أبو الغالي.. “ميثاق الاخلاقيات الذي يضعه حزبنا اليوم يأتي تنزيلاً للتوجيهات الملكية السامية
دنا بريس
تم اليوم السبت، الموافق ل11ماي الجاري، تنظيم أشغال الدورة الثامنة والعشرين للمجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، بقصر المؤتمرات الولجة سلا، وذلك مباشرة بعد المؤتمر الوطني الخامس والذي تمخضت عنه بشكل غير مسبوق؛ القيادة الجماعية للأمانة العامة ل”الجرار، يتقاسمها كل من محمد مهدي بنسعيد وصلاح الدين أبو غالي وفاطمة الزهراء المنصوري.
وقد ألقى بالمناسبة السيد صلاح الدين أبو الغالي كلمة القيادة الجماعية للأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة، وهذا نص الكلمة كما توصل به موقع دنا بريس:
“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدة المحترمة رئيسة المجلس الوطني للحزب،
الأخوات والإخوة أعضاء المجلس الوطني،
بسعادة كبيرة نلتقي بكم اليوم في فعاليات الدورة الثامنة والعشرين لمجلسنا الوطني، في دورة هامة، برهانات وتحديات جد دقيقة، سواء من حيث سياق عقدها، أو من حيث جدول أعمالها المؤسس لمرحلة جديدة من حياة حزبنا. إن قوة وأهمية هذه الدورة تكمن في انعقادها مباشرة بعد مؤتمرنا الوطني الخامس الذي عرف نجاحات مختلفة، بفضل مساهمة وانخراط جميع المناضلات والمناضلين، وتشبثهم بوحدة الحزب، وبقدسية حرية التعبير، فجسدت النتائج والمخرجات مرة أخرى قوة وتميز حزبنا في المشهد السياسي، باعتباره حزب احترام القانون، حزب النخب والمسار المتجدد، الحزب الحاضر بقوة في الساحة السياسية، الحزب المساهم في الإصلاح والتغيير.
الأخوات والإخوة المناضلون الأعزاء
إن النجاحات الجماعية التي حققناها خلال المؤتمر الوطني الخامس لحزبنا، يجب ألا تنسينا مسؤوليتنا الجماعية في ربح باقي الرهانات وتنزيل باقي الالتزامات، وعلى رأسها تأسيس هياكل ومؤسسات للحزب، قوية وديمقراطية وفاعلة، وكذلك الالتزام بقيم التأسيس النبيلة، والوفاء بتعاقداتنا وتعهداتنا التي قطعناها أمام المواطنين، والتحلي باليقظة السياسية في مواجهة التحديات التي يواجهها الحزب، بل ومجابهة التحديات الدولية والداخلية الجمة المطروحة على بلادنا والتي علينا الوعي أكثر بجسامتها وخطورتها، و تملك إرادة إصلاحية ونضالية عالية للانخراط في الجهد الوطني العام لمواجهتها.
فكما في علمكم نعقد هذا اللقاء وبلادنا تواجه وضعا دوليا جد متقلب يتجه نحو المجهول، بسبب أزمة دولية لم تعد تنحصر في حروب علنية فتاكة في مناطق من الغرب وفي الشرق الأوسط فقط، بل انتقلت إلى الصراع الحاد على الاقتصاد، وعلى التحكم في الموارد الأولية وفي المعلومة داخل هذا العالم الصغير، بواسطة حروب باردة حادة، وأخرى علنية قذرة استباحت المس بكل القيم الإنسانية المشتركة، وهدم كل المواثيق والقيم الإنسانية التي بنتها البشرية لعقود من الزمن، فبتنا نعيش أبشع مرحلة إنسانية عرفتها البشرية، مجسدة في صور الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني على مسمع ومرأى من القوى العظمى ومن كل المنظمات الأممية، وضدا في كل المواثيق والعهود، في وضع دولي مفتوح على كل الاحتمالات، وشظايا صراعاته وصلت كل الأمم والشعوب، فلم يعد هذا الوضع يقف عند حد السباق نحو المزيد من التسلح، أو التوجه الشرس نحو احتكار الطاقة، بل إلى التحكم في الموارد المائية وفي ثورة الذكاء الاصطناعي، وفي كل موارد العيش والحياة، في مقابل انهيار تام لأخلاقيات وأعراف العلاقات الدولية، ولقيم الحوار والتعاون بين الحضارات، ولمعنى الصداقات التاريخية، ولاعتبارات العيش الإنساني المشترك.
