الرائدة في صحافة الموبايل

قراءة في كتاب الطاهر لبيب

من طرف طلبة شعبة علم الاجتماع بني ملال اجنة التنقيح : عمر عمور – عصام أخيرى – أسامة البحري
تحت إشراف الأستاذة : عزيزة خرازي

بقلم الطالبة عائشة السميري

 معلومات عامة عن الكتاب
يقع كتاب “سوسيولوجيا الثقافة” لمؤلفه عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب في أربع وستين) 64( صفحة من الحجم المتوسط) 21 x 13,5 سنتم( مرقونةً بخط دقيق جد اً.
وكانت أول طبعة لـ”سوسيولوجيا الثقافة” قد صدرت سنة 1978، تناولتَْه منذ ذلك التاريخ طبعاتٌ مختلفة في القاهرة ودمشق وعمان وتونس والمغرب. والطبعة التي ننجز منها هذا التقديم مغربية، أصدرتها سنة 2006 مطبعة فضالة بالمحمدية.
 نبذة عن المؤلف
معروف عن الكاتب الذي درس في فرنسا اشتغالهُ بل تخصُّصُه في المجال السوسيولوجي، وتأسيسُه في تونس عام 1985، مع عدد من الباحثين العرب، الجمعيةَ العربية لعلم الاجتماع، والتي ترأسها لسنوات.
 محتويات الكتاب:
الكتاب غني بالنصوص ذات الصلة بالموضوع، وحافل بأسماء مؤلفيها، وأعلامِ المدارس المتخصصة في هذا الشأن. ويبدو بلا ريب أن الكاتب يسعى من خلال هذا الحشد النصي الغزير المكثف إلى تعريف القارئ العربي على أكبر قدر ممكن من المشتغلين في حقل سوسيولوجيا الثقافة، ووضْعِ ه على خطى مواكبة الأسس الكبرى والخطوط العريضة والكثير من تفاصيل هذا العلم الغزيرة منتجاته.
يتكون الكتاب من مقدمة وخاتمة وثلاث عشرة) 13( فقرة، مجموع سطورها عدّاً هو: 1434 سطراً.
أقصرُها: فقرة “نظرية البنى الفوقية” )25 سطراً(، وأطولها: فقرة “تاريخ الفكر واستقلاليته النسبية” )275 سطر اً(.
 موضوع الكتاب:
الكتاب عبارة عن: «مساهَمة متطورة في نظرية البنى الفوقية.[i]
 منهجية الكتاب:
اتساع المجال السوسيو ثقافي مفهومياً ومنهجياً وتطبيقياً، أملى على الكاتب اختيارا ً أولي اً هو تحديد الإطار النظري العام الذي تندرج فيه الظواهر الثقافية في علاقتها بالمعطيات الاجتماعية، على الرغم من أن طبيعة الموضوع تستدعي وضعَ هذه المساهمة في سياق عام لمجال السوسيولوجيا.
 من تداعيات المنهجية:
طريقة تعريف الكاتب لسوسيولوجية الثقافة ستؤدي إلى:
أولاً: تناول العلاقة بين البنية التحتية والبنى الفوقية باعتبار هذه العلاقة منطلقاً نظرياً للعمل السوسيو ثقافي، وذلك عبر إفراد مكانة خاصة لدور الفئات المثقفة التي تقوم بالربط العضوي بين البنيتين في لحظة تاريخية معينة.
ثانياً: غض الطرف عن أنماط الإنتاج الفكري وأشكال العلاقة القائمة بينهما وبين المعطيات الاجتماعية، لأنها تتطلب عرضاً تصنيفياً يتجاوز حدود الكتاب. لذا يتم الاهتمام بالثقافة “المثقفة” في الكتاب دون الثقافة الجماهيرية، ولكن من منظور لا يفصل بين قطاعات الثقافة أو بين مستوياتها المختلفة.

بقلم الطالبة : مريم القمية
قراءة في التمهيد و متاهات كلمة.

يتكون هذا الكتاب من 62 صفحة و ينقسم الى تمهيد و ثلاثة عشر فصلا و خاتمة. 

الطاهر لبيب في بداية كتاب سوسيولوجيا الثقافة للطاهر لبيب يوجد تمهيد وضح فيه أهمية الثقافة التي سيتناولها الكتاب وقد قسم هذا التمهيد الى ثلاثة فقرات تناولت مجموعة افكار اساسية:
اولا اعتبر ان سوسيولوجيا الثقافة عبارة عن مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية و قد مرت هذه المساهمة من سياق عام “ابتداء من تصورات ما قبل الانثروبولوجيا الى السوسيولوجيا الكلاسيكية للمعرفة مرورا بالمنعطف الانثروبولوجي”.
كما ان اتساع المجال السوسيوثقافي عبر مجموعة من الجوانب ( مفهوميا و منهجيا و تطبيقيا) يفرض بالضرورة تحديد اطار نظري عام تندرج فيه الظواهر السوسيوثقافية.
ثم اشار ايضا الى اهمية العلاقة بين البنية الفوقية و البنية التحتية في تعريف سوسيولوجيا الثقافة ، حيث ان معطيات العلاقة بين هاتين البنيتين تمثل المنطلق النظري للعمل السوسيو ثقافي ، بالاضافة الى هذا قد اعطى اهمية الى الفئات المثقفة حيث يقول ان غرامشي يرى بأن هذه الفئات “هي التي تقوم بالربط العضوي بين البنيتين في لحضة تاريخية معينة”.
وفي اخر فقرة التمهيد وضح اهمية الثقافة الجماهيرية بالموازات مع الثقافة “المثقفة” رغم اهتمامه بهذه الاخيرة بل انه اكد على انه “ليست هناك فكرة الفصل بين قطاعات الثقافة او بين مستوياتها المختلفة” واشار هنا الى نظرية البنى اللفوقية.
اذن فان اهم الافكار التي طرحها الطاهر لبيب من خلال الفقرات الثلاث التي وضعها في تمهيد الكتاب هي كالتالي :
ففي الفقرة الاولى اعتبر ان السوسيولوجيا الثقافية هي مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية و ان هذه المساهمة مرت من سياق عام كما ذكر اتساع المجال السوسيوثقافي الذي يفرض بالضرورة تحديد اطار نظري عام تندرج فيه الظواهر السوسيوثقافية.
اما في الفقرة الثانية فقد ركز اساسا على اهمية العلاقة بين كل من البنية الفوقية و البنية التحتية اولا في تعريف السوسيولوجيا الثقافية و ثانيا لانها تمثل المنطلق النظري للعمل السوسيو ثقافي و في اخر هذه الفقرة ذكر اهمية الفئات المثقفة التي تقوم حسب غرامشي بالربط بين البنيتين في لحظة تاريخية معينة.
وفي الفقرة الاخيرة بين ان العلاقة بين انماط الانتاج الفكري و المعطيات الاجتماعية لا تخرج عن الاطار النظري العام لكنها تتطلب عرضا تصنيفيا يتجاوز عرض هذا الكتاب.
كما اشار الى فكرة محورية تؤكد عليها الرؤية الكلية التي تقوم عليها نظرية البنى الفوقية و مفادها عدم وجود فكرة الفصل بين قطاعات الثقافة و مستوياتها المختلفة.
*متاهات كلمة
قسم الطاهر لبيب هذا الفصل الى فقرتين تطرق في الفقرة الاولى الى صعوبة مفهوم الثقافة فهو مفهوم غامض رغم المحاولات الكثيرة لتعريفه من مجموعة من الجوانب ما ادى الى تبلور اعمال اكاديمية و بحوث تهتم حصرا بمفهوم الثقافة.
اما في الفقر الثانية فقد قام الطاهر لبيب بتتبع معاني مفهوم الثقافة تاريخيا اذ اشار الى ان هذه الكلمة اكتسبت معناها الفكري خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر ثم الى المعنى الذي كان لكلمة الثقافة خلال القرون الوسطى حيث كان مرتبطا بالطقوس الدينية ثم خلال القرن السابع عشر فقد كان معناها في هذه المرحلة مرتبطا بفلاحة الارض في حين اصبحت كلمة الثقافة تعبر عن التكوين الفكري العام و الفردي خلال القرن الثامن عشر ثم انتقلت الكلمة الى الالمانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر حيث اكتسبت مضمونا جماعيا لتبرز جذلية المفهومين ثقافة/حضارة

بقلم الطالبة عائشة السميري :

1- نظرية البنى الفوقية:
استهل الكاتب هذا المحور المتعلق بنظرية البنى الفوقية بكون ان التعريف المقترح في اعتباراته الأربعة على الأقل، والمتميزُ عرضاً واحترازاً ونقداً، يجعل من سوسيولوجية الثقافة مساهمة ً في نظرية البنى الفوقية.
ويجعل – في اهتمامه الأول- من ضرورة الربط بين معطيات البنى الفوقية ومعطيات البنى التحتية، وتحليلِ طبيعة العلاقة بين البنيتين في فترة تاريخية معينة، المبدأَ القارَّ، ولكن في إطار الوحدة الموجودة بين المستويين، والتي تعني استحالةَ تفسيرٍ ذي حد أدنى من الدلالة السوسيولوجية لمعطيات البنى الفوقية في ذلك الإنتاج الثقافي دون إرجاعها إلى معطيات الواقع الاجتماعي.
كما يجعل-في اهتمامه الثاني- من الوظيفة التي تؤديها الفئات المثقفة المنتجة للفكر في علاقتها بالأصناف والطبقات الاجتماعية بما في ذلك السلطة أو الطبقة الحاكمة، موضوعاً لعضوية هذه العلاقة أو الوحدة بين البنيتين.
اهتمامان أساسيان، باعتبارهما منطلقاً نظرياً للتحليل السوسيو ثقافي، اكتفى الكاتبُ بخصوص أوّلِهما بمثالي ماركس وإنجلز اللذيْن فتحا مجالاً للتنظير في هذا الباب، وركز في شأن ثانيهما على المكانة الفريدة التي أكسبها هذا الاهتمامُ للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي أولِ منظر ماركسي للبنى الفوقية.
2- الوحدة بين البنية التحتية والبنية الفوقية:
فيما يخص كارل ماركس وإنجلز ،اكتفى الكاتب بمقطع من تقديم كتاب كارل ماركس“ مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي“، تضَمَّن عبارات نموذجيةً لأقصى تعبير عن توجيه المعطيات المادية للظواهر الفكرية. عبارات كثيراً ما فهُمت مع غيرها على أنها تحديدية اقتصادية، وأساس المادية التاريخية أو/و الديالكتيكية. ودعّم الكاتبُ ملاحظتهَ حول الكثرة الكاثرة من التعاليق التي ترُجِع الماركسية إلى نوع من “الاقتصادوية” بنص كروتشي [6]الإيطالي، معروفٍ ونموذجي في تصلبه، أورده غرامشي في “رسائل السجن”، مما استدعى من الكاتب تحرير أربعة توضيحات، جلهُّا إنجلْزِية، لرفع بعض الالتباسات التي تثيرها بعض الاعتبارات الشائعة حول المادية التاريخية أو/و الديالكتيكية.

كليةُ التصور الماركسي للتاريخ والفاعلِ التاريخي تقيه سيطرةَ العوامل الاقتصادية في تفسير التاريخ، إلى درجة أن “تهمة” “شطر وحدة الواقع” تبدو عمليةً غريبة تصوُّراً ومنهجياً عن التحليل الماركسي
2- باعتبار ان الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي من منظور ماركسي حيث انه يتمنَّع عن حصره في الميدان الاقتصادي أو المادي بالمعنى الضيق المتداول، كما أن للاقتصاد مضمون اً ووظيفة نفسية اجتماعية تفصح عنها تعاريف مختلفة كتعريف الرأسمال نفسه. بل حتى السلعة، تكشفت في التحليل الماركسي، وبعبارته، أنها« شيء معقد جداً، ومملوء بملابسات ميتافيزيقية وتمََ ح ك ديني»، فإنتاج العمل يكتسي طابع اللغز حامل يتحول إلى سلعة. يضاف إلى ذلك السلعةُ غيرُ المتوقعَّة أحيان اً للفظة الاقتصاد نفسها، بما يجعل من العنف والظروف الاقتصادية والجنس قوى وعواملَ اقتصادية ً.
3 – الاقتصادُ بمعناه الواسع هذا، يحدِّد مختلفَ عناصر البنية الفوقية في آخر تحليل أو في نهاية الأمر عن طريق وسائط يسُْند إليها دورَ السيطرة أو التأثير المباشر. وهنا تبَرُز أهميةُ الاحتراز منهجياً في عملية الربط الميكانيكي الآلي بين معطيات البنيتين. فداخل البنية الفوقية مستوياتٌ مختلفة يتغير ترتيبها حسب “المسافات” التي تصل كلاً منها بالبنية من جهة، وببقية المستويات من جهة ثانية، وتح دِّد درجة الارتباط الذي قد يكُسِب بعضَ المستويات نوعاً من “الاستقلالية” بالنسبة للبنية من جهة ثالثة.
4 – لا دليل يدعم فكرة العلاقة ذات الاتجاه الوحيد بين البنيتين. وتأكيداً للتفاعل المتبادَ ل، ورفضا ً لفكرة العامل “الوحيد” المستوهَمَةِ من إبراز سيطرة العامل الاقتصادي “في آخر تحليل”، ألح ماركس وإنجلز على تأثير البنى الفوقية في البنية الاجتماعية الاقتصادية. بل إن إنجلز ذهب إلى أن جعْلَ الاقتصاد« جملةً فارغة مج ردة عابثة»، هو النتيجةُ المنتظَرَة من هذا التشويه. وأدلُّ مثال على صحة التفاعل المتبادَل، هو تأثير الأشكال الأيديولوجية على القاعدة الاقتصادية. وقد دَعّمتْ دراساتٌ ماركسية لاحقة مكانةَ الأيديولوجيا في علاقتها الديالكتيكية بالبنية، فجعل غرامشي من الصراع الأيديولوجي بعداً أساسياً في التغيير الاجتماعي حوَّل مركزَ الثقل في التحليل الماركسي إلى البنية الفوقية. ثم إن ماركس نفسه كان يرى أن« الأفكار تتحول إلى قوة مادية عندما تعتنقها الجماهير.»
وإثر هذه الجولة الدقيقة مع التوضيحات الأربعة، طرح الكاتب تساؤلاً صميمياً يستفهم عن الغياب التام، عند مؤسسي الماركسية، لتحليل أشكال تأثير الظواهر الفكرية أو الأيديولوجية في مستوى البنية التحتية، تأثيراً بلغ درجةَ تدَخُّلِها في توجيه التاريخ؟ صحيح أن إنجلز صاغ إجابة على شكل تبرير استراتيجي ينُيط الم سؤوليةَ بالمواجهة التي ألزمَتهْم إثباتَ هذا المبدأ الأساسي الذي كان ينفيه خصومُهم، ولكن الاعتراف في حد ذاته بأنه وماركس لم يتمكنا من الاهتمام الكافي بالعوامل الفكرية كمؤثر في مجرى التاريخ، وبأن بهذا الفراغ كان وراء إعطاء الشبابِ الجانبَ الاقتصاديَّ وزناً أكبر مما يستحق، هو أهمُّ ما حملت ْه هذه الإجابة.
لذا فإن التطبيقات الخاصة لظواهر البنى الفوقية، والمستنِدة إلى أن الظواهر الأيديولوجية تفُْهَ م بما لها من تأصُّل غيرِ مباشر في الأوضاع المادية للوجود الاجتماعي، ستكون فيما بعد اهتمامات أساسية لكثير من المفكرين :غرامشي ولوكاتش وغولدمان وغيرهم.

