مسلسل بابا علي عمل فني اجتمع حوله المغاربة
دنا بريس – عبد الله الجعفري
بتاريخ 02 فبراير 1982، بدوار يقع على مشارف سبت إنكنافن على الطريق المؤدية لدار القايد مبارك النكنافي، وتحديدا بجماعة سيدي الجزولي بإقليم الصويرة، رأى بطل وكاتب سيناريو مسلسل بابا علي النور؛ وبعد أن قضى سبع سنوات بمسقط الرأس وتشرب اللغة والثقافة الأمازيغيتين، سينتقل رفقة العائلة نحو أگادير سنة 1989، إلا أن صلته لم تنقطع بإنكنافن وإيحاحان، عالم القرية والدوار، بل ظل مرتبطا بها، وهو ما يثبته حجم أسماء الأعلام والتعابير اللغوية التي وظفها ضمن حوار أجزاء مسلسل بابا علي الأربعة، كتاقاندوت وأيت محند وسيدي محند أوسليمان وسيدي بوالبركات.
لم يكن أحمد نتاما يدري أن المدينة التي سيستقل الحافلة بمعية والده نحوها من مركز تيدزي على الطريق الرابطة بين سميمو والصويرة، ستحتضنه، وتتفتق فيها عبقريته، وتنقله إلى عالم الشهرة، إنها عاصمة الفن بجنوب المغرب الناطق بتشلحيت، أگادير، التي تستقطب من يجدبهم الفن بكل تفاصيله نحو الدشيرة. فبها سيدشن سنة 1999 عمله الفني كمنشط للحفلات والسهرات، ليتيح له المخرج حسن بوعشرة سنة 2007 الفرصة للوقوف أول مرة أمام الكاميرا، ويتحقق حلمه في ولوج عالم لطالما حلم به ألا وهو التمثيل.
سيجرب أحمد نتاما كتابة السيناريو ب”الفيشطان الشيطان”، وبعد طول معاناة وتسويف سينجح، وهو السيناريو الذي سيلعب ضمنه دور البطولة فيفلح، ليصبح الفنان والممثل وكاتب السيناريو والمخرج الذي يترقب الجمهور الشغوف بالأفلام الناطقة بامازيغية تشلحيت إبداعاته ليصفقوا له عقب كل إبداع يظهر ضمنه بحرارة.
يستمد أحمد نتاما أفكاره من الواقع المعاش للأمازيغ، من رصيد هائل يتضمن اللغة والثقافة، كيف لا وهو المتمكن من تنويعة تشلحيت بكل تفاصيلها، كيف لا وهو الذي يعتبر خزانا متنقلا للأمثال والحكم والعبارات المسكوكة، كيف لا وهو الذي نشأ بمنطقة تعرف بموروثها الشفاهي الغني الذي في صلبه الحكاية واللغز، وهي الكنوز الثقافية الغنية التي تشرئب أعناقها من أعمال أحمد نتاما، فكانت حفلة الشيطان البداية نحو النجاح والشهرة، توالت بعده أعمال كثيرة اندمج فيها ممثلنا الموهوب ضمن الأدوار التي أداها حد التماهي فلم ولن تكون إلا ناجحة، فكتب وأخرج ومثل، وتقمص شخوصا وشخصيات كثيرة من أجفرار إلى بوتحيريت وإميس وقمشيش وبوبريك.
ينتقل بينها وبين تفاصيلها بسلاسة تجعله واحدا ممن نجحوا في تفريد كل منها بالوجه والحركات والتشخيصات التي تناسبها، ليصل إلى شاشة التلفزة عبر بوابة بابا علي الذي يبلغ اليوم جزأه الرابع ويعتبر من الأعمال الفنية التي تحصد منذ أربع سنوات نسب أكبر المشاهدات في المغرب وخارجه.
لقد جعل بابا علي المغاربة جميعا ناطقين باللغة الأمازيغية وغير ناطقين يتحلقون كل يوم بالتزامن مع الإفطار الرمضاني حول شاشات التلفاز منتظرين أحداث مسلسل تجري في عوالم البادية والطبيعة المغربية الخلابة، ويوثق للصراع بين الخير بابا علي والشر عصابات الداغور وأضاشي، وجعل المغاربة يتصالحون مع ذواتهم، بعد أن اكتشفوا أن الأمازيغية تختزن كنوزا هائلة تحتاج لمن ينبش عنها ويريها للعالم.