في الحاجة إلى اعتراف شعبي واحترام للأمازيغ والأمازيغية
الطيب امكرود
بعد أسبوعين من التكوين المعمق، وبعد انقضاء العطلة الصيفية للموسم الدراسي 2002/2003، عاد مئات من الأساتذة إلى مقرات عملهم بمهمة جديدة، إنها تدريس اللغة الأمازيغية للتلميذ المغربي في مدارس الوطن.
خلال شتنبر 2003، وبعد عقود من المنع، سيصبح من حق الأساتذة الأمازيغ كتابة التاريخ على سبورات مدارس الوطن بأبجديتهم تيفيناغ، ولأول مرة سيتلقى التلميذ المغربي دروس لغة من أعرق اللغات في العالم، كان الشعور بالفرح كبيرا لدى من كان يتطلع للحظة تاريخية “هرم من أجلها الكثيرون”.
كنت من بين من تقدموا الصفوف، تلقيت التكوين الذي له قصة نجاح أخرى بكلميم، دشنت مهمتي الجديدة بمدرسة المسيرة الخضراء ببوجدور، بعد أيام معدودة ستشرئب أعناق من شحنوا بمختلف النزعات، وسيشرعون في التعبير عن موقف الرفض لما يسمونه ” الشلحة”.
في صباح يوم عمل، وما أن بدأت يومي، حتى سمعت طرقا على باب حجرة الدرس، فتحت فوجدت أما:
– السلام عليكم أستاذ -عليكم السلام -نتا تاتقري لولدي الشلحة -اييه – أنا ولدي ما بغيتو يقرا الشلحة – -أولا ما سميتهاش الشلحة، سميتها الأمازيغية، ثانيا، أنا هنا غير موظف كاننفذ السياسة ديال الدولة، غادي تمشيي للبيرو اللي حدا الباب راه فيه المدير، مادار معاك والو، سيري للنيابة، مادارو معاك والو، سيري للأكاديمية ، مادارو معاك والو سيري للوزارة، مادارت معاك شاي، غادي تكتبي للملك وتقولي ليه هاد ما بغيت ولدي يقرا الأمازيغية، هو اللي قرر نقريو الأمازيغية لأولادنا ودار ليها مؤسسة رسمية ف وسط الرباط مكتوبة سميتها بتيفيناغ.
طأطأت رأسها وانسحبت…
طيلة السنوات الأولى من تحملي مسؤولية تدريس اللغة الأمازيغية كنت أتلقى زيارات معدودة على رؤوس الأصابع من هذا الصنف، لبسطاء شحنت أدمغتهم بمختلف أصناف النزوعات، ومنها نزعة كره الأمازيغ والأمازيغية واحتقارهما واستصغارهما، وكنت في نفس الآن ألحظ التجاوب الكبير للتلاميذ الأبرياء مع لغة تستقر في لا وعيهم وفي قلوبهم والدلائل منتشرة على اليوتوب، لآباء لتلاميذ غير ناطقين من مختلف المناطق أذرف الدموع وأنا أستجيب لطلباتهم في نسخ القواميس والدعامات، مواطنون ومواطنون يستغربون كيف أن أبناءهم يتقنون تيفيناغ في أزمنة قياسية قبل الحرف العربي والحرف اللاتيني، تنطق ألسنتهم بسلاسة بالأمازيغية في بضعة أسابيع، يحررون وينتجون بتامازيغت قبل العربية والفرنسية اللغتان المدرسيتان اللتان تستهلكان الكثير من الجهد والمال.
إن المغاربة بمختلف انتماءاتهم الجغرافية، ومواقعهم ومسؤولياتهم، ولغات أمهاتهم…مدعوون اليوم، بعد ثلاثة عشرة سنة من الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية للمغاربة إلى جانب العربية، بعد ثلاثة وعشرين سنة من اعتراف أعلى سلطة بالبلاد بالواقع اللغوي والثقافي للمغاربة، بعد عقدين ونيف من العمل الدؤوب لكل السلطات من أجل تبويء الأمازيغية المكانة اللائقة بها، بعد عقدين ونيف من الجهد من أجل تصحيح كليشيهات كثيرة ما كرست إلا بُعد المغاربة العاطفي عن وطنهم الرائع المغرب، إلى الإقرار بكونهم مغاربة أقحاح لا مشارقة ولا غربيون، إلى قبولنا كما نحن، إخوة لهم، وقبول ذواتهم والمغرب كما هو: وطن رائع يتحدث أهله الأمازيغية بمختلف تنويعاتها، والدارجة والحسانية، وتحمل جيناتهم وألسنتهم وسحناتهم بصمات أجدادهم ومنهم الأمازيغ والأمازيغية ولو أنهم لا يتحدثونها اليوم…هؤلاء جميعا مدعوون إلى قبول وطنهم كما هو لا كما يحلمون أو كما حاول البعض تصويره لهم، فيستبعدون نزوعاتهم، وما تم شحنهم به من مختلف الأفكار والعقائد التي تبخس الوطن وأبناء الوطن، فكلما قشرت أحدنا لن تجد إلا أمازيغيا كما قيل.
إن ما يؤلم مواصلة عدد منا تبخيس الأمازيغية لغة و ثقافة وهوية وحقوقا، رغم دستوريتها، ورغم أن أعلى سلطة في البلاد بوأتها المكانة التي تليق بها منذ ثلاثة وعشرين سنة، ليواصل البعض، ممن يرفضون الأمازيغية ويسلكون من أجل ذلك كل السبل ولو اقتضى الأمر تلفيق الأعذار واختلاق التبريرات كما يفعل وسطاء الوهابية، ومن يمعنون في مسخ طوبونيميا الوطن لتشبه أوطانا لا وجود لها إلا في مخيلاتهم ….هؤلاء جميعا، وغيرهم كثير ممن يواصلون عدم قبولنا وأمازيغيتنا، مدعوون لاحترام الأمازيغ والأمازيغية في كل تمظهراتها، والاقتناع بكونهم وكونها قطعة منهم ومكون أساسي في كينوناتهم وهويتهم وثقافتهم وحضارتهم، وأنها جزء منهم وهم جزء منها، وامتداد لهم وهم امتداد لها، فيقروا بحقيقة لطالما حاول البعض إقبارها: أمازيغية المغرب وعموم شمال افريقيا.