وأمام هذا الوضع الدولي المعقد والساخن الذي يتطلب قيادات عظيمة وكاريزمات وعبقريات تاريخية فذة، لا يسعنا في حزب الأصالة والمعاصرة سوى الإشادة بحكمة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره في تحصين بلادنا ضد هذه المخاطر، وتوجهه المبكر حفظه الله نحو إعادة بناء دور الدولة الديمقراطية والدولة الاجتماعية، وتقوية وحدتها الوطنية والتنموية، وتمتين قيم تضامن وتآزر شعبها، كخير سلاح لحماية نفسها، وللمقاومة الذاتية من أجل البقاء، وهي السياسة الحكيمة لصاحب الجلالة التي أكدت فاعليتها وأظهرت للعالم بلادنا كأمة عظيمة وعريقة أثناء معركة كوفيد 19 حين أحكم العالم إغلاق الأبواب والحدود، كما أظهرت نجاعتها أثناء مجابهة قدر زلزال الحوز العنيف الذي ضرب بلادنا.
لذلك، علينا في حزب الأصالة والمعاصرة أن نعي جيدا حجم هذه التحديات الدولية المتحولة، و علينا بالمزيد من اليقظة ومن الالتفاف بقوة وراء جلالة الملك نصره الله حول الوحدة الوطنية، باعتبار هذه الأخيرة صمام أمان استقرار وتقدم بلادنا، وسببا مباشرا للمكانة الاعتبارية والثقة الدولية غير المسبوقة التي تحظى بها، وأساس مراكمة انتصاراتنا الدبلوماسية، لاسيما على مستوى قضية وحدتنا الترابية، التي نسجل بارتياح كبير التفهم المتزايد الذي بات يحظى به الموقف الوطني وسط الرأي العام الدولي، و اقتناع العالم بعدالة قضيتنا، وأن ما تحققه القضية الوطنية من مكتسبات يجسده واقع التنمية التي تعيشها أقاليمنا الجنوبية، كما أن المشاركة السياسية المكثفة لأهالينا في الصحراء المغربية، هو خير استفتاء أنهى كل الادعاءات وزاد من هجوم الأعداء.
الأخوات والإخوة المناضلون المحترمون
تأتي دورة مجلسنا الوطني هاته في سياق وطني داخلي مطبوع بالكثير من التقدم والتطور، ومراكمة نتائج هامة في الإصلاح والتغيير في العديد من المجالات، بفضل التوجيهات الملكية السامية، ونتيجة تنزيل فاعل وجدي من الحكومة لهذه التوجيهات، الأمر الذي يسفر اليوم عن حصيلة إصلاح إيجابية وغير مسبوقة في تدبير الشأن العام ببلادنا، نتيجة حسن الاختيارات السياسية والديمقراطية التي أسست للتغلب على الصعاب الاقتصادية والجيواستراتيجية التي اعترضت عمل الحكومة طيلة السنتين الماضيتين، محققة بذلك نتائج جد مشرفة على كل المستويات، لعب فيها حزبنا ووزراءه دورا هاما باعتبار حزبنا الحزب المحترم لحلفائه، المنسجم مع قناعاته، الصادق في فعله والصريح في خطابه، الحزب المسهم في تقوية انسجام الحكومة، وفي تعزيز تضامنها، وفي الرفع من نجاعة أدائها، الحزب الذي وضع منذ البداية نصب عينيه هدف التضحية لخدمة قضايا المواطنين، ويعمل مناضلوه على عدم تضييع فرص الإصلاح والتغيير، وبالابتعاد عن الضرب تحت الحزام لحلفائه، أو الغرق في الصراعات السياسوية والمزايدات الفارغة مع المعارضة، مما أكسب حزبنا اليوم ثقة شعبية واسعة، ومكانة جد محترمة في الساحة السياسية.
الإخوة والأخوات المناضلات الأعزاء
إن فرص استثمار نجاح بلادنا في تنظيم مسلسلها الديمقراطي لسنة 2021، رغم التحديات الوبائية والدولية لاتزال قائمة، ولم يحقق هذا النجاح الديمقراطي كل مبتغاه حتى اليوم في جعل النقاش السياسي والديمقراطي في صلب الاهتمام الشعبي والمؤسساتي الوطني، لذلك ندعو كافة الفرقاء السياسيين إلى العمل على إحداث نقلة نوعية في ممارساتنا السياسية، والرفع من مستوى خطابنا، والاتجاه الجماعي نحو تعزيز مسارنا الديمقراطي، واستغلال جميع الوسائل الديمقراطية الحديثة، للتفكير في خلق جيل جديد من الإصلاحات السياسية الجريئة والعميقة، التي لا تواكب التطور التكنولوجي الجديد فحسب، بل قد تعيد للفعل الحزبي والسياسي جاذبيته، وتحدث رجة وسط المجتمع، لاسيما وسط الشباب وجيل وسائط التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار سنظل منفتحين على كل المبادرات السياسية الحزبية الصادقة في هذا المجال، بما فيها تفكيرنا في إطلاق ميثاق سياسي وتعهد سياسي جديد بيننا كأحزاب سياسية، ينكب على قضايا سياسية وديمقراطية حديثة، وعلى إصلاحات سياسية جديدة، التي تحتاج منا كفاعلين سياسيين فتح النقاش حولها بعيدا عن الضغوط الانتخابية، مما سيمكننا من بلورة إصلاحات سياسية عميقة، من شأنها تقوية حضور ودور الفاعل الحزبي والنقابي، والحد من تراجع الثقة بهما، واسترجاع مكانتهما الطبيعية في الوساطة.
حضرات السيدات والسادة
انطلاقا من المرجعية الحقوقية المفصلية لحزبنا المؤسس على تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى جعل قضايا حقوق الإنسان من القضايا الاستراتيجية في نضالاتنا اليومية، نؤكد بأن هذا اللقاء يعقد في سنة حقوقية متميزة وفارقة في تاريخ بلادنا الحقوقي، ذلك أن جهود بلادنا في مسار النهوض بثقافة حقوق الإنسان وحماية الحقوق والحريات، وقراءة أخطائنا بشجاعة نادرة وبناء مصالحة منصفة مع الضحايا، جعلها تحظى بثقة المجتمع الدولي وتترأس لأول مرة في تاريخها أعظم مجلس لحقوق الإنسان في الكون، مما يجعل بلادنا اليوم نموذجا حقوقيا يمنحه التاريخ فرصة أخرى للقيام بالإصلاحات الحقوقية المؤجلة، لترقى إلى مستوى روح الدستور ومستوى تطلعات صاحب الجلالة، علما أن لبلادنا من النضج والبناء المؤسساتي المتين ما يجعلها قادرة على فتح كل النقاشات الحقوقية. وما عبقرية جلالة الملك في وضع تركيبة متوازنة لهيئة مراجعة مدونة الأسرة إلا خير دليل على مدرسة الوسطية والانفتاح والتشارك التي تعتمدها بلادنا في مناقشة قضاياها الحقوقية الاستراتيجية، وبذلك، لا خوف على مستقبل بلادنا الحقوقي، ولا خوف على هذا المجتمع المتشبث بثوابته الدستورية، والمراكم للقيم والتربية الأصيلة عبر قرون، ولا يحتاج اليوم لمن يوصى عليه أو يحجر على عقله وفكره.
وفي هذا الإطار، نؤمن داخل حزب الأصالة والمعاصرة بأن هذه المرحلة يجب أن تكون محطة إعادة الإشعاع للملف الحقوقي ببلادنا، من خلال الانكباب على معالجة الكثير من الوضعيات العالقة في مجال حقوق الإنسان، لاسيما على مستوى حقوق المرأة والطفل، والقطع مع التردد في إقرار الحريات الفردية والجماعية داخل مشروع القانون الجنائي الجديد، والانفتاح على المواثيق الدولية والتجارب الحضارية، طبعا، يتم ذلك في إطار الاحترام التام للقيم التي توحدنا كأمة مغربية والتي أساسها الإسلام والعروبة والأمازيغية والصحراوية الحسانية، المعززة بالروافد الثقافية الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، كما يكرسها دستور المملكة.
