Le harcèlement scolaire، أو المضايقة المدرسية .. الركن المغيب في مقاربة العنف بالوسط المدرسي المغربي ..(ج2)
الدكتور محمد حماس
كنت ألاحظ وأتابع، بحكم المهنة، وأتابع عددا من حالات التنمر والمضايقة المدرسية التي تقع أمام ناظري داخل الفصل أو خارجه في فضاء المؤسسة، فأرصدها وأتابع أصحابها، لسببين، أولهما انني كنت ذات طفولة ضحية، وثانيهما اهتمام المربي والباحث، فكانت أغلب الحالات تصل مرحلة الاستماع والمصالحة بين المعتدي والضحية، بعد أن يتفهم ويقتنع كل طرف بموقعه، ويقف على مكامن الضعف … طبعا لم أكن لأنحاز لأي طرف ..
- السياق والنواقص ..
المضايقة المدرسية وجه من أوجه العنف في الوسط المدرسي، لا يتم التعرف أو التبليغ عن حالات المضايقات المدرسية، والتي تحدث يوميا وبشكل متكرر، دون أن ينتبه إليها المسؤولون، إدارة تربوية ومدرسون وأسرة، فتبقى طي الكتمان تترعرع مع الضحية إلى أن تتحول إلى مركب نقص .. وتتحول إلى عنف جسدي، كما يحصل حاليا في العديد من الثانويات وداخل أسوار الجامعات .. المؤسف أن الوزارة الوصية لا تهتم بالظاهر المستفحلة، لأن بيدها الحل، فالأمر له علاقة بتفشي التطرف الفكري وما تبثه السياسات التعليمية من فكر عدمي وتيئيسي وأفق مظلم، وقد حل الفكر الظلامي ليسري مثل الورم الخبيث وسط الناشئة، عبر الأساتذة أنفسهم، وقد عرفت فترة نهاية التسعينيات إلى متم سنة 2010 التي توجت بالتعديلات الدستورية في 2011، متأثرة بما عرف آنذاك، بهتانا، “الربيع العربي” الذي كان مسرحية مكشوفة وفق أجندة خارجية للإجهاز على كل نفس فلسفي وكل فكر حر تحرري، وقد عصفت الثورة المصطنعة المرحلة بعدد من الرؤساء المنتهية صلاحيتهم والفاقدين أصلا لأي مصداقية من شعوبهم، وأوصلت تجار الدين المتفيقهين لمراتب تدبير الشأن العام، فعثوا في الأرض مفسدين، هم مسخرون ينفدون ويستفيدون، وظنت الشعوب أنها الفاعل، لكن هي مجرد قطيع يتبع دقات جرس المعلق في عنق الكراز.
ثم إسهال الفكر العدمي الظلامي عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي حتى أضحى التلميذ والأستاذ يتفننان في رسم اللحية وتشذيبها، ورد التحية بأحسن منها، ولم نعد نرى ذلك الأستاذ الأنيق بربطة عنق ووزرة بيضاء وذقن حليق أو بلحية لا مرجعية لها، إذ لا تكاد تتعرف على الأستاذ من هندامه إلا قلة من أساتذتنا من الجيل القديم، حين كان الأستاذ أنيقا يتأبط جريدة أو كتابا، متحررا لا عتمة في دماغه، ولا حور عين…
- صفات المعتدي .. المضايق لغيره
يتحلى المتنمر، المعتدي، المضايق لغيره، بصفات تعكس سيكولوجيته ووضعه النفسي الذي يعود بالأساس للوسط الذي تربى فيه، وظروف تنشئته الاجتماعية، نذكر منها الحرمان، والتفكك الأسري، الخصام الدائم بين الأبوين، تعرضه للاعتداء البدني أو المعنوي، أو الاعتداء الجنسي خلال مرحلة عمرية، أو هناك من المشاهد ما خلف لديه جراحا عميقة في الذاكرة، مسل سلوك مشين لأحد والديه، او إدمانه على مشاهدة افلام الرعب والقوة والعنف، … جمعها أشياء يكون لها تأثير سلبي على شخصية الطفل، فيكبر وهو يحمل كل هذا الدمار النفسي، فينجم عنه شخص