مذكرة رئيس الحكومة التوجيهية لإعداد مشروع قانون المالية.. مدخل لسياسة التقشف
دنا بريس – المصطفى الوداي
تنفيدا لمقتثضيات القوانين التي تحدد مراحل إعداد مشروع قانون المالية؛ راسل رئيس الحكومة وزراءه من أجل إعطاء مقترحاتهم المتعلقة بميزانية كل وزارة على حدا وخصوصا ما يتعلق بنفقات التسيير ونفقات الإستثمار، برسم الستة المالية 2025.
وتعتبر مذكرة رئيس الحكومة بمثابة خارطة الطريق التي ترسم الخطوط العريضة للسياسة الحكومية المتبعة في كل ما هو اقتصادي واجتماعي.
وحسب وجهة نظر الاقتصاديين والمتتبعين للشأن الإجتماعي وكل من زاوبته؛ فإن المذكرة التوجيهية لهذه السنة تختلف عن سابقاتها، من حيث المضمون؛ هناك من رأى في الامر نوعا من الإيجابية لكون رئيس الحكومة تراجع عن سياسته السابقة التي كانت تهدف إلى تحقيق الأهداف السياسية للحزب ومرد ذلك لاقتراب موعد الإنتخابات.
لكن من خلال قراءة المذكرة التوجيهية بتضح أن رئيس الحكومة حرص على ضبط نفقات التسيير بما فيها نفقات الموظفين مع تحديد الضروريات لمواكبة الأوراش الإصلاحية وتحسين الخدمات العمومية le service public، مع الإستغلال الأمثل للموارد البشرية وحسن توزيعها وانتشارها مركزيا وجهويا.
وركزت المذكرة على ترشيد نفقات التسيير المتعلقة باستهلاك الماء والكهرباء والإعتماد على الوسائل البديلة فيما يخص استهلاك الكهرباء.
كما ركز على تقليص مصاريف الاستقبلات وتنظيم الحفلات والندوات والمحاضرات واقتناء سيارات الخدمة أو المصلحة وأن آخر أجل لإيصال هذه المقترحات إلى مديرية الميزانية بوزارة المالية هو 31 غشت 2025.
اما فيما بتعلق بنفقات الإستثمار؛ فمذكرة رئيس الحكومة طالبت من أعضاء الحكومة إعطاء الأولوية للمشاريع المبرمجة على ضوء التعليمات الملكية أو التي تم توقيعها أمام الملك أو المبرمة مع المؤسسات الدولية المانحة للقروض.
كما تضمنت المذكرة الإجراءات المزمع اتخاذها لمواصلة إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية مع تعزيز موارد الدولة لتمويل السياسات العمومية. وعلى مايبدو؛ فمشروع قانون المالية لسنة 2025 لم يخرج عن المألوف وهو الحفاظ عن التوازنات المكرواقتصادية، وفي ظل محدودية مداخيل الدولة والإعتماد بشكل كبير على الضرائب، وتقلبات أسواق النفط وإكراهات الاقتصاد الوطني؛ فمن الطبيعي أن تأخذ هذه العناصر المهمة بعين الإعتبار في إعداد مشروع قانون المالية الذي بتم إعداده إعتمادا على توقعات فيها هامش الخطأ كبير لإرتباطها الوطيد بتقلبات الظرفية الإقتصادية العالمية والمناخية.
وعكس ما يتم الترويج له بأن رئيس الحكومة تراجع عن أهدافه السياسية وإعطاء الأولوية للشق الإجتماعي في مشروع قانون المالية لسنة 2025 بالزيادة في ميزانية دعم الفقراء والرفع من المبلغ الموزع على العائلات المعوزة، يبقى بعيدا عن التحليل الإقتصادي المنطقي، لأنه وحسب القراءات الإقتصادية للمذكرة التوجهية لأعضاء الحكومة لتقديم مقترحاتهم بالنسبة لمشروع قانون مالية 2025، فإن مطالبة رئيس الحكومة بترشيد النفقات والاستعمال المعقلن للموارد المالية والبشرية يبقى في حد ذاته نهج لسياسة تقشفية لمواجهة إكراهات الاقتصاد المغربي الذي يعيش الركود التضخمي، أي في ظل نمو اقتصادي ضعيف يتواصل التضخم وارتفاع الأسعار، وما ينتج عنه من ارتفاع في نسبة البطالة التي وصلت 14٪ و على المستوى الوطني و40٪ في صفوف خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس العليا، وهناك توقعات تأكد تدهور هذه الأرقام مستقبلا.
كذلك؛ فالتغييرات المناخية تأثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني والقطاعات الصناعية التحويلية المرتبطة ارتباطا وتيقا بالفلاحة التي تتحكم في النمو الاقتصادي.
هذا النمو يتدهور كلما ضعفت القيمة المضافة للقطاع الفلاحي في الناتج المحلي الوطني نظرا لتوالي سنوات الجفاف.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد ان لا شي تغير في السياسة الحكومية وأن قانون المالية وتحديد معدل مستوى النمو يبقى مرتبطا بسنة فلاحية في أجواء مناخية عادية ومحصول زراعي جيد، والواقع يقول عكس ذلك لأن المغرب يعيش جفافا منذ ستة سنوات.
وفي ظل المحافظة على نفس التقنيات في إعداد مشروع قانون المالية؛ فمن غير المستبعد أن يعيش المغاربة ظروفا اقتصادية صعبة في ظل التقلبات المناخية وقلة التساقطات المطرية، فحسب دراسات دولية ووطنية فإن 25 سنة القادمة ستعرف شحا مائيا حادا وانخفاضا في كميات التساقطات المطرية، كما أن أسعار برميل النفط مرشحة للإرتفاع في ظل وضع جيو سياسي ساخن تطغى عليه الحروب والصراعات بين القوى الكبرى العالمية وفي مختلف مناطق الكرة الأرضية.
وعموما؛ المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2025، لم تأتي بجديد فيما يخص الشق المرتبط بالإستثمارات وعلى وجه الخصوص الإستثمارات الصناعية الضخمة على مستوى البنية التحتية، والإنتاجية، والتي لا تساهم في خلق فرص الشغل وامتصاص البطالة في صفوف الشباب حاملي الشواهد ولا يساهم بقيمة مضافة مهمة في معدل النمو.
في ظل تدهور المؤشرات الإقتصادية والمرشحة للمزيد من التدهور مع استمرار الحكومة في مسلسل الخوصصة والتخلص نهائيا من صندوق المقاصة والتخلي عن قطاعات اجتماعية لفائدة الخواص؛ فمن المتوقع ان يعيش الاقتصاد الوطني أزمة ستلقي بظلالها على الطبقة الهشة والفقيرة بالرغم من الدعم الحكومي الذي يقع تحت رحمة المؤشر، وكذلك الطبفة المتوسطة التي تتدحرج نحو الطبقة الفقيرة
وتبقى المذكرة التوجيهية لرئيس الحكومة مقدمة للدخول في مرحلة التقشف وتزيار السمطة!.