بوشعيب الساوري ورشا الخطيب يسلطان أضواء جديدة على الرحلة الموريسكية
عبد الرحمان الزّنَادِي
عقد منبر العلوم الإسلامية للثقافة والمعرفة بكلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد، ندوته الدولية الثلاثين بعنوان: “أضواء جديدة على رحلتين موريسكيتين”، وذلك، يوم الثلاثاء 16 ماي 2023، ابتداء من السابعة مساء (19:00) بتوقيت المغرب (غرينتش +1)، عبر تقنية التَّناظر عن بعد “غُوغَلْ مِيتْ”. نسّق أشغالها د.صفاء برهان (أستاذ الأدب الأندلسي- قسم اللغة العربية)، وحاضر فيها كل من الأكاديمي المغربي د.بوشعيب الساوري والأكاديمية الأردنية دة.رشا الخطيب.
اِسْتُهِلَّتْ الندوة، بعد أن افتتح أشغالها منسقها د.صفاء برهان، بمداخلة د.رشا الخطيب (محاضر غير متفرغ للغة العربية في الجامعة الألمانية الأردنية)، بعنوان: “رحلة أَفُوقَايْ الأندلسي: أنموذجٌ للرحلة الموريسكية باللغة العربية”، التي نَصَّصَتْ، في مُفْتَتَحها، على أنها ستقتصر على نموذج مكتوب باللغة العربية، على اعتبار أن معظم آثار الموريسكيين قد كُتِبَت بلغة “الأَلْخِمْيَادُو” السرية، التي تتكون من مزيج بين اللغتين القشتالية والعربية، كما أنها تكتب بالحروف العربية. وهذا النموذج هو نموذج “أَفُوقَايْ” ( ت 1640 أو 1641)، الذي وصفه المؤرخ المغربي عبد الوهاب بنمنصور (ت2008) بكونه آخر موريسكي يؤلف باللغة العربية. وتبعا لذلك، قامت الباحثة بتقسيم مداخلتها إلى ثلاثة محاور: 1/ تصدت فيه إلى التعريف بأحمد بن قاسم الحجري أَفُوقَايْ؛ 2/ تناولت فيه محتوى الرحلة وأهميتها، وعرَّجت على دوافع كتابتها والاهتمام بها؛ 3/ تطرقت فيه إلى إسهامات أَفُوقَايْ، من خلال رحلته، في تاريخ الاستشراق.
أحاطت الباحثة، في مداخلتها، بمسار أَفُوقَاي، بدءًا من تخلصه من القيود الثقافية التي تمارسها محاكم التفتيش على من بقي من الأندلسيين في شبه الجزيرة الايبيرية، بمغادرته إلى المغرب الأقصى، وخدمته لدى سلطانه، مرورا بحجّه وكتابته لرحلته بمصر بعنوان: “رحلة الشِّهَابْ إلى لقاء الأحباب”، والتي لم يكن قد وصلنا منها سوى مختصرها المعنون ب”ناصر الدين على القوم الكافرين”، الذي حَرّرَه أثناء مقامه الأخير بتونس سنة 1641، الذي كان للعلاّمة المغربي محمد الفاسي (ت1991) السبق في الإشارة إليه سنة 1952، إلى أن ظهرت نسختها الأولى بمصر سنة 2015 التي يعود تاريخها إلى سنة 1637. لتأخذنا الباحثة، بعد ذلك، إلى محتوى نص الرحلة، الذي يتضمن جوانبا من سيرة أفوقاي الذاتية، كما يشتمل على حديث عن طرد الموريسكيين من إسبانيا، بالإضافة إلى الجدل الديني والمناظرات التي قام بها في رحلته وفي غيرها. وهذا العنصر الأخير، هو ما تراه الباحثة طاغيا على متن الرحلة. لتفتح الباحثة الباب على مصراعيه أمام إسهامات أَفُوقَاي في تاريخ الاستشراق، وبالتالي، علاقاته المتعددة بمن عاصروه من المستشرقين الأوروبيين، وتأثيره على من تعاملوا معه ومن اطلعوا على رحلته واستفادوا منها، مثل طبيب الملك الفرنسي وأستاذ اللغة العربية في الكلية الملكية (كوليج دي فرانس) “أَتْيَانْ أَبْرِتْ” (ت1614)، وأستاذ العربية في جامعة ليدن بهولندا “طُومَاسْ إِرْبِينُوسْ” (ت1624)، وتلميذ الأخير وأستاذ العربية والرياضيات في جامعة ليدن “يَاكُوب خُولْيُوسْ” (ت1667).