عنيف أو انطوائي وانعزالي. ومن بين هذه الشخصيات ينبعث الشخص المعتدي الذي يبحث عن ضحية يفرغ من خلالها ترسبات تنشئته وعقده، لأنه حتما، المتنمر أو المعتدي ليس شخصا متوازنا نفسيا، فيكون عدوانيا في غالب الأحيان، فيسعى دوما لتأكيد حضوره، ولفت الانتباه إليه، كي يظهر بمظهر القوي الذي يخشاه من حوله من اليافعين، محاولا بذلك السلوك السيطرة على أقرانه، فيكون مندفعا impulsif، أو مفرطا في النشاط hyperactif، فيصبح بذلك محط ملاحظة من حوله، بما في ذلك والديه ومعلميه والمؤسسة التعليمية التي ينتمي إليها. وهو سلوك، أو لنقل شخصية، تنتقل خارج أسوار المؤسسة التعليمية، لأنها تلازم صاحبها، فيتصرف بذات السلوك بين الأقران في الحي أو في قاعة الرياضة، او في أي مكان يجمعه مع أقرانه، إذ أول ما يعمل على إثباته هو حضوره والتنمر على الآخرين، وقد ينطلق من ضحية ضعيفة ليختبر قوته، ثم يجمع من حوله شلة من الأقران يساندونه ويخدمون نزواته، ويسخرهم لتنفيذ مخططاته لمضايقة ضحاياه، بمعنى أنه يؤسس، بشكل أو بآخر لعصابة، لأن المعتدي L’agresseur، يسعى لفرض المزيد من الهيمنة وتوسيع نطاقها، وكلما وضع في موقف الضعيف يتحول إلى عنيف أكثر فأكثر. أما مستوى قردراته المعرفية ومردوديته الدراسية، فتبدو النتائج التي يتحصل عليها متأرجحة بين الجيد والضعيف، ويعزى هذا، في اعتقادنا، للتذبذب والاضطراب الذي يطال نفسيته وسيكولوجيته، إذ تبدو عليه علامات القلق. كما أنه يرغب في بعض الأحيان أن يتم استفزازه، أو يبحث سبب للاعتداء على الآخر. وحين اقتفاء أثر شخصية المعتدي سوف ينجلي جانب خفي على شكل شعور بالذنب أو التعاطف مع الضحية un peu d’empathie.
يرى عالم النفس النرويجي Dan Olweus، أنه يصعب إعطاء تفسير دقيق لشخصية المعتدي L’agresseur اعتبارا لظروف تنشئته الاجتماعية والاقتصادية، وهو رأي، في نظرنا، يحتاج لتبرير لأن الظروف الأسرية التي ينشأ فيها المعتدي وتربيته وكذا ظروفه الاقتصادية، تبقى الأهم في تشكيل هذه الشخصية، التي يجب التصدي لها قبل أن تلازم صاحبها رغم تقدمه في السن، وقد اسلفنا أن التفكك الأسري أو موت أحد الأبوين … وكذا الحاجة والفقر، عوامل كفيلة بسحب الثقة من نفس المعتدي وتشكيل مركبات نقص لديه، لأن كل شخص يعيش أزمة اقتصادية أو أسرية، مؤهل للقيام بأعمال عنف.
تبدو على المعتدي أو المتنمر، صفات الأنانية l’égocentrisme والنرجسية le narcissisme، ليحظى بالإعجاب، وليس المقصود بهذا التشخيص ان المعتدي حتما يعاني من حالة مرضية Pathologiques، لأن المعتدي أو المضايق في سياق Le harcèlement scolaire، ليس شخصا منحرفا، ولا يسعى للخراب والتخريب، لأنه كما أسلفنا يشعر بالندم عند المواجهة والمصالحة مع الضحايا المعتدى عليهم، لأن سلوكه يأتي للتعبير عن تضخم الأنا والتعويض عن النقص، فهو شخص لا يستطيع إظهار عواطفه الحقيقية، فيحتقر الآخرين، ويفقد الثقة فيهم، ويتفاقم لديه الشعور بكونه ضحية من حوله.
لا يمكن التمييز بين الفتيان والفتيات في تقمص دور المعتدي، لأن مثل هذه الشخصية يمكن أن تنمو داخل فتاة كما هو الحال بالنسبة للفتى.
