الدروس الحسنية.. قصة مجالس دينية في حضرة السلاطين
دنا بريس _ إكرام صبان
تعتبر الدروس الحسنية سنة من السنن النبوية، وإرثا تاريخيا قديما دأب عليه سلاطين المغرب منذ قرون، فبالعودة للتاريخ نجد خلفاء الدولة الموحدية يعقدون مجامع علمية، يحضرها عدد من كبار علماء المغرب والوافدين عليه، وفق ترتيب معلوم، وكان الخليفة هو الذي يفتتح المجلس بمسألة علمية معينة، يلقيها مباشرة أو بواسطة، ثم يعود في النهاية ليتولى بنفسه الختم بالدعاء، كانت لاتنصب تقتصر على مجال واحد من مجالات العلم والأدب، إلى أن أصبح الاهتمام فيها بعد ذلك منصبا على صحيح الإمام البخاري، بتحديد شهر رمضان موعدا رسميا لها، هذا ما كان معمولا به على عهد جلالة المغفور له محمد الخامس.
وتم توقيف هذا الإرث التاريخي من طرف الاستعمار الفرنسي في عهد الحماية، فأعاده العاهل المغربي الحسن الثاني طيب الله ثراه إلى الوجود مرة أخرى في سياق كان يتسم بصراع فكري كبير، وقد سارت على درب الرقي والتطور بخطى ثابتة واعية بدقة العصر ومتطلباته، دون أن تقطع الصلة بالماضي التليد في إيجابياته وإشراقه.
أحيى المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، الدروس الحسنية في رمضان 1382هجرية الموافق ل1963 ميلادية، لإعادة الاعتبار للمكانة التي يحظى بها العلماء والفقهاء ودورهم الفعال في حصانة الأمة، ولملمة الصف الإسلامي المترهل بفعل موجة الاستلاب الأيديولوجي الغربي التي كانت تزحف وقتها على البلاد العربية والإسلامية، وبعض عوامل الهدم التي عملت على إذكاء روح الفتنة.
يخصص شهر رمضان من كل سنة لإلقاء الدروس الحسنية بشكل شبه يومي قبل آذان المغرب برحاب القصر الملكي، حيث تنطلق خلال الأيام الأولى لرمضان لتنتهي بختم صحيح البخاري في ليلة القدر المباركة، تحت الرئاسة السامية لأمير المؤمين، بحضور ولي العهد، والأمراء، والمستشارين إلى جانب الوزراء، ورئيسي مجلسي البرلمان وكبار ضباط الجيش، فضلا عن عدد من الشخصيات العلمية والثقافية التي عادة ما توجه لها الدعوة لحضور مثل هذه المجالس، بالإضافة إلى ثلة من كبار العلماء من مختلف دول العالم، مما جعل منها جامعة إسلامية بامتياز.
وحضرالدروس الحسنية مجموعة من كبار العلماء نذكر منهم: متولي الشعراوي، أبو الأعلى المودودي، علي جاد الحق”شيخ الأزهر سابقا”، ورئيس دولة المالديف “مأمون عبد القيوم”..
ومن الأعلام المغربية نذكر على سبيل الذكر لا الحصر، علال الفاسي، المكي الناصري، عبد الله كنون، أحمد التوفيق وغيرهم.
ألقيت عبرها مجموعة من الدروس التي تهم المسلمين وتساعدهم على الفهم الصحيح للدين، بعيدا عن الأفكار المغلوطة التي يروجها البعض حول مفهوم الدين والتدين، وتطبيقه في الحياة اليومية ومعالجة العديد من القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية.
كما ألقى العاهل المغربي جلالة المغفور له الحسن الثاني درسا بتاريخ، 12 رمضان الموافق ل 25 ديسمبر 1966م، انطلاقا من الحديث النبوي الشريف، “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه”.
هذا وتهدف الدروس الحسنية لإحياء التراث وتحقيقه، حيث يقول جلالة المغفول له الحسن الثاني، طيب الله ثراه،
“إن تراثنا الإسلامي والمغربي منه بصفة أخص لخليق بأن يحضنا على الاعتزاز به، ومن أجل ذلك فنحن مدعوون للمحافظة عليه، وشمله بمزيد العناية التي تقيه خطر العفاء والاندثار، مع جعله في ذات الوقت مسايرا لمتطلبات القرن العشرين، ومواكبا سير الحضارة العصرية”، إضافة إلى إتاحة فرص اللقاء بين العلماء، بحيث يستضيف أمير المؤمنين كل عام علماء من مختلف الأفكار والمشارب و المناهج، لمناقشة كل محاضرة في جو أخلاقي روحي مما يبعث على الارتياح ويشعر بمستقبل باسم.
وسيرا على نهج والده جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيب الله تراه، سعى جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ومنذ توليه العرش، جاهدا للحفاظ على هذا الإرث التاريخي الثمين الذي تتميز به المملكة المغربية العلوية الشريفة تحت القيادة السامية لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره. وكذلك على درب وسنة والده المنعم يواصل جلالة الملك المفدى محمد السادس، حيث ألقى بين يديه الكريمتين أول درس من الدروس الحسنية لرمضان 2024، برحاب القصر الملكي بالرباط، وزير الشؤون الإسلامية “أحمد التوفيق” متناولا موضوع التجديد الديني انطلاقا من الحديث النبوي ” على رأس كل مائة عام يبعث الله للأمة من يجدد دينها”.