هل تعود الحيتان الجواسيس في حرب باردة جديدة أم أن ظهور “بيلوغا” نافقا مجرد صدفة؟!
دنا بريس – نادية الصبار
هل سبق وسمعت عن الحيتان الجواسيس؟! قد يبدو السؤال لأول وهلة يحيل لقصص الخيال العلمي، ولكنها الحقيقة! فعلى مر التاريخ، استخدمت الدول تقنيات غير تقليدية لجمع المعلومات، بما في ذلك استخدام الحيوانات لأغراض التجسس. والحرب الباردة، على سبيل المثال، شاهد على ذاك؛ فقد تم تدريب الدلافين لأداء مهام سرية مثل الكشف عن الألغام البحرية.
خلال الحرب الباردة، كان استخدام الدلافين لأغراض عسكرية جزء من البرامج السرية التي ابتكرتها القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث بدأت البحرية الأمريكية في الستينيات بتدريب الدلافين لاكتشاف الألغام البحرية وتعطيلها تحت الماء، ويتم استغلال الدلافين لقدرتها العجيبة على تحديد الأجسام باستخدام السونار، وهو نظام الموجات الصوتية الذي يمكن أن يكشف عن الألغام والتجهيزات البحرية الأخرى.
تم تدريب الدلافين على مهام محددة مثل تحديد مواقع الألغام وتعطيلها أو حتى نقل المعدات الصغيرة، بعد تجهيزها بأطواق مزودة بأدوات استشعار لتسهيل تنفيذ المهام. وكان الاتحاد السوفيتي يطبق برامج مماثلة، حيث كانت الدلافين تُستخدم في عمليات بحث وتفكيك الألغام البحرية وتعطيل السفن بفضل قدراتها الخارقة التي تمكنها من أداء مهام سرية جدا وغاية في التعقيد.
إلا أنه مع انتهاء الحرب العالمية الباردة، أصبحت تلك البرامج موضوعًا للنقاش حول الأخلاقيات واستخدام الحيوانات لأغراض عسكرية، مما أدى إلى تغيير في السياسات وتحويل بعض البرامج إلى تطبيقات مدنية مثل البحث والإنقاذ.
العثور على حوت البيلوغا “هفالديمير” ميتًا في النرويج: هل هو بداية حرب باردة جديدة؟!
في تحول غير متوقع، عُثر على حوت أبيض بيلوغا يدعى “هفالديمير” ميتًا، نافقا، في خليج ريسافيكا بجنوب النرويج، يبلغ طوله 4.2 متر ووزنه 1225 كيلوغرامًا. مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان بوليغا تجسسيا، وربما الواقعة تعكس بحق تحولًا في العلاقات الدولية أو حتى بداية لحرب باردة جديدة!
هذا وكان الحوت قد لفت الانتباه لأول مرة في عام 2019، عندما رصد بالقرب من المياه الروسية وهو يرتدي حزاما مزودًا بكاميرا صغيرة وعروة معدنية تحمل عبارة “معدات سانت بطرسبرغ”، مما أثار تكهنات واسعة حول كونه أداة تجسس تابعة للروس.
أي نعم؛ وكما جاء في الديباجة، استخدمت الحيثان من طرف القوى الكبرى من أجل التجسس ولجمع المعلومات، ولبلوغ اهدافها قامت بتدريب الدلافين على مهام سرية خلال الحرب الباردة، لاكتشاف الألغام البحرية وتعطيلها، وهذا الاستخدام للحيوانات في الأغراض العسكرية كان يتم تحت مستوى عالٍ من السرية.
هذا وأفادت هيئة البث العامة النرويجية (إن ر كيه) إن الحوت عُثر عليه طافيًا يوم السبت، على يد صيادين كانوا في رحلة صيد. وقد أشار عالم الأحياء البحرية سيباستيان ستراند، الذي تابع حالة الحوت لصالح منظمة “مارين مايند”، إلى أنه لا توجد إصابات خارجية بارزة على الحوت، ولم يتضح بعد سبب نفوقه.
وحيث أثير في السنوات الأخيرة الجدل الذي أسيل حوله كثير من المداد حول استخدام الحيتان كأدوات للتجسس، راج مع العثور على حوت بيلوغا تكهنات حول كونه أداة تجسس تابعة للروس.
وبينما نُسبت إلى “هفالديمير” مزاعم التجسس، نفت وسائل الإعلام الروسية هذه الادعاءات وأكدت أن الحوت قد يكون هرب من مركز تدريب أو علاج. من جانبها، أكدت منظمة “مارين مايند” أن الحوت كان يتفاعل بشكل إيجابي مع البشر، مما يشير إلى استخدامه لأغراض علاجية.
وإجمالا تسلط قصة بيلوغا الضوء على كيف تتداخل الحقائق والأساطير، وتذكر بضرورة التحقق من المعلومات وفهم السياق الكامل قبل التسرع في استنتاجات حول تحولات سياسية أو عسكرية، ولو أن التوجسات تبقى مشروعة بالنظر لما تعرفه الساحة السياسية من صراع وتفكك وتلوح في الأفق احتمالات وقوع حرب عالمية ثالثة طاحنة وليست حربا باردة فقط، بل ساخنة جدا ودامية.