سعيد العنزي تاشفين الناشط الحقوقي في منظمات وطنية ودولية.. يكتب عن كارنفال املشيل
إملشيل ؛ الكارنفال و الزّيف :
من حقوق الإنسان أن يستمتع الناس بالموسيقى و المرح ، و أن يخلّدوا الذاكرة وفاء للمشترك كما هو الحال بإملشيل الثابت على قاعدة التهميش ، رغم هذا التقطيع الترابي الجديد الذي أخضعه أولا إلى إقليم جديد يحمل إسم ميدلت ، و ثانيا إلى جهة مستحدثة تحمل إسم درعة – تافيلالت . و من أجمل المفارقات أن يحلّ الضيوف من كل حدب و صوب أثرياء و فقراء ، ملتحمين جميعا من أجل مشاركة أهالي الصقيع فرحة لا تعمّر كثيرا ، سيما أنهم على مقربة من فصل الصقيع و رحيل الرّضع في المخاض بعلة غياب المسالك و الطرق و انعدام شروط الرعاية الصحية و الإفتقار إلى ما يكفي من التطبيب . جميل جدا ، من باب العبث ، أن تخصّص الميزانيات بسخاء لموسم رجل ظل ضريحه يؤرخ للقهر الذي لحق إحدى أهم قبائل المغرب شهامة و بطولة ؛ فكيف لا و سيدي أحمد المغني لوحده ذاكرة تستحق النّبش على هامش الفرح المصطنع من لدن نخب الفرح ” المفبرك ” في حضرة السادة و الشعب ، لعل فؤوس التنقيب تبلغ مبلغ الحقيقة حيث لا بطولة أبهى من بطولة الأهالي هنا في قوالب القهر و انعدام التنمية .
إملشيل ذاكرة بطولة تهمس في أذن الوافدين للرقص على أشلاء الطفولة المهدورة ها هنا في قفار العزلة رغم ما يتيحه التراب من إمكانات هائلة للإقلاع لو حصل إدراجه في خارطة السياحة ، أو لو استهدفته السياسات العمومية بنزر قليل من الإهتمام من مدخل التمييز الايجابي لضمان الأدنى مقارنة مع وثيرة التنمية الحاصلة في باقي جهات الوطن العزيز .
تتغير الظروف و التهميش واحد ، و تنمحي الأصوات الصادحة من حناجر المهمشين من أبناء الدمع الذين تخلّدهم حكاية إزلي و تزليت ، أو إسلي و تسليت ؛ و الأمر سيان ما دام الدمع مرادفا للإستقرار في كل ثخوم الأطلس الكبير الشرقي حيث يبدو التهميش شامخا لكل الزائرين بلا خجل يُرتضى . الكارنفال هنا يواري شموخ التاريخ في قبر الجغرافيا إيذانا بالليلة الظلماء حيث يفتقد بدر التنمية التي لحقت كل ربوع الوطن العزيز باستثناء سفوح الأطلس الكبير هذا الذي يرقص كرما في وجه الوافدين لاستثمار ذاكرة سيدي أحمد لتفريغ شحنات الملل و الروتين بتوظيف الفلكرلة و بهرجة الضحايا ، ثم للحصول على قليل من نخوة ما تزال الأمكنة تزوّد بها الزوار حياء من شظف الإنحراف الأكبر الذي حلّ بمسميات عديدة أدناها الكارنفال .
إن إملشيل ، الذي كان تاريخيا ملحمة في وجه الغزاة بفضل صلابة الرجال الصناديد و شجاعتهم من عمق كل فسيفساء القبائل التي ما ركعت قط لنيران الكولونيالية عندما كان البعض يرافع لصالح الإصلاحات في كنف الإستعمار ؛ لتتشكل القناعة حديدية في كل ثخوم القفار هنا بمعية رجالات أفنوا عمرهم سخاء لصالح مجد الوطن الذي لا يزال يحيا في قلوب كل الأهالي من دون منة و لا أذى ؛ يستمر الوفاء منه رغم صخب الجحود من الذين يزفّون التهميش عريسا ؛ فبأي حزن الأهالي تكذبان !!
