الرائدة في صحافة الموبايل

“Le harcèlement scolaire”، أو المضايقة المدرسية، الركن المغيب في مقاربة العنف بالوسط المدرسي المغربي (ج1)

الدكتور محمد حماس

عادت بي الذاكرة وأنا أعد المادة البحثية لكتابة مقالة أكاديمية عن “المضايقة داخل المدرسة”، أو المؤسسة التعليمية، وهي ترجمة للتعبير الفرنسي Le harcèlement scolaire، إلى السنوات الأولى من التحاقي بالمدرسة في سن السابعة و3 أشهر، بمسقط رأسي بمدينة تاوريرت، بمؤسسة علال بن عبد الله للبنين، العام 1969م، حيث كان الاختلاط محرما، ينظر إليه الفهماء أنه “لاتربوي”، … ليس هذا موضوعنا، الأمر يتعلق بما كنت أتعرض له من مضايقات، لست الوحيد الذي حدث معه هذا، من طرف بعض الأقران داخل المؤسسة التعليمية ليمتد خارجها، ويتلخص الأمر في توجيه كلام جارح أو نابي، مثل، “أيها السمين”، أو جلعي محط سخرية، أو سلب اللوازم المدرسية على قلتها، لأنها لم تكن تعدو ريشة للحبر وقليلا من الطباشير والخشيبات وتلاوة ومصحفا …، فكان الأمر يستمر بشكل يومي تقريبا، مع التهديد بالضرب إن أنا أفشيت السر للمعلم. كنا أبناء فئة اجتماعية واحدة، لا تمايز بيننا. وهو الأمر الذي استمر بالسلك الإعدادي، لأن المدينة كانت تتوفر على مدرسة واحدة وإعدادية واحدة، هي نفسها تحمل اسم علال بن عبد الله، وقد انضافت إليهما مدرسة ابتدائية أخرى هي المدرسة المختلطة، مدرسة الرازي حاليا … الذي يحز في النفس أن بعض أساتذتنا كانوا يسلكون ذات المعاملة، التي تبدو عابرة غير ذات قيمة، لكنها كانت تخلف أثرا في نفسية التلميذ الطفل، ومنها أذكر أحد أساتذة الرياضة بالسلك الإعدادي الذي كان ينعتني ب”كيس الطحين”، لأنني لم أكن أقوى على القفر على Trapèze بشكل جيد، الشيء الذي كان يثير سخرية من زملائي في الفصل الدراسي، وكذا حرماني من المشاركة في الألعاب المدرسية، بل من الزملاء من ظل يشيع بين الأقران أنه حدث أن تجاوزتني فتاة من فصلنا في سباق داخل المؤسسة، فيغرق في نوبة من الضحك تصم أذني.

⦁ كم واحد منا تعرض للمضايقة المدرسي؟

هذه الممارسات ومثلها، حصلت في بداية السبعينيات، وقبل ذلك بعقود، وهي الظاهرة التي عرفت فيما بعد ب”التنمر” bullying، أو التسلط والاستقواء. ولم يكن أحد ليعيرها أدنى اهتمام أو يربطها بعلوم التربية والتحليل النفسي، حملتها، كما عانى منها الكثير من أمثالي، معنا لسنوات، انضافت لعدد من العقد النفسية التي تلبستنا وورثناها بسبب التنشئة التي اتسمت بالحرمان والفقر، وما عاناه الجيل الذي أنتمي إليه، لأن المستوى الاجتماعي، كما أسلفت، كان متكافئا، إذ كثيرا ما شكل الشاي وخبز الشعير وجبة رئيسية لنا، بل كان الكثير من الأطفال يرتادون المدرسة حفاة .. هكذا كنا نتأبط كتب المدرسة وسط كيس بلاستيكي أحمر …، فرددنا “أحمد والعفريت” و”يا إخوتي جاء المطر” و”Mina Jolie Mina”، و”زوزو يصطاد السمك” ..

أعتقد أننا انتصرنا، رغم كل هذا، لأسباب كثيرة، منها كفاح ونضال أسرنا من أجل لقمة العيش رغم الفاقة وكثرة الأبناء، وسعيهم الحثيث لتدريسنا، إذ كان أولياؤنا يصرون على أن نتابع دراستنا ونتعلم وننجوا من براثين الأمية التي عانوا منها هم أنفسهم. لن نستطيع رد الجميل سوى بحبنا لهم .. ثم سبب آخر أساس هو المعلمون الذين تتلمذنا على أيديهم، لأنه رغم العقاب البدني واللفظي، فقد علمونا باجتهادهم وليس بالمقرر الفارغ من أي نفس علمي أو فلسفي. أذكر المعلمين والمعلمات جميعهم، وما قدموه لنا، فقد تخرجت أجيال على أيديهم، علمونا الكثير .. لا زلت أذكر يوم الخميس وجحيم la conjugaison، وحصة الخط عبر les interlignes، ثم درس الأخلاق … فرغم كل تلك القسوة التي عرفتها المدرسة العمومية في تلك الفترة، والتي امتدت إلى نهاية الثمانينيات، سوف تظل مصدر فخر وامتنان لكل ذلك الجيل من هيئة التدريس، إذ يحق لنا الافتخار كوننا تخرجنا من المدرسة العمومية …

استطعت مع مرور الزمن أن أتعافى من أعطاب الطفولة ويشتد عودي، وأبتسم كلما ذكرت لحظة غضب عابرة … نتوق للقاء زملاء الطفولة .. نحكي القصص الجميلة ونغرق في الضحك البريء كلما ذكرنا لقبا أو صفة لواحد منا .. تربينا على القيم من لدن أسرنا ومحيطنا، ثم صقلنا أساتذتنا داخل المؤسسة العمومية ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد