نظرة خاطفة على المجتمع الأوروبي
مصطفى الحسناوي، صحافي وكاتب
أعرف أن صنفا من الحداثيين، وصنفا أيضا من الإسلاميين، سيتفاجآن، بمثل هذه اللافتة، أو أي لافتة أو خبر مشابه.
صنف لم يحتك كثيرا بالناس، لم تتشعب علاقاته خارج تياره وأيديولوجيته، لم يسافر، لم يقرأ ويطالع، خارج أدبيات أيديولوجيته.
هذا الصنف الذي لايسافر ولا يحتك بالناس المختلفين عنه، ولايطالع أو يتابع لينوع معارفه، ويلقح ثقافته، سواء كان حداثيا أو إسلاميا، هو وبال وكارثة، بكل ما للكلمة من معنى.
الصنف الأول سيصدمه الخبر، لأنه يظن أن العقلية الأوروبية، تقدس الحرية الفردية بإطلاق، فكيف تمنع إنسان من تنزيل سرواله الشخصي، وإظهار ملابسه الداخلية؟
والصنف الثاني سيصدمه الخبر أيضا ويغضبه، لأنه تم تلقينه أن أوروبا ماخور كبير، وهو دائما يشحن غيره ويلقنهم، أن الأوروبيين مجموعة من الحثالات الديوثيين، فكيف توجد مثل هذه اللافتة، التي تفسد عليه صورته النمطية تلك؟
يتخيل الحداثي المغربي و العربي عموما، الذي لم يطالع ولم يسافر، أن الغرب هو بلاد الحريات المطلقة، والمساواة والعدالة المطلقة، ولايتصور أن هناك خصوصيات، وتواجد مكثف للرموز الثقافية والدينية، وتأثيراتها في الثقافة والقوانين والمجال التداولي.
لايخطر بباله، أن في الغرب من يشمئز ويتقزز من دعوات المثلية، ومن يحارب الإجهاض، ومن يرفض التلقيح، من منطلقات ومعتقدات مسيحية، وأن هؤلاء لهم أحزاب بل وممثلون في البرلمان.
لايعلم أن هامش الحرية الذي كانت تتيحه دول الغرب، للمسلمين عموما بل وحتى للإسلاميين، بل وللمتطرفين أيضا، سقفه أعلى بكثير، مما يطالب به العلمانيون في بلداننا، من مضايقة وتضييق على الإسلاميين، وأن الأوضاع لم تبدأ بالتحول، إلا بعد تنامي العمليات الإرهابية، بعد شتنبر الأسود.
الإسلامي المتقوقع أيضا داخل تياره، والذي لايطالع إلا كتب تياره، ولايعرف إلا شيوخ تياره، ولايربط علاقات صداقة وتعارف إلا مع أبناء تياره، الذي لم يسافر خارج تياره ولاخارج بلده، لايقل سوءا وقصورا في نظرته للغرب أيضا.
لدرجة أن بعضهم يصف الأوروبيين بأنهم مجموعة من الديوثيين، يمارسون الجنس على قارعة الطريق، ويعتقد أنهم بلا أخلاق، ولا كرامة، ولاشهامة، وأنهم مجموعة من الحيوانات، يتخيل أن العنصرية هي الأصل، وأن الدعوات العنصرية، تسيطر على الدولة والمؤسسات والمجتمع والطرقات والجيران، وأن الأمر أشبه بالنازية بل بمحاكم التفتيش، وأن المسلمين مضطهدين، مطاردين، الغربيون يلاحقون حجاب المسلمات في الطرقات لنزعه، والحكومات تتآمر لإغلاق كل مسجد، وكل مدرسة وكل مجزرة إسلامية، وأنها ستحرق المسلمين في أفران الغاز، أو تشحنهم إلى سيبيريا، أو غوانتانامو، لينقرضوا.
والحقيقة أن الغرب أمة كباقي أمم الأرض، لها هوية وثقافة تفتخر بها وتعتز بها، صحيح خف الدين والتدين عندهم، ولم يعد له وجود في تشريعاتهم، لكن الثقافة والهوية الغربية، تمتح من الثقافتين المسيحية واليهودية، ومن الإرث الروماني واليوناني، ومن الخصوصيات المحلية، وتعتز بذلك.
وهي أمة تبحث عن مصلحتها، فتلجأ لكل الأساليب من أجل ذلك، بما فيها التدخل في سيادات دول أخرى، حتى بالقوة أذا اقتضى الحال، ولها تاريخ في الغزو والحروب والعدوان.
أمة تحفظ حقوق مواطنيها، وترعى مصالحهم، مع عدم ظلم غيرهم ممن يقيم فوق أرضها، أو الاعتداء عليهم، وحفظ حقوقهم، ليس بشكل مثالي، ولكن هذا أحسن الموجود على الكرة الأرضية.
واستطاعت أن تؤسس لأعراف، للتداول على السلطة، واحترام الاختلاف، وتحقيق العدالة، واستقبال المهاجرين وحمايتهم، وتوفير العيش الكريم لهم، وقد نجحت أعرافها تلك، ورست مؤسساتها على أرضية صلبة، وقطعت مع لغة الثأر والقتل والانتقام والانقلابات، داخليا في الدولة الواحدة، وفيما بين دولها المتعاونة.
هذه هي أوروبا، بنظرة موضوعية، ليست نعيما، وليست جحيما، بعيدا عن النظرة القاصرة، لهذا الطرف أو ذاك.