- صفات المعتدى عليه .. الضحية ..
غالبا يكون الضحية يعاني من إعاقة جسدية، أو فقيرا رث الأسمال، أو تلميذا مهذبا لا يعرف سبيلا للعنف أو الغلظة أو الاندفاع والتجتني على الآخرين، بل يبادل الجميع باحترام شديد نتيجة تنشئة أسرته. وقد تكون شخصيته عكس كل هذا، يكون الضحية يعاني من العزلة الاجتماعية والانطواء، فيحس العجز، ويكون ذا بنية جسمانية هزيلة، فيثير مطمع المعتدي.
يقتنع الضحية أنه خلق ليكون على هذا النحو، فيعتبر نفسه كبش فداء le bouc émissaire، لأنه تم اختياره من طرف المعتدي ليقوم بهذا الدور، فيصبح مصدر تسلية بين أقرانه وقت الاستراحة او عند الدول الفصل والخروج منه، أو داخل الفصل في حضرة الأستاذ، الذي قد لا يبالي بهذا السلوك ولا يقدر حجم الضرر الذي سوف يخلفه حتما عند الضحية، لأن تدخل الأستاذ كفيل بإرجاع الأمور إلى نصابها.
يتواجد الضحية، جل الوقت، في المكان غير المناسب، ليجد في استقباله المعتدي وزمرته، او المعتدي لوحده، لأن المعتدي يتربص بأمثاله. فتبدو شخصية الضحية وكأنها خلقت لتقوم بهذا الدور، لا يمكن استبدالها أو قيامها بدور آخر. فقد يكون الضحية متفوقا دراسيا، فيكون التفوق مصدر وقوعه في شرك المعتدي بسبب الحسد والنقمة. ثم إن الضحية شخص قد يضع نفسه على مرمى أطماع المعتدي، بمعنى أنه يشجع الآخر على التعامل معه كونه ضعيفا Il se laisser séduire، وبالتالي فالمعتدي يستهدف الضعيف، ويركز على مكامن الضعف في شخصيته، أو يكتشف أسرار تدمر الضحية، وهي أسرار عن حياته الأسرية وخصوصياته وكل ما هو حميمي، فتلتصق بالضحية عدة ألقاب قد يحملها معه العمر كلها، وهي ألقاب ذميمة قبيحة.
- عواقب المضايقة المدرسية
تكون انعكاسات المضايقة سلبية، سواء على الضحية أو المعتدي، فالضحية يعاني المضايقة الدائمة، لدرجة تدفع به للتغيب عن الفصل لمدة طويلة أو قصيرة، أو يصل الأمر حد الانقطاع عن الدراسة. ثم الدخول في أزمة نفسية متفاقمة ترهق الضحية وتستنزف قواه وقدرته على التفكير الإيجابي، فيغرق في التفكير في معاناته وما سوف يلاقيه كل يوم، لأنه موقن أن المعاناة مستمرة ولا نهاية لها. والأكثر من هذا كله أن لا منقذ له ولا خلاص، وكأنها قدر مكتوب.
ثم هناك العنف البدني، إذ غالبا ما يحمل الضحية كدمات او خدوشا بائنة على جسده، فينفي حدوثها او انه تعرض لاعتداء أو مضايقة خوفا من المعتدي، فهو لا يستطيع الدفاع عن النفس. ثم إنه لا يستطيع ردع المعتدي أو وضع حد للشائعات التي ينشرها المعتدي وزمرته
كنت ألاحظ وأتابع، بحكم المهنة، وأتابع عددا من حالات التنمر والمضايقة المدرسية التي تقع أمام ناظري داخل الفصل أو خارجه في فضاء المؤسسة، فأرصدها وأتابع أصحابها، لسببين، أولهما انني كنت ذات كفولة ضحية، وثانيهما بسبب اهتمام المربي والباحث، فكانت أغلب الحالات تصل مرحلة الاستماع والمصالحة بين المعتدي والضحية، بعد أن يتفهم ويقتنع طل واحد بموقعه ويقف على مكامن الضعف … طبعا لم أكن لأنحاز لأي طرف .. فينجم عن هذا فقدان الثقة بالنفس وضغط قوي على الضحية يتسبب له في اضطرابات نفسية قد تدفع به للانتحار … (يتبع)