مصطفى الحسناوي: قراءة سريعة في مطالبة أمير الدم “جواد الطود” بإعدامه
كما يكتب مصطفى الحسناوي
تناقلت منابر إعلامية، مطالبة “أمير” خلية شمهروش، يوم أمس، للمحكمة بإعدامه، لأنه لايريد أن يعيش بين جدران السجن حياته كلها، ساخرا ومستهزئا بحقوق الإنسان التي تمنع ذلك، ومعلنا تكفيره للقوانين والدولة والمجتمع، وهدد بالانتحار إن لم يتم إعدامه فورا.
الجديد في هذه القضية، أن المتهم يعترف بالمنسوب إليه، ولا يقول أنه بريء، أو تم توريطه، أو أن هناك أياد خفية في الموضوع… كما حدث مع المتهمين بتفجيرات الدار البيضاء، والمتهم في قضية أرگانة….، وهذا الاعتراف بهذا الشكل، حدث في مرات قليلة جدا، لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة، كما هو الشأن بالنسبة لخلية يوسف فكري، الذي ترافع عن نفسه في المحكمة وأعلن عقيدته وكفر القضاة.
مطالبة أمير الدم، جواد الطود، بإعدامه، تزامنت مع مقتل البغدادي، فهل هو اليأس والإحباط، من فشل مشروع أممي، تأسس على القتل والذبح والتفجير، أم هو الاعتراف بالخطأ، أم هو الندم؟؟
يبدو من كلمة أمير الدم المقتضبة، أنه غير نادم، ولا معترف بالخطأ، لأنه أعلن عقيدته التكفيرية وتشبث بها، متباهيا بالتكفير الدولة والمجتمع، لأن هذا سيعلي شأنه بين أصحابه، ويبقيه أميرا وقائدا وثابتا على الحق وموحدا، في نظرهم، وهي من الأمور التي يتباهى بها هذا الصنف من السجناء، ويزايدون على بعضهم فيها. التكفير ورفض التحاكم إلى القوانين.
يبقى في نظري اليأس والإحباط، هو الدافع وراء هذه المطالبة، اليأس بعد فشل مشروعه الشخصي، وفشل مشروعه الملهِم، (البغدادي ودولته)، وأيضا الخوف من طول أمد السجن، وربما تكون هناك دوافع أخرى، مثل احتقار السجناء والحراس لهم، وتهميشهم ونبذهم… خاصة أن جريمتهم الشنعاء، لاقت استنكارا واستهجانا واسعين، وظروف مثل هذه، لاشك ستدفع السجين للجنون والانتحار.
سخرية أمير الدم من حقوق الإنسان، ومحاولة الظهور، بمظهر المناصر للإعدام، الضارب بعرض الحائط تلك المطالبات بإلغائه، ستتغير مع الوقت، حين سيعاني من التضييق ومن الحرمان من حقوقه داخل السجن، وسيكتشف الفرق بين التنظيرات الفارغة، والممارسات والإكراهات الواقعية، وسيطالب بتدخل الجمعيات الحقوقية لحمايته ومساندته ودعمه…
تكفيره للقوانين الوضعية، هو مجرد شعار أجوف، لايدرك أبعاده وحدوده ومراميه، ولايعلم تفصيلاته، وإلا لماذا يطالب بتطبيق قانون الإعدام عليه، وهو قانون وضعي.
من المعلوم بحسب نصوص شرعية وقواعد فقهية، أنه لايقتل مسلم بكافر، وإن اختلف الفقهاء في من هو هذا الكافر، إلا أنهم أجمعوا أن المسلم لايقتل بالكافر الحربي.
ولكي نوضح للذين لايفهمون هذه المصطلحات، نقول أن هناك قواعد، تستثني المسلم من تطبيق حد القتل عليه، إذا قتل كافرا، واختلفوا في ذلك بتأويلات وتفسيرات وآراء عديدة، لكنهم اتفقوا وأجمعوا، على أن المسلم إذا قتل كافرا حربيا، أي مواطنا لدولة تحاربنا، حتى لو لم يكن عسكريا، فإن المسلم لايقتل أبدا.
فهل غابت مثل هذه الفتاوى على أمير خلية شمهروش؟ يستحيل ذلك، فهذا تخصصه ومجال عمله.
طيب هل السائحتين كافرتين حربيتين؟
نعم بحسب التفسير والتأويل الداعشي (وهو تفسير لم تخترعه داعش، بل هو موجود قبلها)، كل من ليس مسلما في هذا العصر، فهو كافر حربي، دمه وماله وعرضه حلال، لأنه لايوجد في زماننا من يعطي الأمان أو الذمة للكفار، وبالتالي كل الكفار عسكريين ومدنيين نساء وأطفالا شيبا وشبابا، حربيون بالأصالة، ينبغي قتلهم.
وحين قامت دولة البغدادي، أصبح الذميون والمستأمنون، هم فقط الذين تعترف لهم داعش بذلك، ماعداهم من غير المسلمين، هم كفار حربيون، من قتلهم في سوق أو مدرسة أو شارع، بأي وسيلة للقتل، فكأنما قتل بعوضة، لاشيء ولاحرج عليه.
فلماذا يطالب هذا الأمير، بتطبيق قانون وضعي عليه، قانون يساوي بين المسلم والكافر، ويقتص من المسلم إذا قتل كافرا، وأين مطالبته بتطبيق الشريعة، أم تراه يجهل هذا؟!
مايؤكد هذا التيه والتخبط والجهل، هو تهديده بقتل نفسه، إن لم يتم تطبيق الإعدام في حقه، فهل قتل النفس أصبح حلالا؟ وهل غاب عنه حديث الذي قتل نفسه في الحرب، لأنه لم يطق ألم الجراح، فكان جزاؤه جهنم.
إنه تخبط وضياع وتيه، يكشف هول الجهل المركب، الكارثة العظيمة، والأزمة العميقة، التي تعصف بكثير من شباب هذه الأمة، ثم يأتي من يقول لنا هذه كلها مسرحيات صهيونية وأفلام أمريكية، ففي أي مدرسة أمريكية أو إسرائيلية، تخرج هذا الأمير؟ (الذي يبدو وسيما بالمناسبة، ما يعني أن الإرهابي قد يكون وسيما متعلما غنيا بلحية أو بدونها بجلباب أو ببذلة…، بعيدا عن تلك الصورة النمطية الخاطئة المروجة).
فهلا وضعتم أصبعكم على مكمن الخلل، وشخصتم الداء، قبل الحديث عن حلول؟