 يوليو 2024.
https://arabic.cnn.com/sport/article/2024/07/27/last-supper-painting-paris-olympics-2024-social-reactions

3)  Paris Olympics organisers apologise to Christians for last Supper Parody, the guardian, Angela Giuffrida, 28 July, 2024.

https://www.theguardian.com/sport/article/2024/jul/28/paris-olympics-organisers-apologise-to-christians-for-last-supper-parody

4) which countries are in the 2024 Olympics, and which countries aren’t?, CBS News, Emily Mae, 26 July, 2024.

https://www.cbsnews.com/news/counties-in-2024-olympics

5) 17 أكتوبر 1961 يوم “قمع دام” ضد مظاهرة جزائرية في باريس، الشرق الأوسط،27 مارس 2024.

https://aawsat.com

6) French lawmarkers condemn ‘bloody and murderous’ 1961 massacre of Algerian protesters, 28 March, 2024.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد