حميد الخربوشي.. رحلة خطاط تشكيلي حروفي في عوالم الخط العربي
بقلم ذ سعيد تكراوي مراكش 2024
الكتابةُ أداةُ تواصلٍ بَيْـنَ بني البشر… كتابةُ لغةٍ مَا عَبْرَ رسمِ جملةٍ مِنَ الرموزِ تخضعُ لقوانينِ اللغةِ المكتوبةِ مِنْ نَحْوٍ وصَرْفٍ وإملاَءٍ… وتُشَكِّلُ في نهايةِ الْـمَطَافِ كلاماً / نصاًّ / خطاباً. وقد مرت الكتابةُ بمراحلَ عدةٍ: الكتابة المسمارية، والكتابة الهيروغليفية، والتصويرية، والرمزية، والصوتية أو المقطعية، وأخيراً الأبجدية التي انتقلت من الطور المقطعي إِلَى طور كتابة الْحُرُوفِ .
وإذا كانت بدايةُ الكتابةِ عند الْعَرَبِ غير معروفةٍ ناهيكَ عن إشكالٍ تمَـثَّلَ في كونها توقيفيةً أو وضعيَّةً، فَإنَّهَا مرتبطةٌ بالإنسانِ منذُ أزمانٍ خلتْ، أثبتتِ الدراسات أن العصر الجاهلي نشطتْ فيه الكتابة مِنْ مواثيق وعهود وقَصَصٍ وأشعارٍ ( المدرسة الأوسية، وحكاية طرفة بنِ العبد وخاله المتلمس نموذجاً )، وفي العصر الإسلامي انصبت الكتابة بالأساس على الوحيِ. وَمِـنْ كُـتَّابِ الوحيِ الخلفاء الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، إضافة إلى بعض الصحابة منهم أبان بن سعيد بن العاص، وأبـيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وخالد بن الوليد، والزبير بن العوام وغيرهم وفق ما ذكره ابن كثير الَّذِي جعلهم نحو ثلاثة وعشرين كاتباً. وإنْ أجمعَ الْكَثِيرُ مِنَ الْـمُؤَرِّخِينَ أَنَّ أولَ منْ كَتَبَ الوحْيَ هُوَ الصحابيُّ عبد اللَّهِ بنُ أبـي سَرِّح القرشيُّ. وبعد ذلك، انصبت الكتابة على المراسلات حَيْثُ ظهرت الكتابة الديوانية. ثم جاءت مرحلة التدوين والتي اعتنت بجمع أشعار العرب ومن رواد هذا الاتجاه خلف الأحمر وحماد الراوية.
أمَّا طريقةُ رسمِ الكتابةِ مِنْ حَيْثُ الْحُرُوفِ والكلماتِ والتراكيبِ تُسَمَّى خطاًّ، إذ ظهرتِ العنايةُ بِــالخطِّ فِي الْـحَقْلِ العربيِّ فِي بواكيرِ الدعوةِ الإسلاميةِ مِنْ خلالِ كتابةِ المصحفِ إضافةً إِلَى المراسلاتِ .
إذَنْ، الخطُّ فنُّ كتابةِ الْحُرُوفِ والكلمات، وهو في الجوهر كتابةٌ إِلاَّ أنَّهَا مقرونةٌ بنوعٍ من التصميم الخاص، والهندسة الْـمُحكمةِ، وحَسَبَ الدراسات، فإن الخطَّ الكوفِيَّ أَوَّلُ الخطوطِ التي ظهرت بشبه الجزيرة العربية، ثم تطورَ الخط العربي في باقي بلدان العرب مِنَ الشرق إلى الغرب الإسلامي حيث ظهر الخط الكوفي، وخط الرقعة أو الرقاع، وخط النسخ، وخط الثلث، والخط الفارسي، والخط الديواني، وخط الطغراء، والخط المغرب في بلاد المغرب والأندلس على اختلاف أنواعه.
وفي العصر الحديث ظهر خطاطون متميزون، ربطوا فن الخط بالتجارب الدينيةِ مُمَثَّلَةً في آيات قرآنيةٍ مِنَ المصحفِ الكريمِ، وفي التجارب الصوفيةِ مِنْ خلالِ أقوال بعض المتصوفة، وفي التجاربِ الشعريةِ ولاسيما الحديثة منها. ولم يقتصر الخط العربي في هذه التجارب خصوصا الصوفية والشعرية منها على الكتابةِ والتفنن في الحروف العربية فحسب، بل تجاوز الخطاطون ذَلِكَ إلى إبداعِ لوحات من أسطر شعرية مثلاً تحمل في تصميمها وهندستها أشكالاً تتلاءم ومقصديات الشاعر، بَلْ إنَّ فَنًّا قائماً بذاته يُمَثِّلُ هذا التوجهَ وهو فَنُّ التشكيلِ الْحُرُوفِيِّ كما يسمي أهل التخصص.
إنَّ الحروفيةَ النصِّيَّةَ أو الحروفيات النصيَّةَ كحركةٍ في المجال التشكيليِ سعيٌ لتشكيل الْـمَعْنَى انطلاقاً من البنيةِ السطحية بالاعتماد على جمالياتِ فنِّ الخطِّ العربيِّ، وذلكَ مِنْ إدراكٍ متكاملٍ بَيْـنَ ما يوحِي إليْهِ الْـمَعْنَى البلاغِيِّ والْـمَعْنَى الكاليغرافي، ويعنـي ذَلِكَ أَنَّ رُقِيَّ النصِّ كأيقونةٍ لغويةٍ يَتَحَقَّقُ مِنْ خلالِ بنائِهِ الْحُرُوفِيِّ كأيقونةٍ تشكيليةٍ. بصيغةٍ أخرى، إِذَا كَانَ الشاعر يَبْنِي الصورةَ الشعرية عَبْرَ التشبيه أو المجازِ أو الاستعارة أو عبر التناص مِنْ مرجعياتٍ دينية أو أسطورية وغيرهما، فَإِنَّ الخطاطَ التشكيليَّ يَبْنِي لوحتَهُ بتوظِيفٍ حُرُوفِيٍّ يعكسُ تصوراً هندسياً باستثمار الخيال فيتَمَثَّلُ بييةً معماريةً تَتَّخِذُ شكلاً أفقياً أو شاقولياً أو دائرياً أو مشتتاً في تفضيةٍ يُمْليهَا النصُّ والسياقُ الدلاليُّ انطلاقاً مِنَ الْـمَنْحَى الَّذِي تنحوهُ بِنْيَةُ النَّصِّ، إذْ أَنَّ هُنَاكَ تبايُناً بَيْـنَ النُّصُوصِ وكمثالٍ النَّصُّ العرفاني أو الصوفي أو الديني يختلفُ عنِ النصِّ الفلسفيِّ، فالخطاطُ إلى حدٍّ مَا يُشَخْصنُ الْحُرُوفَ حَيْثُ تماثِلُ أفعالَ البشر وسلوكاتهم، بَلْ بصيغةٍ أَكْثَرَ عمقاً تغدو الْحُرُوفُ كائناتٍ شاعرةً.
ويمكن اعتبار الكاليغرافية سفراً روحياً تنفلت فيه ذات الْـمُبْدِعِ مِنْ كُلِّ القيودِ، بَلْ إنَّ الْـمُبْدِعَ يعجِنُ تفاصيلها وجزئياتها ودقائق أمورِها مُضْفِياً عَلَيْهَا قِيَمَ الجَمالِ ومعانِيهِ، ولاَ يتحققُ ذلك طبعاً إِلاَّ مِنْ خلالِ ما اختزنتهُ ذاكرته، ومكتسباته الثقافية والمعرفية عَلَى اختلاف مشاربها لأنَّ غيابَ هذه المعطيات ينأَى الخطاطُ عن إدراكِ المعنى الجمالي وإنتاجهِ.
إنَّ فنَّ التشكيلِ الْحُرُوفِيِّ أَوِ الْحُرُوفِيَّةَ الْـمَغْرِبِيَّةَ مُوَازٍ/ موازيةٌ للفنِّ الكاليغرافي، ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الأخيرَ لُـغَةُ الوظيفة القرائيةِ بأفقٍ جمالِيٍّ، إذَنْ فالتشكيلُ الْحُرُوفِيُّ أَوِ الْحرُوفيَّةُ لغةُ التعبير عنِ الصورةِ الشعريةِ الَّتِي تعكسُهَا تجلياتُ الْحُرُوفِ بمنظارٍ إستيتيقي نابعٍ طبعاً من استيعابٍ دقيقٍ وإدراكٍ محكمٍ للأبْعَادِ والدلالاتِ
وَمِـنْ بيـنِ الخطاطين الذين دخلوا غمار هذه التجربةِ الخطاط الفنان والمبدع حميد الخربوشي.
مَرَّتْ حياةُ الفنان حميد الخربوشي منْ ثلاثِ محطاتٍ أساسيةٍ:
- محطة الولادة والنشأة ( مدينة بوجنيبة):
رأى الفنان حميد النور بمدينة بوجنيبة التي يمكن اعتبارها عاصمة الفوسفاط الأولى، وهِيَ المدينة الصغيرة الهادئة المتربِّعةِ بعمالة إقليم خريبگة جهة بني ملال خنيفرة، والتي يَضُوعُ مِنْهَا عطرُ النضال والمقاومة ضد المستعمر الفرنسي بعد نفي الـملك محمد الخامس من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية مِمَّا يبرزُ الروح الوطنية ولَاسِيَّمَا بعد إعلان العصيان العمالي من قِبَلِ عمال أول منجمٍ للفوسفاط ينهبهُ المستعمر الغاشم. ثم إن زيارة الملك محمد الخامس لمدينة بوجنيبة سنة 1941 ذاتُ أثرٍ كبيرٍ في تاريخ هذه المدينة.في هذا المناخ الغنيِّ ، الحافلِ بقيم الجمال والمعرفة والتصوف، رأى النورَ حميد الخربوشي سنة 1967 وسط أسْرةٍ إذْ كان والدهُ بَنَّاءً يفقه في التصاميم الهندسية زوايا وأعمدة/ سواري وغيرها مما تحتاجه المنازل أثناء البناء من دقة ودرايةٍ، وكانت والدتهُ تمتهن حرفةَ نسجِ الزرابي ومَا تتطلبه منْ حنكةٍ وفنيةٍ مِنْ خلال التعامل مع الألوانِ والأشكال الهندسية ولاسيما أن مدينة بوجنيبة قريبة من مدينة بجعد التي تنتمي لنفس الجهة اشتهرت بهذا الموروث الأصيل. إنها عوامل تنضاف إلى انفتاح حميد الخربوشي منذ نعومة أظافره على كُلِّ ما لَـهُ مساسٌ بالإبداع والفنِّ. فارتأت أسرته أن تُلْحقهُ بالكُتَّابِ مثْل أقرانه، وفي هذا الْعَالَمِ ينفتح حميد الخربوشي على المصحف، قد تكون هذه المرحلة بدايةَ شغفه بالحرف العربي خصوصا من خلال تعامله مع اللوح ولوازم الكتابة عليه.
- محطة التكوين والاكتساب (مدينة الجديدة):
بعد مدينة الولادة، انتقل الفنان رفقة أسرتهِ إلى عاصمة منطقة دكالة: مدينة الجديدة الهادِئَةُ كعذراء تَتَبَخْتَرُ تَحْتَ رذاذ المحيط الأطلسي بَيْـنَ ضريحَيْ وَلِيَّيْنِ مِنْ أولياء الله: ضريح مولاي بوشعيب الرذاذ وضريح مولاي عبد الله أمغار. الجديدة مدينةٌ عريقةُ التاريخ والمعالم التاريخية شاهدةٌ عَلَى ذلك. نفحات الأولياء والزوايا والتقاة الورعين والمتفانين في محبة الله منتشرة في آفاقها، مدينةٌ حظيتْ بتنوعٍ ثقافي مميَّزٍ، وبمكانةٍ مهمةٍ في النضال ومقاومة مستعمرين: برتغالي وفرنسي. كُلَّمَا مررتَ بحيٍّ مِنْ أحيائها خصوصاً حيّ الصفا، وحي بوشريط، وحَيُّ لمِيلْحَة وغيرها إِلاَّ وانتابكَ الشعور بالفخر باستحضار مقاومةٍ فذةٍ ضد مستعمريْنِ لم يستطيعا ثنيَ عزيمة رجال المدينة.
اقتحم الفنان في هذه المحطة الغنية بمشاربها ومميزاتها مما يجعلها استثنائية عالمَ المؤسسة التعليمية، مُتأثراً بوالديه وهو يراود الحرف العربي، فانماز برغبة تطوير عشقهِ في رسم الحرف العربي وهو يتدرجُ في أسلاك التعليم الإعدادي والثانوي. ثُمَّ كرَّسَ جهده في صقل موهبته في مرحلة التعليم العالي، إذ دخل مرحلةً اقتحم فيها عالمَ الخط ساعياً إلى تطوير الخط العربي وفي الوقت ذاته، سعى إلىتنمية مكتسباتهالثقافية والمعرفية.
- محطة الاستقرار والنضج ( مدينة خريبگة) :
رسمَ الفرنسيون خريطة بحث وتنقيب على المعادن وغيرها لنهب خيرات المغرب، وبعد اكتشافهم للفوسفات في منطقة واقعة بين البيضاء ومراكش وبني ملال ارتأوا أن يؤسسوا مَدِينَةً هناك سموها مدينة خريبگة وكان ذلك سنة 1923، بهدف نهب واستغلال مناجمها بحيث اعتبرت حاضرةً غنيةً بالفوسفات. ورغم حداثتها مقارنة بمدنٍ أخرى ضاربةٍ في عمق التاريخ المغربي، إِلاَّ أَنَّهَا تبوأتْ مكانةً مهمةً بحكم الموقع الجغرافي ولا سيما بعد إعمارها حَيْثُ تقعُ في وسط المغرب بجهة بني ملال خنيفرة، وتوجدُ بَيْـنَ مدينة الدار البيضاء، ومدينة مراكش، ومدينة بني ملال، وابن أحمد ووادي زم وهذه المدن التي تحيط بمدينة خريبگة متنوعة على مستوى الإرث الثقافي والفني، فامتصتِ المدينة هذا الغنى التراثي المتنوع مما يدخل في باب الموسيقى والأغاني التراثية مثل العيطة على اختلاف أنواعها وعبيدات الرمى التي اشتهرت بها مجموعة من الفرق الموسيقية الفلكلورية ذات الأغاني المتنوعة.
إضافة إلى ذلك، فالمنطقة غنيةٌ بالزوايا والأضرحة المثيرة بنقوشها، والزوايا والكتاتيب التي اشتهرت بالتعليم الأصيل وحفظالقرآن الكريم وكتابته. وقد تأثر الفنان حميد بهذه العوامل رغم كون هذه المحطة: مدينة الاستقرار الحياتي، وحاضرة الْوَاقعِ المعيشي.
إذَنْ بوجنيبة، الجديدة، خريبگة ثلاث مدنٍ شكَّلَتْ مَحَطَّاتٍ أساسية في حياةِ الفنانِ حميد الخربوشي، حيث بوجنيبة محطة الولادة والنشأة، والجديدة محطة الاكتساب المعرفي والثقافي، والتكوين العالي، و خريبگة محطة الحياة والعطاء الفني والإبداعي. وعبر هذه المحطات تدرجَ في أسلاكِ التعليم من الكتَّابِ إِلَى التعليم العالي بجامعة أبي شعيب الدكالي إذ حَصَّلَ على شهادة الإجازة في الأدبِ العربي. وعبرَ هذا المسار التعليمي لم تفتهُ فرصة الانفتاح على الخط العربي عامةً والمغربي خاصةً.فانفتح على فن الخط، وأنواعه خصوصاً المغربي، ولم يبق رهينَ التفنن في كتابة الحرف العربي، بل تجاوزه لتشكيلِ لوحات من الحروف العربية أو ما يسمى بالكتابة الكاليغرافية فأبدع فيها بشكلٍ مائزٍ جعلته من خيرةِ الخطاطين في المغرب والعالم العربي والعالم الإسلامي، ولاسيما بعد انفتاحه على التجارب الصوفية والنص الديني والحِكَمِ العربية…
ولعلَّ معرفته الشمولية في فن الخط تكللت بمؤلَّفٍ قَـيِّمٍ حول الخط المغربي بعنوان:” التجليل في الخط المغربي المجوهر الجليل أنموذجاً ( الجزء الأول في تأصيل القواعد)،” قد يكون باكورةً لسلسلةٍ منَ الرؤى المتكاملة، والدراية الاستثنائية لفن الخط المغربي، والكتابُ الذي صَدَرَ عن مركز الكويت للفنون الإسلامية من 250 صفحةً يؤكد الرغبة في الإلمام والسعي لنشر الخط المغربي المتميز.
شاركَ الفنان حميد الخربوشي في ملتقيات وتظاهرات وطنية وعربية ودولية، حيث شاركَ في معارض دولية منها: مشاركته في لندن، وباريس، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وتركيا، ولبنان، والشارقة، وأبو ظبي، وتونس، والكويت، والقاهرة، والأردن، والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، وأغلب المدن المغربية . ومنْ بينِ أهم الملتقيات التي شارك فيها ملتقى الشارقة، حيث أبدعَ بالخط المغربي قصيدة الشيخ الرئيس ابن سينا العينية وذلك سنة 2022.
أما بخصوص الورشات، فقد شارك في ورشة بالقاهرة سنة 2018، وورشة بأبوظبي سنة 2022، و ورشتين بالكويت آخرها سنة 2021، إضافة إلى ورشات وطنية شملت أغلب المدن المغربية. أمَّا تلامذته فهم من أنحاء العالم العربي وأوروبا وأمريكا.
وفاز الفنان حميد الخربوشي بجوائز عدة، أهمها: جائزة محمد السادس لفن الخط في دورتها الثانية.
ويعمل الفنان حميد الخربوشي أستاذا للخط العربي بمدينة النشأة: خريبگة.
ومن بَيْـنِ ما أبدعَ فيه الفنان حميد الخربوشي آيات من المصحف الكريم وبعض سوره، وبعض أقوال المتصوفة منهم الحلاج ومحمد بن عبد الجبار النفري[ ” إنما أحادثك لترى فإذا رأيت فلا حديث ” / ” إنْ رآيت غيري لم ترني ” من كتاب ” المواقف والمخاطبات ” لمحمد بن عبد الجبار النفري. إضافةً إلى بعض الشذرات من إنتاجه متأملاً الحياة والكون والبعد المعرفي والفكري. وأبدع بشكل خاص في التجربة الشعرية من خلال تحويل أسطر إلى لوحات في ديوان الشاعرة فاتحة مرشيد في ديوانها ” لاَ حُزْنَ لِي الْـآنَ “.
وَقَدْ أبدع الفنان في ديوان ” لا حُزْنَ لِي الْآنَ ” في تشكيلاته الحَرْفية / شطحاتهِ بتنويعٍ فِي الخطِّ المَغْرِبيِّ حَيْثُ وظَّفَ الخطَّ المغربيّ المجوهر الجليل، والخط المغربي الثلث الجليل والخط المغربي المبسوط الكوفي. ويتبينُ أَنَّ الخَطَّ المحوريَّ الْـمُعْتَمَدَ فِي الإيقاع الكاليغرافيِّ خطٌّ مغربيٌّ صرفٌ مِمَّا يدلُّ عَلَى كَـوْنِ شطحاتِ الزاهد في محبة الحرف المغربي حميد الخربوشي مغربيَّةً خالصةً بغضِّ النظرِ عنِ الْبُعْدِ الكونِيِّ للشذراتِ أَوِ الأيقونات اللغوية الَّتِي شكَّلَتْ رحمَ الشطحاتِ.
إنَّ التنويرات/ اللوحات في ديوان فاتحة مرشيد مثابة شطحات صوفية تكوَّنَتْ في رَحِمِ الشذراتِ … شطحات تندرج بشكلٍ فنيٍّ ونقديٍّ وإجرائيٍّ في بَابِ التشكيلِ الحروفيِّ، أكثر مِمَّا تندرج فِي النَّسَقِ الْخَطِّيِّ. وبذلكَ، يَكُونُ الفنانُ الخربوشي استثناءً في الالتفاتة للأدوات التراثية الخطية المغربيةِ بلبوسٍ أَكْثَرَ إنسانيةً.
حميدالخربوشي حكيمٌ في برجِ إبداع الخطِّ العربي، قدِّيسٌ يَــبْعَثُ الْحَيَاةَ في الخط المغربي، ويمزِّقُ الستائرَ والحُجُبَ عَنْـهُ، متصوِّفٌ في حضرةِ الحرفِ العربي مريدوه شتى من بلدان العالمينِ العربي والإسلامي، لا يضنُّ عنهم بإشراقاته ونورانياته الخطية الإبداعية.