الأخوات والإخوة المناضلون الأعزاء
إن النجاحات التي حققتها الحكومة بصفة عامة، والأداء القوي الذي بصم عليه وزيرات ووزراء الحزب بصفة خاصة، محققة بذلك مكتسبات غير مسبوقة في مسار بناء الدولة الاجتماعية، بفضل قرارات وتدابير حكومية دعمت الطبقات الشعبية الأكثر هشاشة في مجالات السكن والصحة وغيرهما، متوجة كل ذلك بنتائج غير مسبوقة على مستوى الحوار الاجتماعي الذي حقق مكاسب متعددة للشغيلة في القطاعين العام والخاص، بفعل حوار دائم دوري ومكثف مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، في نتائج جسدت الإرادة السياسية الحداثية والاجتماعية الصادقة للحكومة في سعيها نحو تحسين وضعية الشغيلة وتكريس الثقة لدى الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، وغيرها من المنجزات الاجتماعية بشكل لا يقل أهمية عن الأوراش الكبرى المهيكلة في مجالات الطاقة والطرق والموانئ والمطارات والمنشئات الرياضية والثقافية وغيرها.
غير أن كل هذه المنجزات يصاحبها شعور بعدم الإنصاف والاعتراف للحكومة بهذا الواقع المشجع على مواصلة مسار الإصلاح، كما نسجل أحيانا قساوة في الأحكام السطحية الشعبوية بل، ومع كامل الأسف بدأنا نرى أن هذه التفاهات الجديدة تنشر السوداوية المقيتة والحقد الشمولي، وبدأت تهدم مقومات التربية على المواطنة وتمس أحيانا بقيم التلاحم والتضامن الشعبي.
أيتها الأخوات أيها الإخوة الأعزاء
من مأساتنا، أو ربما من سوء حظنا في حزب الأصالة والمعاصرة، أننا تعلمنا من قيمنا التأسيسية أن الاعتراف بالجميل من شيم الكبار، وأن ثقافة الاعتذار إذا أخطأنا في حق أي كان من شيم العظماء، وأن قول الحقيقة مهما كانت مؤلمة يعد من أبرز مظاهر الوفاء بالعهود والالتزامات، وعليه نقول، أن الحصيلة الإيجابية التي حققتها الحكومة والتطور الفاصل الذي حققته بلادنا في الكثير من المجالات، لا يجب أن يخفي عنا استمرار مظاهر واختلالات اجتماعية غير مقبولة في مغرب اليوم، نقولها بكل صدق لأنفسنا ولمناضلينا أولا، ولكل الغيورين على وطننا ثانيا، ذلك أنه رغم وتيرة التنمية والتطور الهائلين اللذين طبعا العقدين الماضيين، فإن قناعة بلادنا، ملكا وشعبا، هي أن وتيرة التغيير لاتزال بطيئة، والإصلاحات الكبرى لا تنعكس في بعض الأحيان على تغيير الواقع المعيش لكثير من الفئات الاجتماعية التي لاتزال تغرق في الهشاشة، وتعاني قلة وسوء خدمات المرافق العمومية، كشفه زلزال الحوز، وقبله تقرير النموذج التنموي الجديد، حيث إن بعض السياسات العمومية الموجهة للفئات الاجتماعية الهشة كالمرأة في العالم القروي والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لاتزال محدودة النجاعة، ولاتزال الكثير من المناطق الجبلية تعيش الخصاص في التنمية، بل إن مظاهر الريع والفساد لاتزال قائمة في الكثير من المجالات، بما فيها المجال السياسي، واستفحال ظاهرة الاستنزاف الدولي لطاقاتنا ومواردنا البشرية المؤهلة، وغيرها من التحديات التي تفرض علينا في الحزب المزيد من التعبئة والجهد، سواء على مستوى خلق تصورات ومواقف فكرية متجددة من هذه القضايا، أو عبر إعادة تكوين نخبنا ومنتخبينا في الحزب للتعاطي معها بكل مسؤولية وجدية، وهنا نراهن على مشروع أكاديمية الحزب للتفكير الجماعي والتكوين، كمشروع استراتيجي واعد يراهن على الرفع من جاهزية حزبنا في القيام بأدواره الدستورية، وتحمل مسؤوليته الكاملة، فالحزب المسؤول هو الحزب القادر على بلورة المواقف والحلول لكل القضايا التي تهم الوطن والمواطن، واستغلال كل الفرص والآمال التي لاتزال قائمة اليوم من أجل المزيد من التطور والتنمية.
الأخوات والإخوة المناضلون الأعزاء
نعقد هذه الدورة برهانات حزبية داخلية جد كبيرة، لمواصلة بناء حزب المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة المكتب السياسي، بما يصاحب ذلك من تحديات ومسؤولية جماعية في انتخاب أشخاص مناسبين وقادرين على النهوض بالمهام المنوطة بهم، فنحن كقيادة جماعية مقتنعون تماما بأن التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة، الداخلية والخارجية التي تواجهها بلادنا والتي أشرنا إليها أعلاه، تشكل أمانة ثقيلة على المكتب السياسي الجديد، باعتباره هيئة مسؤولة على مواجهة كل هذه التحديات، وعلى تنفيذ مقررات الحزب المتفق عليها في المؤتمر الوطني والمجلس الوطني، وباعتبار المكتب السياسي هو المؤتمن على تدبير شؤون الحزب بين دورات المجلس الوطني، والمسؤول عن تتبع عمل الحكومة والبرلمان، والمطالب بالانكباب على التفكير الاستراتيجي في القضايا الطارئة، والمسؤول على تطوير الأداء السياسي والإعلامي والإداري والمالي للحزب، والمواكب الدائم للحياة الداخلية والتنظيمية للحزب جهويا وترابيا، والمؤتمن على وضع الاستراتيجيات المواتية لتوسيع قاعدة الحزب شعبيا وتعميق دائرة تفكيره الاستراتيجي وغيرها من المهام الجسيمة التي تتطلب حضورا فاعلا، وتضحيات جسيمة وحدا أدنى من المسؤولية. لذلك تأكدوا أن المكتب السياسي المقبل والذي ستصوتون عليه اليوم لن يكون في نزهة، بل سيكون فضاءا حقيقيا للعطاء ونكران الذات، وللعمل وتحمل المسؤولية الكاملة في سبيل تحقيق الأهداف والقيم الكبرى لحزبنا. فكل المناضلات والمناضلين، قيادة جماعية، ووزراء، وبرلمانيين، ومنتخبين، وأطر إدارية وإعلامية، مطالبون بمواصلة تنزيل هياكل التنظيم الحزبي على أسس الجدية النجاعة، مطالبون بتنزيل مشروعنا الفكري الاستراتيجي الواعد المتمثل في أكاديمة الفكر والتكوين، مطالبون بإعادة بناء المؤسسة الوطنية للمنتخبين على أسس تواصلية أكثر فعالية وعصرنة ونجاعة خدمة لقضايا المنتخبين وتعزيزا لروابطهم الحزبية، مطالبون بإعادة بناء منظمة شباب حزب الأصالة والمعاصرة، مطالبون بالإسراع بخلق تنظيمات موازية فاعلة وقادرة على مواكبة الاحترام الذي يلقاه الحزب داخل عدد من الأوساط الفكرية والمهنية والحرفية. فأجندة العمل والنضال مزدحمة، والمشاريع والمهام والمؤسسات متعددة، فقط تنتظر انخراطنا الجماعي في محطاتها المقبلة، حتى ننجح جماعيا في تكريس كل مقومات الحزب الديمقراطي الحداثي الحقيقي الذي تحتاجه بلادنا في الظرفية الراهنة بشكل لايقل عن ظرفية التأسيس، ولنبرهن من جديد لمن كان يراهن على نهاية حزبنا، بأن قوتنا لا تأتي من فوزنا بالمقاعد، بل تتجسد في نضالاتنا وعدم استسلامنا أمام التحديات.
حضرات الأخوات والإخوة الأعزاء
نعقد هذا اللقاء برهان عميق جدا، يرتبط بسؤال وطني عاد للساحة ولانشغالات بلادنا، ملكا ورأيا عاما، ويرتبط بمدى تكريس الأخلاق في الممارسة السياسية ببلادنا، هذا السؤال القديم الجديد الذي ظل على الدوام محط توجيه وتنبيه من قائد الأمة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، آخرها بمناسبة تخليذ الذكرى الستين للبرلمان خلال شهر يناير الماضي، حيث دعا حفظه الله إلى “ضرورة تخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم”، وقبله دعا حفظه الله في افتتاح البرلمان أكتوبر 2012 إلى ضرورة “الانكباب على بلورة مدونة أخلاقية ذات بعد قانوني”.
وتفاعلا مع هذه الرسائل الملكية الدقيقة، ومع قيمنا ومبادئنا التأسيسية نكون كأول حزب سياسي يضع ميثاقا للأخلاقيات، سنكون أمام مسؤولية أخلاقية جماعية. لأن ما يجب أن لا نتغافل عنه هو أن الفاعل السياسي قدوة في المجتمع، والقدوة الحسنة تحتاج إلى التحلي بالحد الأدنى من مبادئ المروءة والشهامة والنزاهة، والتضحية والاستقامة ووفائها لانتمائها الحزبي.
لذلك، نحن نؤمن في القيادة الجماعية للحزب بأن ميثاق الأخلاقيات لن يكون ترفا فكريا أو سبقا سياسيا نزايد به على باقي الأحزاب، بل سيكون ميثاقا ذا حمولات أخلاقية ملزمة، وهذا الرفع من مكانته هو ما جعلنا نتجنب إقرار مضمونه داخل المكتب السياسي، بل لمكانته الاعتبارية الهامة قررنا رفعه إليكم باعتباركم برلمان الحزب وضميره، لنعطيه بعده الأسمى ومفهومه الشمولي.
واسمحوا لي بهذه المناسبة، أن أثني كثيرا على مختلف الجهود النضالية التي يقوم بها مناضلونا ومناضلاتنا الأوفياء، وأن أقدر عاليا حضورهم الدائم في مختلف المواقع، والتزامهم بخدمة قضايا المواطنين بمسؤولية عالية وأيادي نظيفة، وبحضور وطني جد مسؤول، يشهد به خصوم الحزب قبل أصدقائه. وما الحضور والبصمة المتميزة لقيادتنا الحزبية أثناء فاجعة زلزال الحوز، ولجميع رؤساء الجهات وبرلمانيينا ورؤساء الجماعات الترابية من حزبنا وجميع المناضلات والمناضلين، وانخراطهم الكبير في الجهد الوطني العام للتخفيف من آثار الفاجعة، إلا دليل على المروءة والشهامة اللتين تتحلون بهما، وغيرتكم على المصلحة العامة للبلاد، فأنتم مرآة الحزب ووجهه المشرف، الذي يجعله في الريادة، ويراكم المزيد من ثقة المواطنات والمواطنين، فشكرا لكم على كل ما تقدمونه لوطنكم ولحزبكم.
حضرات الأخوات والإخوة المناضلون الأعزاء
ختاما، نؤكد لكم أن القيادة الجماعية للأمانة العامة للحزب تراهن على خروج دورة المجلس الوطني هاته منتصرة في القضايا المشار إليها أعلاه، وكذلك في تشكيل اللجان الوظيفية للمجلس الوطني، والتي نأمل أن تكون لجانا فاعلة ونشيطة تعزز من مكانة مؤسسة المجلس الوطني كأكبر قوة بعد المؤتمر الوطني، كما نؤكد مرة أخرى أن نجاح دورة مجلسنا الوطني هاته كأول دورة بعد المؤتمر الوطني الخامس بجدول أعمال حافل، سيضع لبنة أخرى في بناء حزبنا الديمقراطي الحداثي، وسيهيئ لنا شروط جعل حزب الأصالة والمعاصرة نموذجا سياسيا جيدا لجلب نخب شابة ونسائية وأطر وطاقات وطنية جديدة للعمل السياسي، بل سيسعفنا في الانخراط داخل المعركة الكبرى الأساسية وهي الإسهام الفاعل إلى جانب القوى الحية ببلادنا في مسيرة التنمية والتطور التي تعرفها بلادنا بقيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.”