أما المداخلة الثانية، فقد قدمها د.بوشعيب الساوري (أستاذ بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية-جامعة الحسن الأول/سِطَّاتْ، ورئيس الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة) بعنوان: “المقاومة كممارسة للهوية في رحلة ابتهالات الحج”. قسمها إلى ثلاثة محاور، تناول في الأول تقديم الإشكالية التي تقوم عليها ورقته البحثية، كما تطرق في الثاني إلى سياق تأليف النص الرحلي، لِيَنْكَبَّ في الثالث على تتبع آليات المقاومة وكشف ممارسة الهوية في رحلة ابتهالات الحج. وقد أشار الباحث، في مُسْتَهَلِّ تقديم إشكاليته، إلى إحلاله لمصطلح “الأندلسيين المتأخرين” مكان مصطلح “الموريسكيين”، لما فيه من رد لاعتبارهم وتخليصهم من الشبهات التي حاولت إسبانيا تلويث سمعتهم بها. ليبسط الباحث، بعد ذلك، أسئلته الإشكالية، المتعلقة بالهوية والمقاومة، التي سيحاول – من خلال تحليله لرحلة “ابتهالات الحج” أو “رحلة الموريسكي الأخير إلى مكة المكرمة” كما ترجمها ذ.عبد الهادي سعدون عن لغة “الأَلْخِمْيَادُو”، لحاج أندلسي مجهول- الإجابة عنها: ما السياق الذي أُلِّفَ فيه نص “ابتهالات الحج”؟ وما دواعي تآليفه؟ وكيف أُلِّفَ هذا النص؟ وكيف مارس المؤلف هويته من خلال هذا العمل؟ في سياق تميز بتضييق القوى المهيمنة الخناق على ما تبقى من الأندلسيين بالأندلس، بعد طرد أغلبهم، عبر شروط رافضة لقيم التعايش، والفارضة للرأي الواحد، والمانعة للاختلاف.
ألمح الباحث إلى أن رحلة “ابتهالات” هي نص شعري لأحد الأندلسيين المسلمين من بلدة “بُويْ مُونْتُون” الذين ظلوا تحت الهيمنة الإسبانية، بعد طرد المسلمين من الأندلس، مضيفا، أن صاحبه قد ألّفه في نهاية القرن 16 وبداية القرن 17، حيث لم يتم، حسب الباحث، الطرد النهائي لهم، إلا بعد قدوم سنة 1609، وما يؤكد هذا الطرح، هو نص الرحلة نفسه، الذي يشير إلى أن المؤلف زار “مسجد الغُورِيَّة” في القاهرة، بالمقطع 27 من قصيدته، الذي شُيِّدَ في النصف الأول من القرن 16. وقد عزى الباحث عدم ذكر المؤلف لاسمه ولتاريخ السنة التي انطلق فيها لقضاء مناسك الحج، إلى رغبته في اتقاء متابعة السلطات الإسبانية له، لوجود إشارات عديدة تؤكد أن أغلب الحجيج، في ذلك الوقت، كانوا يعودون إلى أرضهم الأم، ومنهم حاج “بُويْ مُونْتُون”، الذي سيعود إلى بلدته ليكتب رحلته شعرا، ويعيش فيها ما تبقى من حياته، حتى موته أو تهجيره مع الأخرين.. هذه العودة إلى البلاد والكتابة بالاسبانية بالحروف العربية وتوظيف ما تبقى له من كلمات بالعربية، التي يعدُّها الباحث كنوع من ممارسة الهوية والمقاومة التي تحاول إيصال صوتها إلى أجيال قادمة، يمكنها أن تنصف الكاتب وفئته وتعيد لهما الاعتبار.
لِيُفْسَح المجال، بعد ذلك، أمام النقاش ومداخلات الحاضرين، من أساتذة جامعيين وطلبة باحثين، حيث أبانت تفاعلاتهم عن استيعاب عميق لما جاء في المداخلتين، وذلك، بالنظر إلى نوعية الأسئلة التي طُرحت والإضافات التي قُدِّمت، والاهتمام الذي ظهر سواء تجاه الرحلة الموريسكية خاصة، أو فيما يخص قضية المورسكيين أو الأندلسيين المتأخريين، بحسب اقتراح د.بوشعيب الساوري، ورغبتهم في معرفة المزيد عن تفاصيل معاناتهم، بعد سقوط مملكة غرناطة، وبالضبط في الفترة الممتدة بين القرنين 16 و17 الميلاديين.