بقلم الطالبة رشيدة الرخوخي
علم الاجتماع . الفصل الثالث
حدود مساهمة سوسيولوجيا المعرفة
في هذا الفصل، يرى الطاهر لبيب أنه ثمة علاقة ترابطية بين المعرفة والأطر الاجتماعية,وقد تنبأ لها جل المساهمين في سوسيولوجيا المعرفة,إلا أن تحليل تلك العلاقة لم يتم بالشكل الجيد والمطلوب، بحيث يكون هذا التحليل سطحيا أو غامضا,وهذا الغموض غالبا ما يرتبط بالدفاع عن الحضارة الغربية والنظام الرأسمالي.
ومن أجل تجاوز هذه السطحية والغموض، قدم لبيب عدة دراسات,أولها دراسة ماكس فيبر,المتضمنة في كتابه”الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية”,حيث حاول فيبر تفسير النظام الرأسمالي بعوامل روحانية بالأساس,وهذا التفسير حسب فيبر هو الأقرب إلى المثالية باعتبار وجود عوامل أخرى.
ولأن الإنسان يطمح لأن يكون اله راضيا عنه,فإنه يسعى إلى تحقيق النجاح الاقتصادي لكي يتأكد له الرضى الإلهي, لكن الزهد الكالفيني كأي زهد هو مقترن بعدم تبذير المال وإضاعته,وبالتالي فهذه المبادئ تنطبق على المنطق الرأسمالي الذي يدعو إلى العمل من أجل الفائدة,وهي ذات الآن عدم استهلاكها,بما يعني استثمارها من جديد.ومن هنا فإن مبدأ تطوير رأس المال إنما هو موقف ديني محض
حسب فيبر فإن هذا التغيير مرتبط بشكل أساسي بخاصية وراثية وهي”عقلنة” والتي يتميز بها العالم الغربي عن العالم الشرقي بكون هذا الأخير قد هرب زهده من العلم وبالتالي لم يعرف رأسمالية صناعية.
أما الدراسة الثانية فتهم ليفي برول حول”العقلية البدائية” التي وصفها الكاتب بالغامضة,كما هو الحال عند دوركهايم الذي اعتبر التصورات الجماعية هي جوهر الحياة الاجتماعية, ويرى -دوركهايم- الدين أقدم الظواهر الاجتماعية كعامل توحيد بين الناس على عكس الاقتصاد الذي يبقى خارج الضمير الجمعي,وبالتالي لايمكن الربط بين المظاهر الفكرية والروحية من جهة والمعطيات المادية للوجود الاجتماعي من جهة أخرى.
ويعتبر الطاهر لبيب أعمال كارل مانهايم إحدى المحاولات الجادة بعد الماركسية,والتي ألحت على الترابط الوظيفي بين المعرفة والأطر الاجتماعية.
يميز مانهايم بين نوعين من أنماط التفكير,الإديولوجية والطاوباوية,ويقسم الإديولوجية إلى قسمين,أولى خاصة أي أقرب إلى الذاتية الفردية,وأخرى شاملة تمثل فترة أوجماعة تاريخية ملموسة,كمثال:الطبقة الاجتماعية.أما الطاوباوية فيقصد بها الأفكار التي لا تنسجم مع النظام الكائن.
ويذهب مانهايم إلى أن المثقفين من واجبهم أن يسبحوا فوق آراء المجتمع ويتحرروا من الروابط الاجتماعية لأنها تفقد المعرفة قيمتها وتحول دون إحداث تغيير فعال.
ثم يختم لبيب بأعمال غيرفيتش التي عرفت بالموضوع وأبرزت أهميته وتعقده في الوقت نفسه، ويعتبر كتاب “الأطر الاجتماعية للمعرفة” مجمعا لأهم مقالاته لسوسيولوجيا المعرفة.
وإذ يقدم غيرفيتش تعريفا لهذا الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس من جهة الترابطات الوظيفية بين مختلف أنواع المعرفة,وكذلك تراتبها ومختلف درجاتها,ومن جهة أخرى الأطر الاجتماعية أي المجتمعات الشاملة,الطبقات الاجتماعية,المجموعات الخاصة,ومختلف التصورات الاجتماعية,أي العناصر الاجتماعية في طابعها الميكرو.
وهذه الدراسة تستدعي مجموعة من الجوانب الاخرى التي اختصرها في دراسة العلاقة بين تراتب أنواع المعرفة,وكذلك دور المعرفة وتمثيلها,ودراسة مختلف أنماط التعبير والتواصل, وكذلك دراسة مظاهر الابتعاد والاقتراب بين مختلف أنواع المعرفة حسب ارتباطها بأطر اجتماعية معينة,وأخير حالات خاصة من التباعد بين الأطر الاجتماعية والمعرفة .
وقد لخص الطاهر لبيب عمل غيرفيتش في محاولتين تتجلى الأولى في تصنيف أنواع المعرفة,والثانية تتمثل في تحديد العلاقة بين المعرفة والأطر الاجتماعية.
أما أنواع المعرفة فتنتمي إلى سبعة أنواع حسب غيرفيتش,ويكون ترتيبها حسب كل إطار اجتماعي,فإذا ما أخذنا المجتمع الإقطاعي كمثال نجد في المرتبة الأولى المعرفة الفلسفية, ثم المعرفة العلمية في المرتبة الأخيرة,على عكس المجتمع الرأسمالي الذي تصبح فيه المعرفة التقنية في المرتبة الأولى,وفي المرتبة الأخيرة معرفة الغير و”النحن”.
أما العلاقة بين أنواع المعرفة وأشكالها تبرز التوازي الموجود بين بعض الأنواع وبعض الأشكال.فالمعرفة الفلسفية مثلا تجذب “الرمزية”، وقد بقي عمل غيرفيتش مجرد مشروع لأنه لم تتح له فرصة تطبيقه على مجتمع عيني.
عناصر لتعريف سوسيولوجيا الثقافة
سوسيولوجيا الثقافة حسب تعريف الطاهر لبيب، هي تحليل لطبيعة العلاقة الموجودة بين أنماط الإنتاج الفكري ومعطيات البنية الاجتماعية,وتحديد وظائف هذا الانتاج في المجتمعات ذات التركيب الطبقي.ويحلل السيد لبيب هذا التعريف على أربع مستويات:
-أولها حديثه عن أنماط الإنتاج الفكري، إذ أن التجانس الثقافي بمعناه الانثروبولوجي لا يتحقق سوسيولوجيا,ذلك أنه داخل المجتمعات ذات التركيب الطبقي لا يمكن الحديث عن “ثقافة للجميع” رغم وجود عوامل أنثروبولوجية مشتركة,وأبسط دليل هو علاقة الثقافة الفكرية وعدم توافر الفرص ماديا وسوسيولوجيا من أجل الوصول إليها عن طريق التعلم,وهنا يعطي لبيب فرنسا كمثال بحيث يفوق حظ ابن الإطار ثمانين مرة حظ ابن الأجير الفلاح وأربعين مرة حظ ابن العامل.
ويخلص إلى أن سوسيولوجيا الثقافة هي في نهاية الأمر سوسيولوجية تباين في الثقافة وعدم مساواة في المجال الثقافي.
ثانيا:حديثه عن المجتمعات المنضدة أوالطبقية باعتباره الإنتاج الفكري تعبيرا عن مرحلة معينة من التمايز بين الأصناف الاجتماعية والاقتصادية.وبالتالي فإن المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل السوسيولوجي هي تلك التي تدعى “بدائية” والتي لم تصل فيها أنماط الإنتاج الفكري إلى درجة كافية من التمايز تسمح بتصنيف ما.
ثالثا: تطرقه لضرورة تحليل أشكال العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي باعتبار هذا التحليل مصدرا أساسيا فيما يتعلق بالروابط الموجودة بين البنية التحتية والبنية الفوقية.
ثم تناول أعمال لوسيان غولدمان التي أبرزت وجود علاقة تجانس بنيوي بين بُنى عالم الآثار والبنية العقلية لمجموعات معينة يعبر عنها غولدمان.
رابعا : إشارته لكون تحديد الكيفية التي يحول بها إنتاج فكري كالمسرح معطيات الواقع تبقى قاصرة وغير كافية دون إبراز الوظيفة الاجتماعية والسياسية لهذا الإنتاج.

قراءة في كتاب طاهر لبيب “سوسيولوجيا الثقافة”
الطالبة أميمة الوردي
المثقفون في <الكتلة التاريخية>
قبل القراءة الفكري للكتاب، يجب أن نقف أمام مفهوم ” سوسيولوجيا الثقافة ” عند الطاهر لبيب، كي تتضح لنا معالم الفكر السوسيولوجي عن الطاهر لبيب، ومن أجل أن يفهم الكتاب على حقيقته.
يعرف الطاهر لبيب سوسيولوجيا الثقافة على أنها تحليل للطبيعة والعلاقة الموجودة بين أنماط الإنتاج الثقافي عموما ومعطيات البنية الإجتماعية وتحديد وظائف هذا الإنتاج داخل المجتمعات ذات التركيب الترابي أو الطبقي.
فالثقافة هي وليدة الطبيعة وهي مكتسبة عن طريق التنشئة الإجتماعية من أعراف وتقاليد وقوانين…. وهذا الإكتساب قابل للتفسير والتصحيح.
وانطلاقا من هذا المحور المعنون بالمثقفون في الكتلة التاريخية، بإيجاز، فالمثقفون هم فئة إجتماعية نخبوية يحاولون من خلال وظائفهم أن يوصلوا مجموعة من الأفكار والإيديولوجيات عن طريق مجموعة من المؤسسات التي توجد في المجتمع كالإعلام والمدارس و الجمعيات….. الخ
أما بالنسبة للكتلة التاريخية فهي مفهوم إقترحه الفيلسوف والمفكر السياسي أنطونيو غرامشي هو قائد الحزب الشيوعي الإيطالي ما أسماه ب “الكتلة التاريخية” وهي فكرة تهدف إلى بناء وحدة وطنية تجمع مكونات المجتمع المدني في شكل قوة واحدة تتجاوز التناقضات الإيديولوجية والتقسيمات الحزبية والتفاوتات الطبقية لمواجهة تحديات الأزمة الشاملة في البلاد والمنطقة.
ففي مطلع تسعينيات من القرن الماضي، استلف المفكر المغربي محمد عابد الجابري ، ذو الخلفية الماركسية مصطلح الكتلة التاريخية وطرحه كوسيلة لتوحيد اليساريين وجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة العدل والإحسان من أجل إسقاط نظام “المخزن” الذي عند المغاربة يعني “النخبة الحاكمة”.
ويتضمن هذا الجزء المعنون بالمثقفون في الكتلة التاريخية من كتاب سوسيولوجيا الثقافة لطاهر لبيب مجموعة من الأفكار، فقد أصبحت العلاقة بين الإنتاج الفكري و البنية الإجتماعية والإقتصادية علاقة واضحة فهذا الإنتاج يعتبر إنتاجا لفئة إجتماعية تكونت تاريخيا ولها أدوار معينة مرتبطة بمجموعة من الأصناف الإجتماعية.
كذلك فرض الإستقلالية الفكرية بفضل الفئة المثقفة كنخبة لها أدوار إجتماعية مهمة، حيث أنه بفضل هذه الفئة ووظائفها أصبحت تشكل وسيلة مهمة لخلق إتصال بين كل من البنية الفوقية والبنية التحتية للمجتمع، وفي هذا الصدد برزت مساهمة أنطونيو غرامشي كأول المساهمين وكمنظر للبنى الفوقية وللإيديولوجيات.
كما أنه كان مهتما ومساندا للمثقفين أو موظفي البنى الفوقية كما سماهم، غرامشي، الذي اعتبر الكتلة التاريخية مفهوما للتعبير عن الوحدة الديالتيكية بين البنى التحتية والفوقية، وهذه الوحدة من الممكن أن تتفكك في فترات الأزمة العضوية تفككا يمكن أن يؤدي إلى خلق كتلة تاريخية جديدة.
فالملاحظ التي نراها، أن غرامشي لا يستعمل بشكل كبير عبارة الكتلة التاريخية. فالبنى الفوقية في نظره هي تركيب معقد إلى حد ما وقد ميز فيها بين مستويين أساسيين سماهما “المجتمع المدني” و “المجتمع السياسي”
فالأول يمكن أن نسميه “طابق” يهتم بالمؤسسات الخاصة والثاني يعبر عن الوظيفة التي تملكها الدولة والحكومة والتي تمثل القانون.
خلافا لكل من ماركس و إنجليز لإستعمالهما التطابق في الإيديولوجية الألمانية بين كل من المجتمع المدني و البنى الإقتصادية و الإجتماعية في مرحلة من التاريخ، فغرامشي يطابق ما بين كل من المجتمع المدني و الميدان الإيديولوجي، كما أن الطرق التي تحاول بها الطبقة المسيطرة نشر إيديولوجياتها سماها غرامشي “بالبنية الإيديولوجية” التي أوجدها من أجل أن تشمل مجموعة من المؤسسات التي تحاول ولو بطرق مختلفة ومتفاوتة أن تقوم بتوسيع نطاق نشر كل هذه الإيديولوجيات كمؤسسة المدرسة و الإعلام إلى غير ذلك.
أما بالنسبة للمجتمع السياسي فنجد بأن سلطته تتمثل في القيادة المباشرة وعنصر الإكراه، عنصر يستعمله أعضاء المجتمع المدني لمحاولة الحفاظ على النظام المفروض داخل المجتمع كما أن الإكراه يمارس بأشكال وطرق مختلفة من جهة حسب طرق الحكم ومن جهة أخرى حسب الأهمية التي توجد لدى المجتمع المدني، فنجد أن هناك تقاطع يربط بين كل من المجتمع المدني والسياسي إرتباطا عضويا وبدرجات متفاوتة.

وقد حاول غرامشي أن يوضح الفرق الموجود بين الشرق والغرب متخدا مثالي كل من إيطاليا وروسيا نموذجا لهذا الفرق، وكذلك يرى بأنه إذا تيسر لروسيا الإستلاء على السلطة المباشرة دون أي عناء فذلك راجع إلى عدم إعتمادها على المجتمع المدني بشكل كبير.
فالمجتمعات الغربية أ صبحت بحاجة ماسة إلى القيام بعمل إيديولوجي طويل.
ولتحديد الكتلة التاريخية يجب الإعتماد على مجموعة من الروابط التي بدورها توجد بين القطاعين السياسي والثقافي وكذا بين البنى الإجتماعية والإقتصادية والقيام بدراسة حول أهم العوامل التي جعلت من هذه الروابط عضوية تسعى إلى تحقيق وحدة الكتلة التاريخية ، و هذه الروابط التي توجد بين البنيتين فقد كان أهم من ساهم في تحقيقها الفئة المثقفة لإعادة صياغة المفاهيم الإيديولوجية و نشرها.

هبة بوستة
في هذه الفقرة يتناول الطاهر لبيب في كتابه سوسيولوجيا الثقافة وخاصة في الفصل المتعلق بالمثقفون والطبقات الاجتماعية قضية مفادها:

  أن غرامشي كان ينظر إلى المثقفين  كونهم يعرفون من خلال الوظيفة الاجتماعية التي يمارسونها حيث أن هذا التعرف تجاوز المثقفين الكبار ليعم كل من له مكانة ووظيفة ضمن العلاقات الاجتماعية وذلك بالاختلاف وتعدد الأنشطة الفكرية، لكن المثقفون فيما بينهم تختلف مراتبهم وأهميتهم فبالنسبة له أن المثقف المبدع الذي يصوغ الأيدولوجية الخلفية أكبر وزنا من المنظم الذي يقوم بنشر وتقديم هذه الأيدولوجية وهذا الترتيب ليس كونه مطلقا يعني أنه لا يستند إلى القيم والمعايير الداخلية ، بحيث يعتبر الكاتب من رؤية أدبية على أنه كاتب مبدع بقدر ما يستند على مكانة المثقف ووظيفته في العلاقات   الاجتماعية.
   بحيث وضع غرامشي تساؤل، وهو هل يشكل المثقفون طبقة اجتماعية مستقلة قائمة بذاتها أم لكل طبقة فئة متخصصة من المثقفين؟
  والجواب على هذه الإشكالية، تتجلى في أن المثقفين لا يكوِّنون طبقة بل فئات مرتبطة فيما بينها ومتماسكة حسب درجات الاختلاف من الطبقات الأساسية بمعنى ذلك الطبقة التي استطاعت أن تهيمن على السلطة وقيادة الطبقات  ذلك مثل الطبقة البرجوازية والعاملة اي البروليتارية )ص38/599(.
  لكن نرى أن هناك  ارتباط المثقفين بطبقة مسيطرة وحاكمة نحو الحكم أو السلطة في فترة تاريخية معينة بحيث تتخذ كثرة الأشياء بتعقيدها وتنوعها وذلك يبرز غرامشي من هذه الاشكال شكلين هامين يوافقان  نوعين من المثقفين فالنوع الأول هو " المثقف العضوي" نعني به ارتباطه بطبقة متقدمة وهذا الارتباط هو ارتباط عضوي فهو مثقف الكتلة الجديدة أما بالنسبة للنوع الثاني المثقف التقليدي وهذا النوع مرتبط بطبقات اندثرت، أو يمكن القول بأنها في طريقها للاندثار، أي طبقة تنتمي إلى كتلة تاريخية سابقة .

كل طبقة اجتماعية تولد أصلا على أرضية وظيفية أساسية في عالم الإنتاج الاقتصادي تختلف عضويا وفي نفس الوقت الذي تولد فيه شريحة أو شرائح من المثقفين يزودونها بتجانسها وبوعيها لوظيفتها الخاصة لا في الميدان الاقتصادي فحسب بل في الميدان السياسي والاجتماعي أيضا فصاحب المعمل الرأسمالي خلق معه مجموعة من الموظفين منهم مهندس الصناعة وعالم الاقتصاد السياسي ومنظم الثقافة الجديدة والقانون الجديد وذلك باعتبار على أن الوظائف العضوية أو الوظيفة العضوية التي تخضع لتراتب وتقسيم حسب أهميتها كما أشرنا له من قبل وذلك في تكاملها بمستويات مختلفة بحيث استخرج ” ج.م.بيوتي ” التقنيون والوظيفة التي تشملهم كالوظيفة الاقتصادية ووظيفة هيمنة عن طريق العمل في مختلف الهيئات الثقافية أما الجانب العسكري والقضائي أو المثقفون كأفراد في الدولة فالوظيفة التي يمارسونها هي وظيفة إكراه لكن ليس على مجمل المثقفين فالبعض منهم هم اللذين يمارسون تلك الوظيفة ألا وهي وظيفة إكراهية.
نلاحظ أن المثقفين العضويين من زاوية الإختصاص في جوانب جزئية من النشاط العقلي والفكري داخل كتلة تاريخية. للعاملين فيها وذلك من اجل تماسكها ووحدتها فهذا بصفة عامة اما صفة خاصة او دراسة الحالات فتحول الى النمطية من وجهة نظر سوسيولوجية، فهناك حالتين من الضروري إبرازهما، وهما ان الطبقات الاجتماعية ليست هي التي تخلق مثقفين عضويين لها كما خلق مثقفين عضويين لا تعني ان كل الطبقات تمنحهم نفس الوظائف ونفس الاهمية فإذا كان الطبقة المهيمنة هي التي تلحق بها اكثر عدد من هؤلاء المثقفين وتسند اليهم كل التي تحتاج اليها فالبروليتارية او الطبقة العاملة تعتبر طبقة مهمة واساسية من إنتاج المثقفين العضويين على مستوى الهيمنة السياسية الإيديولوجية فإن الجماهير الفلاحين حسب رأي غرامشي )رغم ممارستها لوظيفة اساسية في مجال الانتاج لا تولد مثقفين عضويين خاصين بها ولا تستوعب أية شريحة من المثقفين التقليديين رغم ان طبقات اجتماعية اخرى تستمد عددا كبيرا من مثقفيها من جماهير فلاحين ورغم ان جزء كبير من
(المثقفين التقليديين هم من اصل فلاحي) 599/38(،
و ملاحظة غرامشي حول هذا الموضوع؛ أساسها مبني على معطيات الطبقة الفلاحية الإيطالية في عهده إذ يعتبرها طبقة غير موضوعة وغير مهيأة لقيادة المجتمع لأنها لم تنتج المثقفين سوى على المستوى الاقتصادي يعني الحرفي لا اكتر، مما يبين أن المثقف الاقتصادي غير مؤهل لقيادة المجتمعات، بناء على نظرة غرامشي.
عندما درسنا المثقفين من وجهة الكتلة التاريخية، نرى مقابل هذه الفئة وهي المثقفين التقليديين بحيث ان الطبقة المهيمنة تعمل على تهميشهم و ازالتهم بكونهم هم سبب في اللاتطور التاريخي كما هندسته او رسمته هي للمجتمع. بحيث ان المثقفون التقليديون المنتمون لطبقات زائلة لا يعتبرون أنفسهم مستقلين عن تلك الطبقات الاجتماعية بل انهم مرتبطين بها وباعتبار ان كل طبقة اجتماعية ظهرت الا وهي نتاج من البنية الاقتصادية السابقة التي تعبر عن مرحلة من مراحل تطورها. وكانت بعض الفئات من المثقفين يمثلون على أنهم ممثلي استمرارية تاريخية لم يحدث فيها انقطاعا رغم التغيرات الأكثر تعقيدا في الأشكال الاجتماعية السياسية، فحسب غرامشي ان المثقفون التي ينسبون لأنفسهم الاستقلالية فحسبه لأنها استقلالية وهمية بحيث ان لها نتائج سياسية و خلفيات أيدولوجية هامة و بحيث يعتبرون المثقفين كذلك على أنهم مستقلين و قائمين بذاتهم و لهم مميزات خاصة و باعتبار الفلاسفة أيضا انهم مستقلين عن الطبقات الاجتماعية و يمتلون نمط من الاستثمارية الفكرية كما تمتل كروتشي صلة وثيقة تشده الي ارسطو و أفلاطون و رجال الكنيسة يمتلون استمراريتهم التاريخية التي تبدأ من المسيح بحيث يمكن أن نعتبرهم فئة من المثقفين ذلك لارتباطهم عضويا بأرستقراطية الأرض و ذلك في تساوي بينها قانونيا و تقاسم في حق ملكية الأراضي الاقطاعية و امتيازات الدولة المرتبطة بالملكية) 600/38( وبالإضافة الي هذه الاستقلالية التي تعطي انتماء الي تنظيمات خاصة تؤيدها بالتماسك و التضامن و بالتالي اتضحت مهمة الطبقات التي تريد السلطة لكي تفهم أيدولوجية المثقفين التقليديين فالاستقلالية هنا نعني بها انتماء طبقي تم كشفه متل الصراعات بين حكم او سلطة الملوك و سلطة الكنيسة او الطبقة البرجوازية بعد التورة الفرنسية دلك يشبه حال المثقفين العضويين و هنا نجد الاختلاف كمتال على ذلك الطبقة البروليتارية فأنها لا تخلق مثقفين تقليديين و اذا كان متقفوا البرجوازية العضويين يمكن أن يصبحوا تقليديين في كتلة تاريخية بروليتاريا كمتال^ متقف الريف^ هو متقف تقليدي اما اذا كان ارتباطه عضويا فيكون راجعا للطبقة الحاكمة و مالكي الأراضي و مثقفوا الريف هم تقليديون و ذلك يرجع بالارتباط بالجماهير الاجتماعية الفلاحية و البرجوازية الصغيرة التي لم تدخل نظام الرأسمالي و لم تتأثر به فهذا النوع من المثقفين يلعبون دورا مهما لا من حيت السياسة و لا من حيت الاجتماعي. فدراسة غرامشي كانت دائما تدرس علاقات المثقفين بالطبقات الاجتماعية بحيث كان له دور مهم في السيسيولوجية و كذلك دراساته و تطرق ونرى ذلك في متاله على المسألة الجنوبية حول الوضع في الميزوجيورنو بحيث ان المناطق الجنوبية في إيطاليا تختلف عن المناطق الشمالية و السبب هو تفككها الاجتماعي و الاقتصادي الجغرافي يعني عدم الانسجام و التماسك والتفاهم بين الجماهير الفلاحية بحيث عندما نجد اللاتماسك بنت أفراد المنطقة ينتج لنا تفكك و التدهور الاقتصادي بين الجماهير اي الفئة النشيطة من الفلاحين ولقد كان المثقف الكبير يخدم أيدولوجية الي صاحب الملكية الكبيرة يعني ملكية الأرض و بالتالي فالفئة الوسطى من المثقفين كانت واسطة بين الفلاحين و الادارة المحلية و الدولة رغم اعتمادها على انشطة سياسية وايديولوجية يعني انها كتلة جماعية فلاحية وبالتالي تكونها من تلاتة فئات اجتماعية اولا شريحة واسعة من الفلاحين غير مندمجة و متفككة و تانيا مثقفوا البرجوازية الريفية المتوسطة و الصغيرة و اخيرا مالكوا الأراضي و المثقفون الكبار) 113/38( ، بحيث ينتمون الي طبقة مهمة و هي الميزوجيورنو و التي نعني بها طبقة برجوازية ريفية من صغار و متوسطي ملاك الأراضي الذين لا يعتبرون فلاحين و ذلك أن تلك الطبقة لا يعملون في الأرض بل يستحيون من تعاطي الفلاحية و لقد تولدت عنهم افكار اشمئزازية و غير صالحة اتجاه العامل الفلاحي و باعتبار كدلك ان الفلاح ليس متلهم فهو يمتل عنف تهديمي بالنسبة لهم يعني احتقار و تقليل من العامل الفلاحي لكن نرى من الجانب المثقفين انهم يقومون بنفاق مهذب و يلعبون في دائرة الخداع يعني خداع الفلاحين.
نرى بأن هناك اختلاف بين الجنوب و الشمال فالجنوب ينتج موظفي الدولة و أصحاب المهن الحرة التي نعني بها بالمهن و الخدمات التي يقدمها الشخص الي العميل اي المهنة التي لا يكون فيها لا مدير ولا مساعد المدير او تحديد وقت العمل وايضا لا وجود لراتب محدود في آخر الشهر بل العكس من دلك، انت بالنسبة للشمال ينتج الكوادر الفنية للصناعة يعني ارتباطها بالصناعة لم تخلق مثقفين عضويين خاصين بها وجدت نفسها تابعة وذلك بواسطة ” كتلة مثقفة ” الطبقة الحاكمة و المسيطرة بصفة عامة و للجانب الرأسمالي بصفة خاصة مجمل على أن هناك علاقة بين البنى الفوقية و البنى التحتية كما اشرنا له من قبل. فهده البنى ليست علاقة آلية مباشرة.
عندما نرى هذا التحليل نجد ان كل الطبقات لا تنتج مثقفيها عضويين او تقليديين وذلك باعتبار ان المثقفين كفئة لا أفراد لأنهم يتكونون ببطيء اكتر بكثير من اي فئة اجتماعية أخرى. فهذا النمط القديم شامل على المثقفين الدين يتكونون في وسط فلاحي وأيضا على الطبقة العاملة البروليتارية نفسها لأنها تكون مثقفيها بصورة تدريجية بطيئة فالعلاقة بين الفئات المثقفة و الطبقات الاجتماعية علاقة معقدة و السبب يرجع كونها علاقة ليست مباشرة و كمتال على ذلك الفئات الاجتماعية الأساسية يتوسطها الوجود الاجتماعي بمجمله و ترتيب البنى الفوقية الذي يمتل المثقفون موظفيه الفاعلين و التفسير لهذا ان ارتباط المثقفين بطبقة اجتماعية ما لا يتنافى مع نوع من شبه الاستقلالية نوعا ما لبعض مظاهر الإنتاج الفكري و ذلك سوف ينتقل من الحديث عن الأراء المتعلقة بالمثقفين الي الميادين الخاصة متل الأدب و الفن و لكن باعتبار الفنان و الأديب متقف بالمفهوم الذي تناولناه سابقا ، و بالتالي ظهر جدال بين وجهة نظر سوسيولوجية و وجهة نظر أدبية جمالية فلى نؤكد على الاعمال التطبيقية المرتكزة على العلاقة بين أنماط معينة من الإنتاج الفكري و البنية الاجتماعية. بل نكتفي على جلب مفهومين كما وضح غرامشي بخصوص علاقة المثقف بالطبقات الاجتماعية وايضا حدود التحليل السيسيولوجيي التي كانت موضوع سوء تفاهم و مشاكل خاطئة و غالطة.
بقلم الطالبة نوال خلوفي
✓قراءة في كتاب طاهر لبيب ” سوسيولوجيا الثقافة “

  • المحور الثاني: المقابلة الثانية ( محاولة التجاوز )
    يبين الطاهر لبيب في كتابه هذا ” سوسيولوجيا الثقافة ” خاصة في المقابلة الثانية ، كيف حافظت التعاريف الأنثروبولوجية المختلفة على المقابلة بين الطبيعي والثقافي أي بين ماهو بيولوجي وما هو مكتسب وإجتماعي، حيت اعتبر في هذه المقابلة أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يخلق الثقافة كما عبر عنها بتعريف هرسكوفيتس ( الثقافة هي ما يصنعه الإنسان في البيئة )، حيت أن الثقافة لا تكون إلا نتيجة إكتساب في الوسط الطبيعي و الإجتماعي، وأن هذا الإتفاق لا ينسى بعض المحاولات في الربط بين الثقافة وكذا الطبيعة البشرية، وبالعودة إلى التحليل الوظيفي عند مالينوفسكي يعرف هذه الطبيعة البشرية على أنها “الأسس البيولوجية للثقافة “، كما لاحظ أن ربط الثقافة بالحاجيات الأولية ليس جديدا وأن العامل الطبيعي أو البيولوجي يصبح شيئا ثانويا بالنسبة لعلم الثقافة قد سمى كلود ليفي ستراوس هذه المقابلة بالمقابلة الواضحة بين الثقافة والطبيعة، بحيت ان هذه الأخيرة هي معطى من المعطيات الإنسانية العامة، فالأساس والاهم هو المرور من الطبيعة الى الثقافة بحيت أن وسائل هذا المرور كثيرة ومتنوعة من أهمها اللغة باعتبارها وسيلة إتصال.
    ومن خلال محاولات كلود ليفي ستراوس ومالينوفسكي وضح الطاهر لبيب في هذه المقابلة
    محاولة التجاوز أي أنه عمل قطيعة كلاسيكيه بين الانسان والطبيعة، ومن خلال هذا تحولت الأنثروبولوجيا نفسها وأن هذه الأنثروبولوجية الثقافية حافظت على تهميش البعد الطبيعي البيولوجي مدعومة بالمقارنات بين الحيواني والانساني بحيت ثم اعتبار الانسان هو الكائن الوحيد والاحد الذي يخلق الثقافة لأن الثقافة شيء مكتسب وتكون بعد تجاوز البعد الطبيعي؛ لقد بين الطاهر لبيب انه في بداية القرن العشرين ميز كرويير بين ثلاثة ميادين اولهم ميدان اللاعضوي اي موضوع الدراسات الفزيائية و كذا الميدان الثاني العضوي موضوعه الدراسات البيولوجية والبسيكولوجية واخيرا الميدان مافوق عضوي وموضوع دراساته العلوم الاجتماعيه وهو الوحيد الخاص بالانسان كمبحث للثقافة وحامل للتاريخ ،حيت يرى المفكر الفرنسي إدگار موران ان كل إنسان هو كلية بيولوجية، بسيكولوجية وسوسيولوجية، قد ثم ابراز عضوية الارتباط بين الانسان والطبيعة بشكل واضح دون اي لبس لأن الإنسان هو الموضوع المباشر لعلوم الطبيعة، والطبيعة هي أيضا الموضوع المباشر لعلم الانسان، حيت اصبح نقد الأنثروبولوجيا موقفا كلاسيكيا، لكن لا يجوز اتكاء على انتقادها لأنه لا يمكن الخلط بين نقد الهيمنة الإستعمارية كمرحلة تاريخية وبين الفكر الذي أنتجته هذه الهيمنة الى درجة تقرير أنها علم كان يجب الا يكون ، وان التعاطي السليم مع الأنثروبولوجيا يجب ان يتم وفق طرق نقدية معينة، و انه يجب استحضار تطور هذا العلم حسب معطيات جديدة مع ابقاء المجال مفتوحا على إمكانية الرجوع، اي رجوعا استعماليا على الاقل الى الدراسات الأنثروبولوجية وهذا لا ينفي وجود تمايز بين الانثربولوجيا وسوسيولوجيا الثقافة، ويكمن هذا التمايز في طبيعة المجتمعات التي اهتمت بكل منهما في حين اهتمت سوسيولوجيا الثقافة بالظواهر الثقافية في المجتمعات ذات التركيب الطبقي لم يكن ميدان الأنثروبولوجيا غير المجتمعات المصوفة بالبدائية لأنها تدرس الانسان البدائي، والمشكلة على هذا الصعيد هي مشكلة التحول المفهومي والمنهجي من حقل الى حقل اخر ، حيت يرى الطاهر لبيب ان طبيعة العلاقة بين المعرفة والاطر الاجتماعية والتي يرجع فضل التنبه الى وجودها لأغلب الذين ساهموا في سوسيولوجيا المعرفة، حيت انها ظلت سطحية على مستوى التحليل وغامضة على مستوى الاعتبارات الفلسفية على الرغم من تنبه إميل دوركايم الى العلاقة الوثيقة في كل فترة بين الافكار المجردة لفكرتي الزمان والمكان بالبنية الاجتماعية المناسبة فإنه يسقط في روحانية مفرطة معتبرا التصورات الجماعية جوهرا للحياة الاجتماعية وان الدين أقدم الظواهر الاجتماعية كعامل توحيد بين الناس حيت تبقى اعمال كارل مانهايم من بين المحاولات التي أكدت على الترابط الوظيفي بين المعرفة والاطر الاجتماعية فهي تميز بين نوعين من النمط.
    ان سوسيولوجيا المعرفة عند غيرفيتش هي دراسة الترابطات الوظيفيه التي يمكن ايجادها في تراتب مختلف أنواع المعرفة واشكلها وكذا أنظمتها الداخلية … ويقدم طاهر لبيب تعريفا موجزا لسوسيولوجيا الثقافة مصدَّراً بعبارة “إيجازاً”، والتي تُلخص تبريرَه الاضطرارَ إلى تهميش بعض التيارات أو الأعمال ذات الصلة عند اعتماد معايير معينة لتحديد عناصر لتعريف سوسيولوجيا الثقافة. يقول التعريف: تحليل طبيعة العلاقة الموجودة بين أنماط الانتاج الفكري ومعطيات البنية الاجتماعية وتحديد وظائف هذا الإنتاج في المجتمعات ذات التركيب التنضيدي أو الطبقي. وهو تعريف يتضمن أربعة اعتبارات عبارة “أنماط الإنتاج الفكري” واضحة الدلالة على وجود أنماط مختلفة من الثقافة قد تتناقض مضموناً ووظيفةً في المجتمع الواحد أولاً، وعلى الانعدام العملي للتجانس الثقافي بالمعنييْن الفلسفي والأنثروبولوجي ثانياً. فلا توجود موضوعياً في المجتمعات ذات التركيب الطبقي “ثقافةٌ للجميع”. معنى هذا أن سوسيولوجيا الثقافة هي في نهاية الأمر سوسيولوجيا تَبايُنٍ في الثقافة وعدمِ مساواة في المجال الثقافي، والاكتفاء بالحديث عن المجتمعات المنضدة أو الطبقية هو على سبيل المثال لا الحصر. هو تأكيد من التعريف على تعبير الإنتاج الفكري عن مرحلة تمايز بين الأصناف الاجتماعية والاقتصادية. وعليه، فإن المجتمعات “البدائية” التي قصُرَت فيها أنماط الإنتاج الفكري عن بلوغ درجة كافية من التمايز تسمح بتصنيف ما، هي المجتمعات الوحيدة المستبعَدة من الحقل السوسيولوجي. الأمر الذي يفسر الصعوبة التي واجهت المشتغلين على هذا النوع من المجتمعات إبستمولوجياً ومنهجياً، وأيضا إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي غيرُ ذي بال من وجهة نظر تحليلية. المهم هو تحليل أشكال هذه العلاقة في مرحلة معينة لمجتمع معين، تحليلاً أغنى المناقشات المتعلقة بالروابط الموجودة بين البنيتين التحتية والفوقية، مناقشات رسّخَت فكرةَ التبادل الديالكتيكي القائم بينهما، ومكنَت في آن واحد، بفضل المساهمة المتطورة لسوسيولوجيا الأدب والفن في هذا الإطار، من تجاوز التصور الميكانيكي والمثالية و”الاقتصادوية”، فلم يعد مثلاً من معنى للتسليم بمبدأ “الانعكاس” المعتمَد لدى الطريقة الكلاسيكية المعهودة، والباحثة باستمرار عن علاقة مباشرة بين “مضمون” النص والواقع.
    وأيضا إبراز الوظيفة الاجتماعية السياسية التي يحوِّل لأجلها إنتاجٌ فكري معطياتِ الواقع، أهمُّ من مجرد تحديد الكيفية التحويلية ذاتها. فالأدوار التي يؤديها مثقفون لصالح أصناف أو طبقات معينة، عن وعي أو عن غير وعي لا فرق، هي من جهةٍ وظيفةٌ أساسية، وبُعدٌ من أبعاد العلاقة يستحيل تفسيرُ ظهور حدث فكري بدونها، وهي من جهة ثانية تحُل سوسيولوجياً مسألة “استقلالية” القيم الفكرية الجمالية، باكتشاف وظيفةٍ لاستمرارية هذه القيم أو لبعثها في ظروف تاريخية محددة.
    نستشف من خلال ما سبق
    أن الطاهر لبيب قد أبرز نوعية المساهمة السوسيولوجية في الميدان الثقافي بالنسبة لمراحل أنثروبولوجية وسوسيو معرفية سابقة، وخصوصاً في محورة إشكالية الكتاب حول اعتبار منهجي أساسي هو: لا تفسر الظواهر الثقافية أو الأيديولوجية بصفة عامة إلا في إطار علاقتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات.

.
ملحوظة : هذه القراءة أنجزت من طرف طالبات الفصل الثالث
لجنة تنقيح المفاهيم و اللغة :
عمر عمر – طالب حاصل على الاجازة في علم الاجتماع بني ملال
أسامة البحري طالب في الفصل الخامس علم الاجتماع
عصام أخيري أستاذ باحث في الفكر الاسلامي

قراءة في كتاب الطاهر لبيب
من طرف طلبة و طالبات شعبة علم الاجتماع بني ملال
لجنة التنقيح : عمر عمور – عصام أخيرى – أسامة البحري
تحت إشراف الأستاذة : عزيزة خرازي

بقلم الطالبة عائشة السميري

 معلومات عامة عن الكتاب
يقع كتاب “سوسيولوجيا الثقافة” لمؤلفه عالم الاجتماع التونسي الطاهر لبيب في أربع وستين) 64( صفحة من الحجم المتوسط) 21 x 13,5 سنتم( مرقونةً بخط دقيق جد اً.
وكانت أول طبعة لـ”سوسيولوجيا الثقافة” قد صدرت سنة 1978، تناولتَْه منذ ذلك التاريخ طبعاتٌ مختلفة في القاهرة ودمشق وعمان وتونس والمغرب. والطبعة التي ننجز منها هذا التقديم مغربية، أصدرتها سنة 2006 مطبعة فضالة بالمحمدية.
 نبذة عن المؤلف
معروف عن الكاتب الذي درس في فرنسا اشتغالهُ بل تخصُّصُه في المجال السوسيولوجي، وتأسيسُه في تونس عام 1985، مع عدد من الباحثين العرب، الجمعيةَ العربية لعلم الاجتماع، والتي ترأسها لسنوات.
 محتويات الكتاب:
الكتاب غني بالنصوص ذات الصلة بالموضوع، وحافل بأسماء مؤلفيها، وأعلامِ المدارس المتخصصة في هذا الشأن. ويبدو بلا ريب أن الكاتب يسعى من خلال هذا الحشد النصي الغزير المكثف إلى تعريف القارئ العربي على أكبر قدر ممكن من المشتغلين في حقل سوسيولوجيا الثقافة، ووضْعِ ه على خطى مواكبة الأسس الكبرى والخطوط العريضة والكثير من تفاصيل هذا العلم الغزيرة منتجاته.
يتكون الكتاب من مقدمة وخاتمة وثلاث عشرة) 13( فقرة، مجموع سطورها عدّاً هو: 1434 سطراً.
أقصرُها: فقرة “نظرية البنى الفوقية” )25 سطراً(، وأطولها: فقرة “تاريخ الفكر واستقلاليته النسبية” )275 سطر اً(.
 موضوع الكتاب:
الكتاب عبارة عن: «مساهَمة متطورة في نظرية البنى الفوقية.[i]
 منهجية الكتاب:
اتساع المجال السوسيو ثقافي مفهومياً ومنهجياً وتطبيقياً، أملى على الكاتب اختيارا ً أولي اً هو تحديد الإطار النظري العام الذي تندرج فيه الظواهر الثقافية في علاقتها بالمعطيات الاجتماعية، على الرغم من أن طبيعة الموضوع تستدعي وضعَ هذه المساهمة في سياق عام لمجال السوسيولوجيا.
 من تداعيات المنهجية:
طريقة تعريف الكاتب لسوسيولوجية الثقافة ستؤدي إلى:
أولاً: تناول العلاقة بين البنية التحتية والبنى الفوقية باعتبار هذه العلاقة منطلقاً نظرياً للعمل السوسيو ثقافي، وذلك عبر إفراد مكانة خاصة لدور الفئات المثقفة التي تقوم بالربط العضوي بين البنيتين في لحظة تاريخية معينة.
ثانياً: غض الطرف عن أنماط الإنتاج الفكري وأشكال العلاقة القائمة بينهما وبين المعطيات الاجتماعية، لأنها تتطلب عرضاً تصنيفياً يتجاوز حدود الكتاب. لذا يتم الاهتمام بالثقافة “المثقفة” في الكتاب دون الثقافة الجماهيرية، ولكن من منظور لا يفصل بين قطاعات الثقافة أو بين مستوياتها المختلفة.

بقلم الطالبة : مريم القمية
قراءة في التمهيد و متاهات كلمة.

يتكون هذا الكتاب من 62 صفحة و ينقسم الى تمهيد و ثلاثة عشر فصلا و خاتمة. 

الطاهر لبيب في بداية كتاب سوسيولوجيا الثقافة للطاهر لبيب يوجد تمهيد وضح فيه أهمية الثقافة التي سيتناولها الكتاب وقد قسم هذا التمهيد الى ثلاثة فقرات تناولت مجموعة افكار اساسية:
اولا اعتبر ان سوسيولوجيا الثقافة عبارة عن مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية و قد مرت هذه المساهمة من سياق عام “ابتداء من تصورات ما قبل الانثروبولوجيا الى السوسيولوجيا الكلاسيكية للمعرفة مرورا بالمنعطف الانثروبولوجي”.
كما ان اتساع المجال السوسيوثقافي عبر مجموعة من الجوانب ( مفهوميا و منهجيا و تطبيقيا) يفرض بالضرورة تحديد اطار نظري عام تندرج فيه الظواهر السوسيوثقافية.
ثم اشار ايضا الى اهمية العلاقة بين البنية الفوقية و البنية التحتية في تعريف سوسيولوجيا الثقافة ، حيث ان معطيات العلاقة بين هاتين البنيتين تمثل المنطلق النظري للعمل السوسيو ثقافي ، بالاضافة الى هذا قد اعطى اهمية الى الفئات المثقفة حيث يقول ان غرامشي يرى بأن هذه الفئات “هي التي تقوم بالربط العضوي بين البنيتين في لحضة تاريخية معينة”.
وفي اخر فقرة التمهيد وضح اهمية الثقافة الجماهيرية بالموازات مع الثقافة “المثقفة” رغم اهتمامه بهذه الاخيرة بل انه اكد على انه “ليست هناك فكرة الفصل بين قطاعات الثقافة او بين مستوياتها المختلفة” واشار هنا الى نظرية البنى اللفوقية.
اذن فان اهم الافكار التي طرحها الطاهر لبيب من خلال الفقرات الثلاث التي وضعها في تمهيد الكتاب هي كالتالي :
ففي الفقرة الاولى اعتبر ان السوسيولوجيا الثقافية هي مساهمة متطورة في نظرية البنى الفوقية و ان هذه المساهمة مرت من سياق عام كما ذكر اتساع المجال السوسيوثقافي الذي يفرض بالضرورة تحديد اطار نظري عام تندرج فيه الظواهر السوسيوثقافية.
اما في الفقرة الثانية فقد ركز اساسا على اهمية العلاقة بين كل من البنية الفوقية و البنية التحتية اولا في تعريف السوسيولوجيا الثقافية و ثانيا لانها تمثل المنطلق النظري للعمل السوسيو ثقافي و في اخر هذه الفقرة ذكر اهمية الفئات المثقفة التي تقوم حسب غرامشي بالربط بين البنيتين في لحظة تاريخية معينة.
وفي الفقرة الاخيرة بين ان العلاقة بين انماط الانتاج الفكري و المعطيات الاجتماعية لا تخرج عن الاطار النظري العام لكنها تتطلب عرضا تصنيفيا يتجاوز عرض هذا الكتاب.
كما اشار الى فكرة محورية تؤكد عليها الرؤية الكلية التي تقوم عليها نظرية البنى الفوقية و مفادها عدم وجود فكرة الفصل بين قطاعات الثقافة و مستوياتها المختلفة.
*متاهات كلمة
قسم الطاهر لبيب هذا الفصل الى فقرتين تطرق في الفقرة الاولى الى صعوبة مفهوم الثقافة فهو مفهوم غامض رغم المحاولات الكثيرة لتعريفه من مجموعة من الجوانب ما ادى الى تبلور اعمال اكاديمية و بحوث تهتم حصرا بمفهوم الثقافة.
اما في الفقر الثانية فقد قام الطاهر لبيب بتتبع معاني مفهوم الثقافة تاريخيا اذ اشار الى ان هذه الكلمة اكتسبت معناها الفكري خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر ثم الى المعنى الذي كان لكلمة الثقافة خلال القرون الوسطى حيث كان مرتبطا بالطقوس الدينية ثم خلال القرن السابع عشر فقد كان معناها في هذه المرحلة مرتبطا بفلاحة الارض في حين اصبحت كلمة الثقافة تعبر عن التكوين الفكري العام و الفردي خلال القرن الثامن عشر ثم انتقلت الكلمة الى الالمانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر حيث اكتسبت مضمونا جماعيا لتبرز جذلية المفهومين ثقافة/حضارة

بقلم الطالبة عائشة السميري :

1- نظرية البنى الفوقية:
استهل الكاتب هذا المحور المتعلق بنظرية البنى الفوقية بكون ان التعريف المقترح في اعتباراته الأربعة على الأقل، والمتميزُ عرضاً واحترازاً ونقداً، يجعل من سوسيولوجية الثقافة مساهمة ً في نظرية البنى الفوقية.
ويجعل – في اهتمامه الأول- من ضرورة الربط بين معطيات البنى الفوقية ومعطيات البنى التحتية، وتحليلِ طبيعة العلاقة بين البنيتين في فترة تاريخية معينة، المبدأَ القارَّ، ولكن في إطار الوحدة الموجودة بين المستويين، والتي تعني استحالةَ تفسيرٍ ذي حد أدنى من الدلالة السوسيولوجية لمعطيات البنى الفوقية في ذلك الإنتاج الثقافي دون إرجاعها إلى معطيات الواقع الاجتماعي.
كما يجعل-في اهتمامه الثاني- من الوظيفة التي تؤديها الفئات المثقفة المنتجة للفكر في علاقتها بالأصناف والطبقات الاجتماعية بما في ذلك السلطة أو الطبقة الحاكمة، موضوعاً لعضوية هذه العلاقة أو الوحدة بين البنيتين.
اهتمامان أساسيان، باعتبارهما منطلقاً نظرياً للتحليل السوسيو ثقافي، اكتفى الكاتبُ بخصوص أوّلِهما بمثالي ماركس وإنجلز اللذيْن فتحا مجالاً للتنظير في هذا الباب، وركز في شأن ثانيهما على المكانة الفريدة التي أكسبها هذا الاهتمامُ للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي أولِ منظر ماركسي للبنى الفوقية.
2- الوحدة بين البنية التحتية والبنية الفوقية:
فيما يخص كارل ماركس وإنجلز ،اكتفى الكاتب بمقطع من تقديم كتاب كارل ماركس“ مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي“، تضَمَّن عبارات نموذجيةً لأقصى تعبير عن توجيه المعطيات المادية للظواهر الفكرية. عبارات كثيراً ما فهُمت مع غيرها على أنها تحديدية اقتصادية، وأساس المادية التاريخية أو/و الديالكتيكية. ودعّم الكاتبُ ملاحظتهَ حول الكثرة الكاثرة من التعاليق التي ترُجِع الماركسية إلى نوع من “الاقتصادوية” بنص كروتشي [6]الإيطالي، معروفٍ ونموذجي في تصلبه، أورده غرامشي في “رسائل السجن”، مما استدعى من الكاتب تحرير أربعة توضيحات، جلهُّا إنجلْزِية، لرفع بعض الالتباسات التي تثيرها بعض الاعتبارات الشائعة حول المادية التاريخية أو/و الديالكتيكية.

كليةُ التصور الماركسي للتاريخ والفاعلِ التاريخي تقيه سيطرةَ العوامل الاقتصادية في تفسير التاريخ، إلى درجة أن “تهمة” “شطر وحدة الواقع” تبدو عمليةً غريبة تصوُّراً ومنهجياً عن التحليل الماركسي
2- باعتبار ان الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي من منظور ماركسي حيث انه يتمنَّع عن حصره في الميدان الاقتصادي أو المادي بالمعنى الضيق المتداول، كما أن للاقتصاد مضمون اً ووظيفة نفسية اجتماعية تفصح عنها تعاريف مختلفة كتعريف الرأسمال نفسه. بل حتى السلعة، تكشفت في التحليل الماركسي، وبعبارته، أنها« شيء معقد جداً، ومملوء بملابسات ميتافيزيقية وتمََ ح ك ديني»، فإنتاج العمل يكتسي طابع اللغز حامل يتحول إلى سلعة. يضاف إلى ذلك السلعةُ غيرُ المتوقعَّة أحيان اً للفظة الاقتصاد نفسها، بما يجعل من العنف والظروف الاقتصادية والجنس قوى وعواملَ اقتصادية ً.
3 – الاقتصادُ بمعناه الواسع هذا، يحدِّد مختلفَ عناصر البنية الفوقية في آخر تحليل أو في نهاية الأمر عن طريق وسائط يسُْند إليها دورَ السيطرة أو التأثير المباشر. وهنا تبَرُز أهميةُ الاحتراز منهجياً في عملية الربط الميكانيكي الآلي بين معطيات البنيتين. فداخل البنية الفوقية مستوياتٌ مختلفة يتغير ترتيبها حسب “المسافات” التي تصل كلاً منها بالبنية من جهة، وببقية المستويات من جهة ثانية، وتح دِّد درجة الارتباط الذي قد يكُسِب بعضَ المستويات نوعاً من “الاستقلالية” بالنسبة للبنية من جهة ثالثة.
4 – لا دليل يدعم فكرة العلاقة ذات الاتجاه الوحيد بين البنيتين. وتأكيداً للتفاعل المتبادَ ل، ورفضا ً لفكرة العامل “الوحيد” المستوهَمَةِ من إبراز سيطرة العامل الاقتصادي “في آخر تحليل”، ألح ماركس وإنجلز على تأثير البنى الفوقية في البنية الاجتماعية الاقتصادية. بل إن إنجلز ذهب إلى أن جعْلَ الاقتصاد« جملةً فارغة مج ردة عابثة»، هو النتيجةُ المنتظَرَة من هذا التشويه. وأدلُّ مثال على صحة التفاعل المتبادَل، هو تأثير الأشكال الأيديولوجية على القاعدة الاقتصادية. وقد دَعّمتْ دراساتٌ ماركسية لاحقة مكانةَ الأيديولوجيا في علاقتها الديالكتيكية بالبنية، فجعل غرامشي من الصراع الأيديولوجي بعداً أساسياً في التغيير الاجتماعي حوَّل مركزَ الثقل في التحليل الماركسي إلى البنية الفوقية. ثم إن ماركس نفسه كان يرى أن« الأفكار تتحول إلى قوة مادية عندما تعتنقها الجماهير.»
وإثر هذه الجولة الدقيقة مع التوضيحات الأربعة، طرح الكاتب تساؤلاً صميمياً يستفهم عن الغياب التام، عند مؤسسي الماركسية، لتحليل أشكال تأثير الظواهر الفكرية أو الأيديولوجية في مستوى البنية التحتية، تأثيراً بلغ درجةَ تدَخُّلِها في توجيه التاريخ؟ صحيح أن إنجلز صاغ إجابة على شكل تبرير استراتيجي ينُيط الم سؤوليةَ بالمواجهة التي ألزمَتهْم إثباتَ هذا المبدأ الأساسي الذي كان ينفيه خصومُهم، ولكن الاعتراف في حد ذاته بأنه وماركس لم يتمكنا من الاهتمام الكافي بالعوامل الفكرية كمؤثر في مجرى التاريخ، وبأن بهذا الفراغ كان وراء إعطاء الشبابِ الجانبَ الاقتصاديَّ وزناً أكبر مما يستحق، هو أهمُّ ما حملت ْه هذه الإجابة.
لذا فإن التطبيقات الخاصة لظواهر البنى الفوقية، والمستنِدة إلى أن الظواهر الأيديولوجية تفُْهَ م بما لها من تأصُّل غيرِ مباشر في الأوضاع المادية للوجود الاجتماعي، ستكون فيما بعد اهتمامات أساسية لكثير من المفكرين :غرامشي ولوكاتش وغولدمان وغيرهم.

بقلم الطالبة رشيدة الرخوخي
علم الاجتماع . الفصل الثالث
حدود مساهمة سوسيولوجيا المعرفة
في هذا الفصل، يرى الطاهر لبيب أنه ثمة علاقة ترابطية بين المعرفة والأطر الاجتماعية,وقد تنبأ لها جل المساهمين في سوسيولوجيا المعرفة,إلا أن تحليل تلك العلاقة لم يتم بالشكل الجيد والمطلوب، بحيث يكون هذا التحليل سطحيا أو غامضا,وهذا الغموض غالبا ما يرتبط بالدفاع عن الحضارة الغربية والنظام الرأسمالي.
ومن أجل تجاوز هذه السطحية والغموض، قدم لبيب عدة دراسات,أولها دراسة ماكس فيبر,المتضمنة في كتابه”الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية”,حيث حاول فيبر تفسير النظام الرأسمالي بعوامل روحانية بالأساس,وهذا التفسير حسب فيبر هو الأقرب إلى المثالية باعتبار وجود عوامل أخرى.
ولأن الإنسان يطمح لأن يكون اله راضيا عنه,فإنه يسعى إلى تحقيق النجاح الاقتصادي لكي يتأكد له الرضى الإلهي, لكن الزهد الكالفيني كأي زهد هو مقترن بعدم تبذير المال وإضاعته,وبالتالي فهذه المبادئ تنطبق على المنطق الرأسمالي الذي يدعو إلى العمل من أجل الفائدة,وهي ذات الآن عدم استهلاكها,بما يعني استثمارها من جديد.ومن هنا فإن مبدأ تطوير رأس المال إنما هو موقف ديني محض
حسب فيبر فإن هذا التغيير مرتبط بشكل أساسي بخاصية وراثية وهي”عقلنة” والتي يتميز بها العالم الغربي عن العالم الشرقي بكون هذا الأخير قد هرب زهده من العلم وبالتالي لم يعرف رأسمالية صناعية.
أما الدراسة الثانية فتهم ليفي برول حول”العقلية البدائية” التي وصفها الكاتب بالغامضة,كما هو الحال عند دوركهايم الذي اعتبر التصورات الجماعية هي جوهر الحياة الاجتماعية, ويرى -دوركهايم- الدين أقدم الظواهر الاجتماعية كعامل توحيد بين الناس على عكس الاقتصاد الذي يبقى خارج الضمير الجمعي,وبالتالي لايمكن الربط بين المظاهر الفكرية والروحية من جهة والمعطيات المادية للوجود الاجتماعي من جهة أخرى.
ويعتبر الطاهر لبيب أعمال كارل مانهايم إحدى المحاولات الجادة بعد الماركسية,والتي ألحت على الترابط الوظيفي بين المعرفة والأطر الاجتماعية.
يميز مانهايم بين نوعين من أنماط التفكير,الإديولوجية والطاوباوية,ويقسم الإديولوجية إلى قسمين,أولى خاصة أي أقرب إلى الذاتية الفردية,وأخرى شاملة تمثل فترة أوجماعة تاريخية ملموسة,كمثال:الطبقة الاجتماعية.أما الطاوباوية فيقصد بها الأفكار التي لا تنسجم مع النظام الكائن.
ويذهب مانهايم إلى أن المثقفين من واجبهم أن يسبحوا فوق آراء المجتمع ويتحرروا من الروابط الاجتماعية لأنها تفقد المعرفة قيمتها وتحول دون إحداث تغيير فعال.
ثم يختم لبيب بأعمال غيرفيتش التي عرفت بالموضوع وأبرزت أهميته وتعقده في الوقت نفسه، ويعتبر كتاب “الأطر الاجتماعية للمعرفة” مجمعا لأهم مقالاته لسوسيولوجيا المعرفة.
وإذ يقدم غيرفيتش تعريفا لهذا الفرع من علم الاجتماع الذي يدرس من جهة الترابطات الوظيفية بين مختلف أنواع المعرفة,وكذلك تراتبها ومختلف درجاتها,ومن جهة أخرى الأطر الاجتماعية أي المجتمعات الشاملة,الطبقات الاجتماعية,المجموعات الخاصة,ومختلف التصورات الاجتماعية,أي العناصر الاجتماعية في طابعها الميكرو.
وهذه الدراسة تستدعي مجموعة من الجوانب الاخرى التي اختصرها في دراسة العلاقة بين تراتب أنواع المعرفة,وكذلك دور المعرفة وتمثيلها,ودراسة مختلف أنماط التعبير والتواصل, وكذلك دراسة مظاهر الابتعاد والاقتراب بين مختلف أنواع المعرفة حسب ارتباطها بأطر اجتماعية معينة,وأخير حالات خاصة من التباعد بين الأطر الاجتماعية والمعرفة .
وقد لخص الطاهر لبيب عمل غيرفيتش في محاولتين تتجلى الأولى في تصنيف أنواع المعرفة,والثانية تتمثل في تحديد العلاقة بين المعرفة والأطر الاجتماعية.
أما أنواع المعرفة فتنتمي إلى سبعة أنواع حسب غيرفيتش,ويكون ترتيبها حسب كل إطار اجتماعي,فإذا ما أخذنا المجتمع الإقطاعي كمثال نجد في المرتبة الأولى المعرفة الفلسفية, ثم المعرفة العلمية في المرتبة الأخيرة,على عكس المجتمع الرأسمالي الذي تصبح فيه المعرفة التقنية في المرتبة الأولى,وفي المرتبة الأخيرة معرفة الغير و”النحن”.
أما العلاقة بين أنواع المعرفة وأشكالها تبرز التوازي الموجود بين بعض الأنواع وبعض الأشكال.فالمعرفة الفلسفية مثلا تجذب “الرمزية”، وقد بقي عمل غيرفيتش مجرد مشروع لأنه لم تتح له فرصة تطبيقه على مجتمع عيني.
عناصر لتعريف سوسيولوجيا الثقافة
سوسيولوجيا الثقافة حسب تعريف الطاهر لبيب، هي تحليل لطبيعة العلاقة الموجودة بين أنماط الإنتاج الفكري ومعطيات البنية الاجتماعية,وتحديد وظائف هذا الانتاج في المجتمعات ذات التركيب الطبقي.ويحلل السيد لبيب هذا التعريف على أربع مستويات:
-أولها حديثه عن أنماط الإنتاج الفكري، إذ أن التجانس الثقافي بمعناه الانثروبولوجي لا يتحقق سوسيولوجيا,ذلك أنه داخل المجتمعات ذات التركيب الطبقي لا يمكن الحديث عن “ثقافة للجميع” رغم وجود عوامل أنثروبولوجية مشتركة,وأبسط دليل هو علاقة الثقافة الفكرية وعدم توافر الفرص ماديا وسوسيولوجيا من أجل الوصول إليها عن طريق التعلم,وهنا يعطي لبيب فرنسا كمثال بحيث يفوق حظ ابن الإطار ثمانين مرة حظ ابن الأجير الفلاح وأربعين مرة حظ ابن العامل.
ويخلص إلى أن سوسيولوجيا الثقافة هي في نهاية الأمر سوسيولوجية تباين في الثقافة وعدم مساواة في المجال الثقافي.
ثانيا:حديثه عن المجتمعات المنضدة أوالطبقية باعتباره الإنتاج الفكري تعبيرا عن مرحلة معينة من التمايز بين الأصناف الاجتماعية والاقتصادية.وبالتالي فإن المجتمعات الوحيدة التي تخرج من الحقل السوسيولوجي هي تلك التي تدعى “بدائية” والتي لم تصل فيها أنماط الإنتاج الفكري إلى درجة كافية من التمايز تسمح بتصنيف ما.
ثالثا: تطرقه لضرورة تحليل أشكال العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي باعتبار هذا التحليل مصدرا أساسيا فيما يتعلق بالروابط الموجودة بين البنية التحتية والبنية الفوقية.
ثم تناول أعمال لوسيان غولدمان التي أبرزت وجود علاقة تجانس بنيوي بين بُنى عالم الآثار والبنية العقلية لمجموعات معينة يعبر عنها غولدمان.
رابعا : إشارته لكون تحديد الكيفية التي يحول بها إنتاج فكري كالمسرح معطيات الواقع تبقى قاصرة وغير كافية دون إبراز الوظيفة الاجتماعية والسياسية لهذا الإنتاج.

قراءة في كتاب طاهر لبيب “سوسيولوجيا الثقافة”
الطالبة أميمة الوردي
المثقفون في <الكتلة التاريخية>
قبل القراءة الفكري للكتاب، يجب أن نقف أمام مفهوم ” سوسيولوجيا الثقافة ” عند الطاهر لبيب، كي تتضح لنا معالم الفكر السوسيولوجي عن الطاهر لبيب، ومن أجل أن يفهم الكتاب على حقيقته.
يعرف الطاهر لبيب سوسيولوجيا الثقافة على أنها تحليل للطبيعة والعلاقة الموجودة بين أنماط الإنتاج الثقافي عموما ومعطيات البنية الإجتماعية وتحديد وظائف هذا الإنتاج داخل المجتمعات ذات التركيب الترابي أو الطبقي.
فالثقافة هي وليدة الطبيعة وهي مكتسبة عن طريق التنشئة الإجتماعية من أعراف وتقاليد وقوانين…. وهذا الإكتساب قابل للتفسير والتصحيح.
وانطلاقا من هذا المحور المعنون بالمثقفون في الكتلة التاريخية، بإيجاز، فالمثقفون هم فئة إجتماعية نخبوية يحاولون من خلال وظائفهم أن يوصلوا مجموعة من الأفكار والإيديولوجيات عن طريق مجموعة من المؤسسات التي توجد في المجتمع كالإعلام والمدارس و الجمعيات….. الخ
أما بالنسبة للكتلة التاريخية فهي مفهوم إقترحه الفيلسوف والمفكر السياسي أنطونيو غرامشي هو قائد الحزب الشيوعي الإيطالي ما أسماه ب “الكتلة التاريخية” وهي فكرة تهدف إلى بناء وحدة وطنية تجمع مكونات المجتمع المدني في شكل قوة واحدة تتجاوز التناقضات الإيديولوجية والتقسيمات الحزبية والتفاوتات الطبقية لمواجهة تحديات الأزمة الشاملة في البلاد والمنطقة.
ففي مطلع تسعينيات من القرن الماضي، استلف المفكر المغربي محمد عابد الجابري ، ذو الخلفية الماركسية مصطلح الكتلة التاريخية وطرحه كوسيلة لتوحيد اليساريين وجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة العدل والإحسان من أجل إسقاط نظام “المخزن” الذي عند المغاربة يعني “النخبة الحاكمة”.
ويتضمن هذا الجزء المعنون بالمثقفون في الكتلة التاريخية من كتاب سوسيولوجيا الثقافة لطاهر لبيب مجموعة من الأفكار، فقد أصبحت العلاقة بين الإنتاج الفكري و البنية الإجتماعية والإقتصادية علاقة واضحة فهذا الإنتاج يعتبر إنتاجا لفئة إجتماعية تكونت تاريخيا ولها أدوار معينة مرتبطة بمجموعة من الأصناف الإجتماعية.
كذلك فرض الإستقلالية الفكرية بفضل الفئة المثقفة كنخبة لها أدوار إجتماعية مهمة، حيث أنه بفضل هذه الفئة ووظائفها أصبحت تشكل وسيلة مهمة لخلق إتصال بين كل من البنية الفوقية والبنية التحتية للمجتمع، وفي هذا الصدد برزت مساهمة أنطونيو غرامشي كأول المساهمين وكمنظر للبنى الفوقية وللإيديولوجيات.
كما أنه كان مهتما ومساندا للمثقفين أو موظفي البنى الفوقية كما سماهم، غرامشي، الذي اعتبر الكتلة التاريخية مفهوما للتعبير عن الوحدة الديالتيكية بين البنى التحتية والفوقية، وهذه الوحدة من الممكن أن تتفكك في فترات الأزمة العضوية تفككا يمكن أن يؤدي إلى خلق كتلة تاريخية جديدة.
فالملاحظ التي نراها، أن غرامشي لا يستعمل بشكل كبير عبارة الكتلة التاريخية. فالبنى الفوقية في نظره هي تركيب معقد إلى حد ما وقد ميز فيها بين مستويين أساسيين سماهما “المجتمع المدني” و “المجتمع السياسي”
فالأول يمكن أن نسميه “طابق” يهتم بالمؤسسات الخاصة والثاني يعبر عن الوظيفة التي تملكها الدولة والحكومة والتي تمثل القانون.
خلافا لكل من ماركس و إنجليز لإستعمالهما التطابق في الإيديولوجية الألمانية بين كل من المجتمع المدني و البنى الإقتصادية و الإجتماعية في مرحلة من التاريخ، فغرامشي يطابق ما بين كل من المجتمع المدني و الميدان الإيديولوجي، كما أن الطرق التي تحاول بها الطبقة المسيطرة نشر إيديولوجياتها سماها غرامشي “بالبنية الإيديولوجية” التي أوجدها من أجل أن تشمل مجموعة من المؤسسات التي تحاول ولو بطرق مختلفة ومتفاوتة أن تقوم بتوسيع نطاق نشر كل هذه الإيديولوجيات كمؤسسة المدرسة و الإعلام إلى غير ذلك.
أما بالنسبة للمجتمع السياسي فنجد بأن سلطته تتمثل في القيادة المباشرة وعنصر الإكراه، عنصر يستعمله أعضاء المجتمع المدني لمحاولة الحفاظ على النظام المفروض داخل المجتمع كما أن الإكراه يمارس بأشكال وطرق مختلفة من جهة حسب طرق الحكم ومن جهة أخرى حسب الأهمية التي توجد لدى المجتمع المدني، فنجد أن هناك تقاطع يربط بين كل من المجتمع المدني والسياسي إرتباطا عضويا وبدرجات متفاوتة.

وقد حاول غرامشي أن يوضح الفرق الموجود بين الشرق والغرب متخدا مثالي كل من إيطاليا وروسيا نموذجا لهذا الفرق، وكذلك يرى بأنه إذا تيسر لروسيا الإستلاء على السلطة المباشرة دون أي عناء فذلك راجع إلى عدم إعتمادها على المجتمع المدني بشكل كبير.
فالمجتمعات الغربية أ صبحت بحاجة ماسة إلى القيام بعمل إيديولوجي طويل.
ولتحديد الكتلة التاريخية يجب الإعتماد على مجموعة من الروابط التي بدورها توجد بين القطاعين السياسي والثقافي وكذا بين البنى الإجتماعية والإقتصادية والقيام بدراسة حول أهم العوامل التي جعلت من هذه الروابط عضوية تسعى إلى تحقيق وحدة الكتلة التاريخية ، و هذه الروابط التي توجد بين البنيتين فقد كان أهم من ساهم في تحقيقها الفئة المثقفة لإعادة صياغة المفاهيم الإيديولوجية و نشرها.

هبة بوستة
في هذه الفقرة يتناول الطاهر لبيب في كتابه سوسيولوجيا الثقافة وخاصة في الفصل المتعلق بالمثقفون والطبقات الاجتماعية قضية مفادها:

  أن غرامشي كان ينظر إلى المثقفين  كونهم يعرفون من خلال الوظيفة الاجتماعية التي يمارسونها حيث أن هذا التعرف تجاوز المثقفين الكبار ليعم كل من له مكانة ووظيفة ضمن العلاقات الاجتماعية وذلك بالاختلاف وتعدد الأنشطة الفكرية، لكن المثقفون فيما بينهم تختلف مراتبهم وأهميتهم فبالنسبة له أن المثقف المبدع الذي يصوغ الأيدولوجية الخلفية أكبر وزنا من المنظم الذي يقوم بنشر وتقديم هذه الأيدولوجية وهذا الترتيب ليس كونه مطلقا يعني أنه لا يستند إلى القيم والمعايير الداخلية ، بحيث يعتبر الكاتب من رؤية أدبية على أنه كاتب مبدع بقدر ما يستند على مكانة المثقف ووظيفته في العلاقات   الاجتماعية.
   بحيث وضع غرامشي تساؤل، وهو هل يشكل المثقفون طبقة اجتماعية مستقلة قائمة بذاتها أم لكل طبقة فئة متخصصة من المثقفين؟
  والجواب على هذه الإشكالية، تتجلى في أن المثقفين لا يكوِّنون طبقة بل فئات مرتبطة فيما بينها ومتماسكة حسب درجات الاختلاف من الطبقات الأساسية بمعنى ذلك الطبقة التي استطاعت أن تهيمن على السلطة وقيادة الطبقات  ذلك مثل الطبقة البرجوازية والعاملة اي البروليتارية )ص38/599(.
  لكن نرى أن هناك  ارتباط المثقفين بطبقة مسيطرة وحاكمة نحو الحكم أو السلطة في فترة تاريخية معينة بحيث تتخذ كثرة الأشياء بتعقيدها وتنوعها وذلك يبرز غرامشي من هذه الاشكال شكلين هامين يوافقان  نوعين من المثقفين فالنوع الأول هو " المثقف العضوي" نعني به ارتباطه بطبقة متقدمة وهذا الارتباط هو ارتباط عضوي فهو مثقف الكتلة الجديدة أما بالنسبة للنوع الثاني المثقف التقليدي وهذا النوع مرتبط بطبقات اندثرت، أو يمكن القول بأنها في طريقها للاندثار، أي طبقة تنتمي إلى كتلة تاريخية سابقة .

كل طبقة اجتماعية تولد أصلا على أرضية وظيفية أساسية في عالم الإنتاج الاقتصادي تختلف عضويا وفي نفس الوقت الذي تولد فيه شريحة أو شرائح من المثقفين يزودونها بتجانسها وبوعيها لوظيفتها الخاصة لا في الميدان الاقتصادي فحسب بل في الميدان السياسي والاجتماعي أيضا فصاحب المعمل الرأسمالي خلق معه مجموعة من الموظفين منهم مهندس الصناعة وعالم الاقتصاد السياسي ومنظم الثقافة الجديدة والقانون الجديد وذلك باعتبار على أن الوظائف العضوية أو الوظيفة العضوية التي تخضع لتراتب وتقسيم حسب أهميتها كما أشرنا له من قبل وذلك في تكاملها بمستويات مختلفة بحيث استخرج ” ج.م.بيوتي ” التقنيون والوظيفة التي تشملهم كالوظيفة الاقتصادية ووظيفة هيمنة عن طريق العمل في مختلف الهيئات الثقافية أما الجانب العسكري والقضائي أو المثقفون كأفراد في الدولة فالوظيفة التي يمارسونها هي وظيفة إكراه لكن ليس على مجمل المثقفين فالبعض منهم هم اللذين يمارسون تلك الوظيفة ألا وهي وظيفة إكراهية.
نلاحظ أن المثقفين العضويين من زاوية الإختصاص في جوانب جزئية من النشاط العقلي والفكري داخل كتلة تاريخية. للعاملين فيها وذلك من اجل تماسكها ووحدتها فهذا بصفة عامة اما صفة خاصة او دراسة الحالات فتحول الى النمطية من وجهة نظر سوسيولوجية، فهناك حالتين من الضروري إبرازهما، وهما ان الطبقات الاجتماعية ليست هي التي تخلق مثقفين عضويين لها كما خلق مثقفين عضويين لا تعني ان كل الطبقات تمنحهم نفس الوظائف ونفس الاهمية فإذا كان الطبقة المهيمنة هي التي تلحق بها اكثر عدد من هؤلاء المثقفين وتسند اليهم كل التي تحتاج اليها فالبروليتارية او الطبقة العاملة تعتبر طبقة مهمة واساسية من إنتاج المثقفين العضويين على مستوى الهيمنة السياسية الإيديولوجية فإن الجماهير الفلاحين حسب رأي غرامشي )رغم ممارستها لوظيفة اساسية في مجال الانتاج لا تولد مثقفين عضويين خاصين بها ولا تستوعب أية شريحة من المثقفين التقليديين رغم ان طبقات اجتماعية اخرى تستمد عددا كبيرا من مثقفيها من جماهير فلاحين ورغم ان جزء كبير من
(المثقفين التقليديين هم من اصل فلاحي) 599/38(،
و ملاحظة غرامشي حول هذا الموضوع؛ أساسها مبني على معطيات الطبقة الفلاحية الإيطالية في عهده إذ يعتبرها طبقة غير موضوعة وغير مهيأة لقيادة المجتمع لأنها لم تنتج المثقفين سوى على المستوى الاقتصادي يعني الحرفي لا اكتر، مما يبين أن المثقف الاقتصادي غير مؤهل لقيادة المجتمعات، بناء على نظرة غرامشي.
عندما درسنا المثقفين من وجهة الكتلة التاريخية، نرى مقابل هذه الفئة وهي المثقفين التقليديين بحيث ان الطبقة المهيمنة تعمل على تهميشهم و ازالتهم بكونهم هم سبب في اللاتطور التاريخي كما هندسته او رسمته هي للمجتمع. بحيث ان المثقفون التقليديون المنتمون لطبقات زائلة لا يعتبرون أنفسهم مستقلين عن تلك الطبقات الاجتماعية بل انهم مرتبطين بها وباعتبار ان كل طبقة اجتماعية ظهرت الا وهي نتاج من البنية الاقتصادية السابقة التي تعبر عن مرحلة من مراحل تطورها. وكانت بعض الفئات من المثقفين يمثلون على أنهم ممثلي استمرارية تاريخية لم يحدث فيها انقطاعا رغم التغيرات الأكثر تعقيدا في الأشكال الاجتماعية السياسية، فحسب غرامشي ان المثقفون التي ينسبون لأنفسهم الاستقلالية فحسبه لأنها استقلالية وهمية بحيث ان لها نتائج سياسية و خلفيات أيدولوجية هامة و بحيث يعتبرون المثقفين كذلك على أنهم مستقلين و قائمين بذاتهم و لهم مميزات خاصة و باعتبار الفلاسفة أيضا انهم مستقلين عن الطبقات الاجتماعية و يمتلون نمط من الاستثمارية الفكرية كما تمتل كروتشي صلة وثيقة تشده الي ارسطو و أفلاطون و رجال الكنيسة يمتلون استمراريتهم التاريخية التي تبدأ من المسيح بحيث يمكن أن نعتبرهم فئة من المثقفين ذلك لارتباطهم عضويا بأرستقراطية الأرض و ذلك في تساوي بينها قانونيا و تقاسم في حق ملكية الأراضي الاقطاعية و امتيازات الدولة المرتبطة بالملكية) 600/38( وبالإضافة الي هذه الاستقلالية التي تعطي انتماء الي تنظيمات خاصة تؤيدها بالتماسك و التضامن و بالتالي اتضحت مهمة الطبقات التي تريد السلطة لكي تفهم أيدولوجية المثقفين التقليديين فالاستقلالية هنا نعني بها انتماء طبقي تم كشفه متل الصراعات بين حكم او سلطة الملوك و سلطة الكنيسة او الطبقة البرجوازية بعد التورة الفرنسية دلك يشبه حال المثقفين العضويين و هنا نجد الاختلاف كمتال على ذلك الطبقة البروليتارية فأنها لا تخلق مثقفين تقليديين و اذا كان متقفوا البرجوازية العضويين يمكن أن يصبحوا تقليديين في كتلة تاريخية بروليتاريا كمتال^ متقف الريف^ هو متقف تقليدي اما اذا كان ارتباطه عضويا فيكون راجعا للطبقة الحاكمة و مالكي الأراضي و مثقفوا الريف هم تقليديون و ذلك يرجع بالارتباط بالجماهير الاجتماعية الفلاحية و البرجوازية الصغيرة التي لم تدخل نظام الرأسمالي و لم تتأثر به فهذا النوع من المثقفين يلعبون دورا مهما لا من حيت السياسة و لا من حيت الاجتماعي. فدراسة غرامشي كانت دائما تدرس علاقات المثقفين بالطبقات الاجتماعية بحيث كان له دور مهم في السيسيولوجية و كذلك دراساته و تطرق ونرى ذلك في متاله على المسألة الجنوبية حول الوضع في الميزوجيورنو بحيث ان المناطق الجنوبية في إيطاليا تختلف عن المناطق الشمالية و السبب هو تفككها الاجتماعي و الاقتصادي الجغرافي يعني عدم الانسجام و التماسك والتفاهم بين الجماهير الفلاحية بحيث عندما نجد اللاتماسك بنت أفراد المنطقة ينتج لنا تفكك و التدهور الاقتصادي بين الجماهير اي الفئة النشيطة من الفلاحين ولقد كان المثقف الكبير يخدم أيدولوجية الي صاحب الملكية الكبيرة يعني ملكية الأرض و بالتالي فالفئة الوسطى من المثقفين كانت واسطة بين الفلاحين و الادارة المحلية و الدولة رغم اعتمادها على انشطة سياسية وايديولوجية يعني انها كتلة جماعية فلاحية وبالتالي تكونها من تلاتة فئات اجتماعية اولا شريحة واسعة من الفلاحين غير مندمجة و متفككة و تانيا مثقفوا البرجوازية الريفية المتوسطة و الصغيرة و اخيرا مالكوا الأراضي و المثقفون الكبار) 113/38( ، بحيث ينتمون الي طبقة مهمة و هي الميزوجيورنو و التي نعني بها طبقة برجوازية ريفية من صغار و متوسطي ملاك الأراضي الذين لا يعتبرون فلاحين و ذلك أن تلك الطبقة لا يعملون في الأرض بل يستحيون من تعاطي الفلاحية و لقد تولدت عنهم افكار اشمئزازية و غير صالحة اتجاه العامل الفلاحي و باعتبار كدلك ان الفلاح ليس متلهم فهو يمتل عنف تهديمي بالنسبة لهم يعني احتقار و تقليل من العامل الفلاحي لكن نرى من الجانب المثقفين انهم يقومون بنفاق مهذب و يلعبون في دائرة الخداع يعني خداع الفلاحين.
نرى بأن هناك اختلاف بين الجنوب و الشمال فالجنوب ينتج موظفي الدولة و أصحاب المهن الحرة التي نعني بها بالمهن و الخدمات التي يقدمها الشخص الي العميل اي المهنة التي لا يكون فيها لا مدير ولا مساعد المدير او تحديد وقت العمل وايضا لا وجود لراتب محدود في آخر الشهر بل العكس من دلك، انت بالنسبة للشمال ينتج الكوادر الفنية للصناعة يعني ارتباطها بالصناعة لم تخلق مثقفين عضويين خاصين بها وجدت نفسها تابعة وذلك بواسطة ” كتلة مثقفة ” الطبقة الحاكمة و المسيطرة بصفة عامة و للجانب الرأسمالي بصفة خاصة مجمل على أن هناك علاقة بين البنى الفوقية و البنى التحتية كما اشرنا له من قبل. فهده البنى ليست علاقة آلية مباشرة.
عندما نرى هذا التحليل نجد ان كل الطبقات لا تنتج مثقفيها عضويين او تقليديين وذلك باعتبار ان المثقفين كفئة لا أفراد لأنهم يتكونون ببطيء اكتر بكثير من اي فئة اجتماعية أخرى. فهذا النمط القديم شامل على المثقفين الدين يتكونون في وسط فلاحي وأيضا على الطبقة العاملة البروليتارية نفسها لأنها تكون مثقفيها بصورة تدريجية بطيئة فالعلاقة بين الفئات المثقفة و الطبقات الاجتماعية علاقة معقدة و السبب يرجع كونها علاقة ليست مباشرة و كمتال على ذلك الفئات الاجتماعية الأساسية يتوسطها الوجود الاجتماعي بمجمله و ترتيب البنى الفوقية الذي يمتل المثقفون موظفيه الفاعلين و التفسير لهذا ان ارتباط المثقفين بطبقة اجتماعية ما لا يتنافى مع نوع من شبه الاستقلالية نوعا ما لبعض مظاهر الإنتاج الفكري و ذلك سوف ينتقل من الحديث عن الأراء المتعلقة بالمثقفين الي الميادين الخاصة متل الأدب و الفن و لكن باعتبار الفنان و الأديب متقف بالمفهوم الذي تناولناه سابقا ، و بالتالي ظهر جدال بين وجهة نظر سوسيولوجية و وجهة نظر أدبية جمالية فلى نؤكد على الاعمال التطبيقية المرتكزة على العلاقة بين أنماط معينة من الإنتاج الفكري و البنية الاجتماعية. بل نكتفي على جلب مفهومين كما وضح غرامشي بخصوص علاقة المثقف بالطبقات الاجتماعية وايضا حدود التحليل السيسيولوجيي التي كانت موضوع سوء تفاهم و مشاكل خاطئة و غالطة.
بقلم الطالبة نوال خلوفي
✓قراءة في كتاب طاهر لبيب ” سوسيولوجيا الثقافة “

  • المحور الثاني: المقابلة الثانية ( محاولة التجاوز )
    يبين الطاهر لبيب في كتابه هذا ” سوسيولوجيا الثقافة ” خاصة في المقابلة الثانية ، كيف حافظت التعاريف الأنثروبولوجية المختلفة على المقابلة بين الطبيعي والثقافي أي بين ماهو بيولوجي وما هو مكتسب وإجتماعي، حيت اعتبر في هذه المقابلة أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يخلق الثقافة كما عبر عنها بتعريف هرسكوفيتس ( الثقافة هي ما يصنعه الإنسان في البيئة )، حيت أن الثقافة لا تكون إلا نتيجة إكتساب في الوسط الطبيعي و الإجتماعي، وأن هذا الإتفاق لا ينسى بعض المحاولات في الربط بين الثقافة وكذا الطبيعة البشرية، وبالعودة إلى التحليل الوظيفي عند مالينوفسكي يعرف هذه الطبيعة البشرية على أنها “الأسس البيولوجية للثقافة “، كما لاحظ أن ربط الثقافة بالحاجيات الأولية ليس جديدا وأن العامل الطبيعي أو البيولوجي يصبح شيئا ثانويا بالنسبة لعلم الثقافة قد سمى كلود ليفي ستراوس هذه المقابلة بالمقابلة الواضحة بين الثقافة والطبيعة، بحيت ان هذه الأخيرة هي معطى من المعطيات الإنسانية العامة، فالأساس والاهم هو المرور من الطبيعة الى الثقافة بحيت أن وسائل هذا المرور كثيرة ومتنوعة من أهمها اللغة باعتبارها وسيلة إتصال.
    ومن خلال محاولات كلود ليفي ستراوس ومالينوفسكي وضح الطاهر لبيب في هذه المقابلة
    محاولة التجاوز أي أنه عمل قطيعة كلاسيكيه بين الانسان والطبيعة، ومن خلال هذا تحولت الأنثروبولوجيا نفسها وأن هذه الأنثروبولوجية الثقافية حافظت على تهميش البعد الطبيعي البيولوجي مدعومة بالمقارنات بين الحيواني والانساني بحيت ثم اعتبار الانسان هو الكائن الوحيد والاحد الذي يخلق الثقافة لأن الثقافة شيء مكتسب وتكون بعد تجاوز البعد الطبيعي؛ لقد بين الطاهر لبيب انه في بداية القرن العشرين ميز كرويير بين ثلاثة ميادين اولهم ميدان اللاعضوي اي موضوع الدراسات الفزيائية و كذا الميدان الثاني العضوي موضوعه الدراسات البيولوجية والبسيكولوجية واخيرا الميدان مافوق عضوي وموضوع دراساته العلوم الاجتماعيه وهو الوحيد الخاص بالانسان كمبحث للثقافة وحامل للتاريخ ،حيت يرى المفكر الفرنسي إدگار موران ان كل إنسان هو كلية بيولوجية، بسيكولوجية وسوسيولوجية، قد ثم ابراز عضوية الارتباط بين الانسان والطبيعة بشكل واضح دون اي لبس لأن الإنسان هو الموضوع المباشر لعلوم الطبيعة، والطبيعة هي أيضا الموضوع المباشر لعلم الانسان، حيت اصبح نقد الأنثروبولوجيا موقفا كلاسيكيا، لكن لا يجوز اتكاء على انتقادها لأنه لا يمكن الخلط بين نقد الهيمنة الإستعمارية كمرحلة تاريخية وبين الفكر الذي أنتجته هذه الهيمنة الى درجة تقرير أنها علم كان يجب الا يكون ، وان التعاطي السليم مع الأنثروبولوجيا يجب ان يتم وفق طرق نقدية معينة، و انه يجب استحضار تطور هذا العلم حسب معطيات جديدة مع ابقاء المجال مفتوحا على إمكانية الرجوع، اي رجوعا استعماليا على الاقل الى الدراسات الأنثروبولوجية وهذا لا ينفي وجود تمايز بين الانثربولوجيا وسوسيولوجيا الثقافة، ويكمن هذا التمايز في طبيعة المجتمعات التي اهتمت بكل منهما في حين اهتمت سوسيولوجيا الثقافة بالظواهر الثقافية في المجتمعات ذات التركيب الطبقي لم يكن ميدان الأنثروبولوجيا غير المجتمعات المصوفة بالبدائية لأنها تدرس الانسان البدائي، والمشكلة على هذا الصعيد هي مشكلة التحول المفهومي والمنهجي من حقل الى حقل اخر ، حيت يرى الطاهر لبيب ان طبيعة العلاقة بين المعرفة والاطر الاجتماعية والتي يرجع فضل التنبه الى وجودها لأغلب الذين ساهموا في سوسيولوجيا المعرفة، حيت انها ظلت سطحية على مستوى التحليل وغامضة على مستوى الاعتبارات الفلسفية على الرغم من تنبه إميل دوركايم الى العلاقة الوثيقة في كل فترة بين الافكار المجردة لفكرتي الزمان والمكان بالبنية الاجتماعية المناسبة فإنه يسقط في روحانية مفرطة معتبرا التصورات الجماعية جوهرا للحياة الاجتماعية وان الدين أقدم الظواهر الاجتماعية كعامل توحيد بين الناس حيت تبقى اعمال كارل مانهايم من بين المحاولات التي أكدت على الترابط الوظيفي بين المعرفة والاطر الاجتماعية فهي تميز بين نوعين من النمط.
    ان سوسيولوجيا المعرفة عند غيرفيتش هي دراسة الترابطات الوظيفيه التي يمكن ايجادها في تراتب مختلف أنواع المعرفة واشكلها وكذا أنظمتها الداخلية … ويقدم طاهر لبيب تعريفا موجزا لسوسيولوجيا الثقافة مصدَّراً بعبارة “إيجازاً”، والتي تُلخص تبريرَه الاضطرارَ إلى تهميش بعض التيارات أو الأعمال ذات الصلة عند اعتماد معايير معينة لتحديد عناصر لتعريف سوسيولوجيا الثقافة. يقول التعريف: تحليل طبيعة العلاقة الموجودة بين أنماط الانتاج الفكري ومعطيات البنية الاجتماعية وتحديد وظائف هذا الإنتاج في المجتمعات ذات التركيب التنضيدي أو الطبقي. وهو تعريف يتضمن أربعة اعتبارات عبارة “أنماط الإنتاج الفكري” واضحة الدلالة على وجود أنماط مختلفة من الثقافة قد تتناقض مضموناً ووظيفةً في المجتمع الواحد أولاً، وعلى الانعدام العملي للتجانس الثقافي بالمعنييْن الفلسفي والأنثروبولوجي ثانياً. فلا توجود موضوعياً في المجتمعات ذات التركيب الطبقي “ثقافةٌ للجميع”. معنى هذا أن سوسيولوجيا الثقافة هي في نهاية الأمر سوسيولوجيا تَبايُنٍ في الثقافة وعدمِ مساواة في المجال الثقافي، والاكتفاء بالحديث عن المجتمعات المنضدة أو الطبقية هو على سبيل المثال لا الحصر. هو تأكيد من التعريف على تعبير الإنتاج الفكري عن مرحلة تمايز بين الأصناف الاجتماعية والاقتصادية. وعليه، فإن المجتمعات “البدائية” التي قصُرَت فيها أنماط الإنتاج الفكري عن بلوغ درجة كافية من التمايز تسمح بتصنيف ما، هي المجتمعات الوحيدة المستبعَدة من الحقل السوسيولوجي. الأمر الذي يفسر الصعوبة التي واجهت المشتغلين على هذا النوع من المجتمعات إبستمولوجياً ومنهجياً، وأيضا إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي غيرُ ذي بال من وجهة نظر تحليلية. المهم هو تحليل أشكال هذه العلاقة في مرحلة معينة لمجتمع معين، تحليلاً أغنى المناقشات المتعلقة بالروابط الموجودة بين البنيتين التحتية والفوقية، مناقشات رسّخَت فكرةَ التبادل الديالكتيكي القائم بينهما، ومكنَت في آن واحد، بفضل المساهمة المتطورة لسوسيولوجيا الأدب والفن في هذا الإطار، من تجاوز التصور الميكانيكي والمثالية و”الاقتصادوية”، فلم يعد مثلاً من معنى للتسليم بمبدأ “الانعكاس” المعتمَد لدى الطريقة الكلاسيكية المعهودة، والباحثة باستمرار عن علاقة مباشرة بين “مضمون” النص والواقع.
    وأيضا إبراز الوظيفة الاجتماعية السياسية التي يحوِّل لأجلها إنتاجٌ فكري معطياتِ الواقع، أهمُّ من مجرد تحديد الكيفية التحويلية ذاتها. فالأدوار التي يؤديها مثقفون لصالح أصناف أو طبقات معينة، عن وعي أو عن غير وعي لا فرق، هي من جهةٍ وظيفةٌ أساسية، وبُعدٌ من أبعاد العلاقة يستحيل تفسيرُ ظهور حدث فكري بدونها، وهي من جهة ثانية تحُل سوسيولوجياً مسألة “استقلالية” القيم الفكرية الجمالية، باكتشاف وظيفةٍ لاستمرارية هذه القيم أو لبعثها في ظروف تاريخية محددة.
    نستشف من خلال ما سبق
    أن الطاهر لبيب قد أبرز نوعية المساهمة السوسيولوجية في الميدان الثقافي بالنسبة لمراحل أنثروبولوجية وسوسيو معرفية سابقة، وخصوصاً في محورة إشكالية الكتاب حول اعتبار منهجي أساسي هو: لا تفسر الظواهر الثقافية أو الأيديولوجية بصفة عامة إلا في إطار علاقتها بالمعطيات الموضوعية لصيرورة المجتمعات.

.
ملحوظة : هذه القراءة أنجزت من طرف طالبات الفصل الثالث
لجنة تنقيح المفاهيم و اللغة :
عمر عمر – طالب حاصل على الاجازة في علم الاجتماع بني ملال
أسامة البحري طالب في الفصل الخامس علم الاجتماع
عصام أخيري أستاذ باحث في الفكر الاسلامي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد