يونس الشيخ والشدائد التي تصنع الرجال
حاورته نادية الصبار
ولأن المحنة تصنع الرجال…أشواك أدمت أنامل برعم لم يزهر بعد، ليعمل بالبناء وحدائق مراكش ليلا ليدرس نهارا ويواصل رحلة البناء والذات، سعى نحو حلم راوده من بين ظلال نخيل زاكورة المزهر والمثمر حيث الولادة والمنشأ، أوحت له بأن الشدائد تصنع العزائم والرجال…
إنه “يونس الشيخ” المنشط الإعلامي ومقدم البرنامج الأسبوعي “بلا زواق” براديو “أصوات”، ومقدم برامج سياسية سابقا في إذاعة mfn ، مدرب معتمد ومستشار إعلامي في مجال الإعلام والتواصل الإعلامي، رئيس الأكاديمية المغربية للإعلام والترجمة والاستشارات A.M.T ، ضيف موقع ريحانة بريس الذي لبى دعوتنا و أجابنا “بلا زواق” عن جملة من الأسئلة و بابتسامة لم تكن تفارقه فهي عنده مورفين الحياة… فإليكم نص الحوار
نشكرك بادئ الأمر على تلبية الدعوة ونرحب بكم … بحكم تجربتكم المميزة على راديو “أصوات” وقبلها على إذاعة mfn ، هل ما زال الراديو يحتل الصدارة كما كان؟
ستبقى الإذاعة أم الإعلام، فهي الأكثر انتشارا والأقرب إلى أوسع شريحة بالمجتمع، فلغتها البسيطة، عدا كونها وسيلة سهلة الاستعمال والمنال وبتكلفة أقل؛ يجعلانها بالقمة، أكاد أجزم بأن الإذاعة في الصدارة مما يعتبره البعض مجرد انطباع شخصي غير مبني على دراسة و تحليل، لكني مع ذلك أجزم بأن الإذاعة لازالت تحتل الصدارة.
ألم تؤثر الثورة الشبكية على ريادته؟
في اعتقادي، كل الوسائل الحديثة التي جاءت لم تتمكن من أن تصبح بديلا للمذياع، وأتصور أن الوسائل التي قد تكتشفها البشرية مستقبلا لن تقوم مقامها، فسحر الإذاعة لا يقاوم.
ما الذي يجعل الإذاعة تصمد في وجه التلفزة والآن في وجه الشاشة الرقمية؟
التلفزيون وسيلة رائعة، لكنها تفرض على الجمهور التسمر أمام شاشة التلفزة مما يقيد حرية المشاهد، كما تفرض استعمال حاستي السمع والبصر مثلها مثل الشاشة الرقمية ؛ فيبقى المشاهد والمتلقي حبيس كرسي ومقعد، بينما الإذاعة تعطي كامل الحرية في الحركة وتنمي عند المتلقي الخيال فيرسم الصور كما يحلو له بناء على النص المنطوق طبعا، خاصة إذا كانت المذيعة أو المذيع شخصا مبدعا، لا موظفا ينتظر وقت الخروج من المحطة.
أليست الوفرة عائقا نحو التميز؛ أو بصيغة أخرى، ألم يعد من الصعوبة بمكان أن يحتل أحد الوجوه الإعلامية مهما كان بارعا وبارزا المكانة التي تليق به ويحصد حب الجماهير التي تتابعه؟
شخصيا أعتقد أنها معادلة صعبة، لكنها ممكنة، فبروز الإعلامي الحقيقي يأتي بالتدرج وعبر الذكاء في اختيار المواضيع والضيوف. أعرف حجم الصعوبات و مدى الإكراهات بعالم الإعلام عموما و الإعلام المغربي خصوصا؛ إلا أنه بالصبر والعزيمة والإصرار والشغف بمهنة المتاعب، قد يبرز الإعلامي و يعلو شأنه، ولو أني أرى من وجهة نظري الخاصة أن الشهرة و النجومية لا يجب أن تكون هدفا في حد ذاته، فعلى المذيع أن يترك عمله المهني والاحترافي يتكلم عنه ويُبرز اسمه و يشهره بشكل طبيعي، لا عبر عمليات تجميل مفبركة أو عبر اللجوء إلى الميوعة و الابتذال بدعوى الانتشار وزيادة المشاهدة وعدد الزوار أو أن تدخل مطب ما يطلبه الجمهور، وكذلك تفعل أكثر المواقع الالكترونية والتي تعمد للعري وإشاعة الفضيحة وصور الجرائم التي يمنع نشرها أخلاقيا ومهنيا.
ما هي المحطات التي صنعت يونس الشيخ الإنسان قبل المنشط بمجال الإعلام؟
أعتبر أن أول محطة هي الصعوبات التي واجهتها والدتي ووالدي من أجلنا، تعلمت منها أن الشدائد و المحن تصنع الرجال، مررت بفترة طفولة صعبة، عندما أحدث طلابي ببعض المؤسسات عنها؛ يكتشفون و هم يشكون همومهم؛ أنهم أوفر حظا مني، قضيت سنوات أعمل ليلا لأتمكن من الدراسة نهارا، عملت بمهن صعبة وشاقة كالبناء وترميم الحدائق و تشديبها و تهديبها، فترة صعبة ، لكنها محطة مهمة بذات الوقت لأنها دفعتني لأواصل السير بخطى تابتة لأحقق حلمي، فالجراح التي تركتها أشواك حدائق مراكش هي التي دفعتني لمواصلة دربي و من سار على الدرب وصل، سرت و لا زلت أسير، فللآن أدرس وأواصل تعليما جامعيا عاليا بالمجال.
من أثر في الآخر يونس الإنسان أم يونس النجم؟
لا أعتبر نفسي نجما، ولا أطمح للنجومية، لكنني أسعى دائما لتحقيق هدف أساسي، هو أن أخرج من الاستوديو وأنا راض عن أدائي وأن أترك بصمة صوتي في آذان المغاربة كل يوم وهم راضون عني وعن محاولتي للوصول إلى قلوبهم قبل عقولهم، لا غير، أنا شخص بعقل وقلب واحد، يونس الإنسان الذي يسعى للأفضل، سيبقى دائما هو نفسه، خلف الميكروفون وخارج الميكرفون وهو نفسه بعالم الأضواء وخارج الأضواء ببيته الصغير رفقة أسرته وذويه.
ألا ترى النجومية رغم ما تعطي تأخذ من نصيب الإنسان؟
سمعت الكثير في هذا الباب من نجوم أعرفهم أو أسمع عنهم، ولو أني لا أعتبر نفسي نجما كما قلت لك وللمتتبعين من قبل، لكني عانيت من أمر ما ألا وهو صعوبة تفهم الأقرباء والأصدقاء لطبيعة عملي وانشغالاتي الكثيرة، أتصورهم الآن يتفهمون، وقد لا يتفهمون … فقط؛ أظن ذلك.
يرجع نجاحك للصبر والصمود أم هي مسيرة تعلم واكتساب مهارات جديدة ومتواصلة؟
يبتسم يونس الشيخ كعادته فهو يقابل كل الأمور بابتسامة، فهي عنده مورفين الحياة… فيجيب: الأصدقاء يعرفونني بجملة شهيرة “العمل، الصبر والابتسامة”، فأي مهنة تحتاج إلى تعلم وإلى تطوير دائم للمهارات، والإعلام من أكثر الميادين التي يتقادم فيها الإعلامي أو يصبح متجاوزا إن لم يكن دائم الإطلاع والمواكبة ، ليس فقط على الأخبار وإنما على الكتابات والأبحاث الأكاديمية المرتبطة به، لست مجتهدا كفاية، لكنني أحاول قدر الإمكان أن أكون كذلك.
ماذا عن تجربتك الجديدة بالتدريب؟ هل هي الموضة وبحث عن مزيد من الأبهة والانتشار رغم ادعائك بأنك لست نجما و لا باحثا عن النجومية، أم هي محاولة لتمرير معارف مكتسبة لأجيال صاعدة شغوفة بالإعلام؟
جربت التدريب لأول مرة سنة 2008، وجدت صعوبة كبيرة في إعداد دورة طلبتها هيئة محلية، لكن الاستمرار هو الأهم، والتجربة ومحاولة الاطلاع المستمر تسهل المهمة، لا أبحث من خلال الدورات التكوينية عن شهرة ولا عن أبهة، وفكرت مرارا في التوقف والتخصص، لأن الدورات التكوينية تأخذ من وقتي وجهدي وعلى حساب أسرتي الصغيرة. فكثيرا ما يتزامن التكوين مع عطل نهاية الأسبوع، فالسفر وأماكن الدورة التي تبعد عن مكان العمل والتي تنفصل في المكان لتتصل في الزمان فتكون أجندتي صعبة التحقق في أحيان كثيرة، قد أخرج من العمل مباشرة لأسافر لتأطير دورة ما أو أعود فور انتهائي مباشرة إلى العمل…
إذا سألتك عن واقع الإعلام ككل ماذا يمكن أن تقول، نتمنى جوابك “بلا زواق” على وزن تيمة برنامجك؟ اليوم نعيد معك اللعبة ذاتها التي تلعبها مع ضيوفك…
يبتسم كعادته فيقول ردا على سؤالي: الإعلام انعكاس للمجتمع في الحقيقة، وهو صورة للناس والمجتمع، فيه الصالح والطالح، فعقول البشر التي تقرر الحرب والسلم والخيانة والغدر والوفاء وتلهت وراء المال أو عكس ذلك…، هي التي تسير الإعلام، وهي التي تنتج الرداءة وقليلا من الجودة.
كيف السبيل للخروج من هذا الواقع؟ وهل الدولة وحدها المسؤولة أم لجهات الإعلام والعاملين بالإعلام نصيب في ذلك؟
طبعا الدولة مسؤولة بنسبة كبيرة عن تطوير الإعلام، وليس بالضرورة عبر الإعلام وحده، نحتاج لتفكير استراتيجي لإصلاح كثير من المجالات حتى لا نسير بسرعات مختلفة فيختل النظام وتكون النتيجة هي الفشل أو الخلل نفسه، ففتح النقاش العمومي حول القطاع وتطوير التعليم ورفع وعي الناس وإصلاح أحوالهم ودعم الإعلام الذي يساهم في تصحيح مسار المجتمع؛ كلها معطيات مرتبطة ومتصلة فيما بينها، ضمن منظومة من شأنها في اعتقادي، تحقيق الهدف، إذا كان هناك فعلا هدف وهناك إرادة حقيقية لتحقيقه.
إلا أن مسؤولية الدولة لا تعفي الإعلامي من المسؤولية التي قد تكون عنده مضاعفة، فقبل أن يكون إعلاميا فهو مواطن و يجب أن يكون صوت المواطن و بوقه ،… بطبيعة الحال وفق ما يتماشى و استقرار المجتمع ورقيه.
· ألا ترى أن الأمور تغيرت وصار المنشط الإعلامي أو الإعلامي عموما مطالب ببذل جهد استثنائي لتسويق ذاتي إن صح القول، عبر مشاركة مقالاته أو برنامجه أو حواراته أو مشاركة روابطها مع الأصدقاء وفي المجموعات لزيادة المشاهدة وعدد الزوار التي صار المنتوج الإعلامي يقاس من خلالها لا من خلال الجودة والأداء فحسب؟
تبدلت الأحوال وتغيرت معها طرق تفكير وتواصل الناس، والإعلامي مطالب بتطوير آليات تواصله لمواكبة هذا التطور، لم يعد ظهوره أو اتصاله مع الجمهور بالطريقة التقليدية المعروفة كافيا، ولم تعد هذه الطريقة تشبع فضول فئة عريضة من الجمهور، إن الإعلامي الذي لا يتطور يموت رمزيا، فإما أن يواكب ويساير، أو يبقى في موقف المتفرج وينتهي بشكل من الأشكال.
ماذا يعني لك راديو أصوات؟ ألا تفكر بعد السمعي بخوض تجربة السمعي – البصري؟
أصوات هي مدرسة من المدارس التي مررت بها في حياتي المهنية، هي محطة فارقة في مساري بكل صراحة، أتيحت لي فيها فرص جعلتني أعيد التفكير في كثير من الأمور حتى المرتبطة بالحياة عموما، قصص النجاح، حكايات سمعناها ونحن بالميدان، كلها أمور أغنت تجربتي ومسيرتي.
أقول دائما إنني خلقت لأكون مذيعا، وأعتبر نفسي “ولد الراديو” وسأموت وأنا أتكلم وأستمع للراديو، إلا أن عالم التلفزيون يستهويني كذلك، وإن كنت أرى أني أحتاج لبعض الوقت، كما أن دخولي سيكون بشروط… هذا ليس من باب المبالغة ولا المراوغة، حقا لي شرط أساسي لدخول عالم التلفزيون.
هل يمكنك مشاركتنا هذا الشرط أم أنه سر؟
ليس سرا يا نادية، كل ما هنالك أني لا أريد الحديث عن شيء سابق لأوانه، فلكل حادث حديث…