الدرجة الصفر في القيم
بقلم محمد احداد
في الانتخابات التشريعية الماضية، انقسم الناخبون بين حزبين كبيرين: “البام” مدعوما بكل الوسائل، و”البيجيدي” مسلحا بخطاب الضحية، وكانت الفكرة التي قام عليها التصويت مقتبسة من العبارة الشهيرة لعبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، “عطيوني أصواتكم وخليوني مني ليهوم”.
ما معنى ذلك؟ معناه أن الحزبين يمثلان مشروعين مختلفين ومتناقضين ولن يلتقيا إلا بمشيئة الله كما يقول المثل، ولئن كان المنطق قد احترم باصطفاف “البام” في المعارضة، فإن ما حدث في طنجة بداية الأسبوع الماضي حينما سحب حزب العدالة والتنمية مرشحه رغم بلاغ الأمانة الجهوية الذي هاجم فيه “البام” نفسه، يمنحنا تأشيرة السؤال: ماذا تغير بين 2016 و2019؟ لماذا ذهب المقترعون لصناديق الاقتراع؟ ألم يعد “البام” حزبا للتحكم والاستبداد أم أن الاختباء وراء مقولة “التحالف التنموي” تشكل مقدمة لتحالف واسع بين الحزبين؟
والحال أن ما جرى في طنجة لا يشكل إلى جزءا بسيطا من سوريالية المشهد السياسي المغربي، الموسوم بالإخلال بالتعاقدات مع الناخبين، والتفريط في أصوات المنتخبين تماما كما وقع في حادثة “البلوكاج” الذي تحولت فيه بقدرة قادر 37 إلى عدد أقوى بكثير من 125 مقعدا، بعدما آثر سعد الدين العثماني ومن باب “حسن النية” أن يتنازل عن جميع التعهدات التي قطعها بنكيران في الجولة الأولى من المفاوضات. وعلى هذا النحو استحالت “انتهى الكلام” التي نحتها رئيس الحكومة السابق إلى “ابتدأ الكلام”، أما الناخب الذي صوت على “البيجيدي” فقد فعل ذلك لأنه رأى مسيرة “لقيطة” نظمت بالدار البيضاء إساءة للعمل السياسي قادر على معاقبة الجميع.
الدرس التونسي صالح لكل زمان ومكان، وهذا ما يشرحه عبد الإله السطي الباحث في العلوم السياسية، قائلا: “يمكن القول إن جزءا من الناخبين جرب ورقة البيجيدي خلال الثمان سنوات السابقة، لأن الحزب آنذاك كان يطالب بمنحه فرصة الحكم ورفع سقف وعوده السياسية، وساعدت ظروف أخرى بعضها جيوسياسي على وصوله إلى الحكم، لكن اليوم بعد أن خاب ظن المواطن، وتفاقمت الأوضاع المعيشية كالبطالة وغلاء الأسعار والصحة وغيرها، لا يمكن إلا أن نتوقع عزوفا انتخابيا خلال الاستحقاقات التشريعية القادمة، في ظل غياب بديل حقيقي، ولأن الأحزاب لم تنتصر على نفسها ولم تستطع أن تحقق ثورة داخل دواليبها، وستكون مضطرة لإعادة تسويق نفس الوجوه السياسية ونفس الخطاب المستهلك”.
التراجع عن الوعود والالتزامات ظاهرة مقلقة، وإلا كيف يمكن أن نفهم أن رئيس الحكومة السابق ومعه جزء كبير من الحكومة وعدوا المغاربة بمعاقبة مسربي امتحان الرياضيات، وإلى اليوم لم يظهر المسرب، وهذه معضلة السياسة بالمغرب.. إنها معضلة فقدان الاستقلالية السياسية وعدم القدرة على قول لا لحظة الإجماع المزيف.
الملف الأسبوعي، جريدة المساء بتاريخ 1 نونبر 2019