الفيلم الوثائقي يصنعني ولا أصنعه
بقلم الطاهر عبدلاوي مخرج أفلام وثائقية
كنتيجة لتجربتي في مجال الإنتاج والإخراج الوثائقي؛ هذا المنتوج الإعلامي التواصلي الرائع؛ خلصت إلى أن الوثائقي يصنعك ولا تصنعه؛ كيف ذلك؟
فعندما تأتيك فكرة إنتاج فيلم وثائقي خادم للإنسانية، وحددت أهدافه النبيلة؛ فإنك طبعا تضع تصورك للفيلم موضوعيا وفنيا؛ موضوعيا أي العمق على مستوى المضمون والأفكار والبحث وأن يحمل الجديد للمتلقي. وهذا لن يتأتى إلا باختيارك لطاقم إعداد متمكن، وأنصح هنا بإشراك الباحثين المختصين في موضوع الفيلم، ثم فنيا أي يجب أن يحقق الفيلم الفرجة والمتعة ويشد الإنتباه، وذلك طبعا بالمهنية اللازمة.
وبعد الإعداد ووضعك للتصور الموضوعي والفني تشرع في التنفيذ، وهنا أريد أن أشير إلى خطأ طالما ارتكبناه؛ وهو عندما نقول نكتب سيناريو فيلم وثائقي..، فالفيلم الوثائقي لا يرتكز على سيناريو؛ فكل منتوج إعلامي يبنى على سيناريو مسبق، فهو ليس بالفيلم الوثائقي، نقطة والرجوع السطر.
ربما يتضح لك السيناريو بعد التصوير، مع ذلك تبقى الإمكانية أمام أي تصور جديد، طبعا؛ بناء على المادة الموثقة، وحتى هذا يتغير لحظة بلحظة وأنت على طاولة المونتاج، وانت تكدح نحو تحقيق الأهداف النبيلة التي رسمتها أول مرة، والخادمة للإنسانية؛ بمعنى أن مصطلح التصور الموضوعي والفني هو اللائق بالفيلم الوثائقي وليس السيناريو كما يقال .
فبعد وضعك للخطة التنفيذية، إنطلاقا من الإعداد الجيد وتصورك للفيلم إلى أن تأخذ المصورة وما يلزمها (الكاميرا وكل المعدات الأخرى) فاعلم أنك في الوثائقي، فإجعل كاميرا خاصة تصور وتوثق كل شيء بما فيها الكواليس وكل التفاصيل، فهذه مادة غالية وغنية جدا، ففيها من المصداقية والعفوية ما ستحتاجه لإخراج فيلمك للوجود بالمعايير وبالجودة المطلوبة، وحتى يكون فيلمك ناجحا.
والآن أعود إلى فكرة: “الفيلم الوثائقي يصنعك ولا تصنعه”، فالمفاجئات التي ستفاجئك أثناء التصوير، ثمة عوائق قد تصادفك؛ ستفرض عليك تغيير الخطة، تغيير المكان والزمان بل الضيف كذلك، وتجعلك فعلا تقف أمام فيلم آخر لا كما تصورته أول مرة، بل كما فرضته ظروف وملابسات التصوير… وعلى مستوى المضمون فإن قناعتك قد تتغير لأن أحد ضيوفك أعطاك معطيات جديدة كنت تجهلها تماما، خصوصا إن كانت أسرارا وقد حان الوقت للكشف عنها، وهذا سيغني معارفك وسيجعلك تغير قناعتك وفكرك، وبما أنك كنت موضوعيا ولم تصادر رأي من هو فوقك علما وتمكنا، فهذا سيدفعك لتغير كذلك من سلوكك وأسلوبك، مما ينعكس تباعا على المتلقي / المشاهد الذي يجب إحترامه واحترام ذكائه وذوقه.
ولهذا أقول أن “الفيلم الوثائقي يصنعني ولا أصنعه”.