فماذا يستحق إملشيل البطل ، و كل النواحي الطرفدارية المحادية له ؟ ؛ في زمن الهندسة الترابية الجديدة ، و في زمن شعارات الهوية التي تحول التاريخ و اللغة و الطوبونيميا و الذاكرة و الفولكلور إلى ريع لصالح نخب المرافعات المؤدى عنها في السوق الثقافية المنحرفة عن مضامين الإنتماء الأصيل :
هل يستحق رفع التهميش و تنفيد سياسات عمومية منصفة لتطلعات الأهالي على قاعدة جبر الضرر الترابي ؟
أم تراه يستحق طريقا يريح الحوامل على غرار الطرق الرابطة بين حواضر المغرب المحظوظ ؟
أم أن الأولوية للشباب المعطلين و الذين لا يلقون ملاذا غير ” الشوانط ” للحصول على لقمة عيش مريرة على غرار مرارة المكوث خلف قفار الجغرافيا عرضة للصقيع و تجادبات المناخ المربكة لكل نبض أمل يكاد يموت في المخاض ؟
لعمري إن الوفاء للكرنفال ، على أشلاء جبر الضرر الجماعي ، الذي يستقطب كثيرا من السيارات الفارهة باللوحات الحمراء من سادتنا المسؤولين و من رؤساء الجماعات الترابية ، يليق حتى يتحول التهميش إلى أسطورة رقص جديدة على نغمات الوتر و بإيقاعات تناسب تضاريس الحبيبات الجميلات اللائي يرقصن على نغمات الحناجر الأمازيغية التي حولت ” تماوايت ” من صرخة تقض المضاجع ضد العزلة و القهر إلى نداءات بلا هوية على شرف الزيف ؛ لكنها هذه المرة أسطورة ، لا مراء ، من انحناء و غبن و وجع كبير .
كيف لا و كل جنبات الوطن حبلى بتحولات إيجابية تعانق التنمية ، على الأقل بمؤشرات التحديث ، على نقيض توقف التاريخ ها هنا بهذه الربوع التي تعاند حماس الزمن فتظل ثابتة لا تتحرك إلا عندما يلتحم الأهالي لحظة توديع جثمان طفل غادر خلسة بعلة انعدام الرعاية الصحية و غياب التطبيب ؛ و هنا يحصل الإحتفاء بعيدا عن البهرج الخداع . و يكفي ، لا غرو ، أن يجيء الكرنفال مجددا هذا العام ، في كنف الجفاف و الجفاء و ضعف منسوب التنمية ، ليجدد الرقص في حضرة الزائرين جحودا لكل تلك المعاناة التي تلازم جغرافيا الملاحم التي صنعتها قبائل أيت حديدو سليلة صنهاجة التي تلملم شتات ” يافلمان ” و ” دادا عطا ” و ” ” أيت زدك ” ؛ و باقي الشتات ، ضمن بوثقة فسيفساء منسجمة رغم ضجر الفَرق بين الفِرق ، و حسبي أن أعز ما يطلب ، في سياقات الجحود و النكران ، ليس إلا صون الذاكرة بعيدا عن تزوير عبق التاريخ بتجميل الجغرافيا بمختلف أشكال ” الماكياج ” فرحا بقدوم الوافدين الذين يستمتعون بضعة أيام ببريق المكان ، ثم يغادرون نحو مخمليات البريستيج ، و يظل الأهالي عرضة للموت بالتقسيط في كنف الصمت الذي تحوله الجبال المسيجة للمكان إلى صدَى و إلى أنين يقضّ مضجع كل الضمائر اليقظة بمحاذاة ما ألم بملاحم أيت حديدو من زيف تحت تداعيات البهرجة التي ترخي بضلالها ، في كل مرة و حين ، بتواطؤ مع ذاكرة دادّا أحمد ألمغني الذي يعبّر ، في كل وقت و حين ، عن رفضه المطلق لاستصغار التاريخ عبر تلميع الجغرافيا زورا ؛ لأن الأصح يقول : أن تعاد الكرامة إلى أرض المقاومين الذين انتصروا للوطن بلا تردد ، بدل أن يأتي الكرنفال ليلطخ الذاكرة بفرح مفبرك على جنبات شظايا الأهالي التواقين إلى ضمان الحاجيات الأولى في هرم ماسلو ، قبل أن يطالبوا بالرقص على نغمات الزيف بحضرة الوافدين لمشاركة الجغرافيا مكر التاريخ .
و ختاما ؛ سيظل إملشيل تلك الملحمة الخالدة في مخيلة الشرفاء في كل بقاع الوطن ، ملحمة تقف شامخة أمام بريق الكارنفال ، فلا تستسلم للزيف رغم صخب البروباغندا ، و لا تنحني لكل تزوير يطال ذاكرة دادا أحمد ألمغني . إنه ، بالأحرى ، إملشيل الكفاح و الممانعة الإيجابيّ دوما لصالح الوطن رغم ما تراكم من غبن خلف التهميش و الإقصاء الواضحين ، و على شرف الزائرين الوافدين من كل فج عميق للرقص خلف ضريح سيدي أحمد الذي يسخر من كل أشكال مكر التاريخ رغم ضجيج الفرح المفبرك بمحاذاة تطلعات الأهالي إلى رغيف خبز بكرامة تضمن المسالك و الطرق و طبيبا يخفف وجع المرض و عملا يمنح بصيص حلم لجحافل الكادحين و يحاصر تداعيات التفقير .
و كل عام و سيدي أحمد ألمغنّي يذكّرنا بأن عشق الوطن فوق زور الكارنفال ؛ فهل من مذّكر ؟!