مشاورات الرباط .. هل تُحرِّك الوساطة المغربية الدماء الجامدة في عروق الملف الليبي؟!
عبدالعالي الطاهري
بعد توقف الوساطة المغربية فيما يخص الملف الليبي الشائك٬ مع استمرار المتابعة الحثيثة لجلالة الملك محمد السادس والحكومة المغربية لمستجدات الوضع في الشقيقة ليبيا٬ ها هوالمغرب٬ ومن جديد، يدخل على خط الأزمة الليبية، ويسعى إلى جمع الأطراف المتنازعة للتوصل إلى مخرج من الواقع الحالي الذي تعيشه ليبيا، المتمثل في الانقسام ما بين شرق تسيطر عليه قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، وغرب تسيطر عليه حكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها، وحالة شدّ وجذب وكر وفر في صراع عسكري مستمر عطّل مسيرة البلاد التنموية، واستنزف مقدراتها وثرواتها وبشكل أعمق وأهم أرواح أبنائها.
هذه المشاورات، التي تستضيفها عاصمة المملكة المغربية الرباط، تتمثل في إشراف ووساطة على مستويات عُليا لإعادة إطلاق مباحثات بين طرفي الأزمة، هدفُها الخروج بنسخة منقحة من اتفاق الصخيرات الذي وقعته الأطراف الليبية في مدينة الصخيرات المغربية عام 2015، عقب مباحثات ومفاوضات استغرقت ثمانية أشهر، ونصّ على توحيد السلطتين المتنازعتين على الحكم منذ عام 2014 في حكومة وحدة وطنية، تعمل إلى جانب مجلس رئاسي، وتقود مرحلة انتقالية تمتدُّ لعامين، وتنتهي بانتخابات تشريعية؛ وعلى أن تكون طرابلس مقراً للحكومة التي يرأسها – بحسب الاتفاق – فايز السراج.
ويبدو أن الحكومة المغربية قد حضَّرت بشكل جيد لهذه المباحثات، وأنها تعمل على هذا الملف منذ شهر فبراير الماضي؛ وذلك للخروج بمبادرة تضمن تقريب وجهات النظر وتجمع الأطراف كافّةً على توجه نحو ليبيا جديدة يتمُّ فيها وضع حدٍّ للتدخلات الخارجية في شؤون البلاد حفاظاً على سيادة وهيبة أرض المجاهدين والعزَّة الشقيقة ليببيا، والتركيز على إعادة بناء الدولة وعلى مشاركة الأطياف والقوى الشعبية والسياسية كافةً٬ في أفق إعادة صياغة مستقبلها، بما يُلبي طموحات وتطلعات الليبيين الذين يعانون، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، ويلاتِ النزاعات والحروب والأطماع الخارجية في ثروات ومقدرات بلادهم.
وفي هذا الإطار يأتي وصول كل من رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري اللذين يمثلان طرفي النزاع؛ إذ تسعى الوساطة المغربية إلى جمع الطرفين بشكل مباشر وبحضور مغربي لبحث الترتيبات اللازمة للعودة إلى المسار السياسي، الذي حدّده مؤتمر الصخيرات٬ مع إمكانية إدخال بعض التعديلات عليه، وبما ينسجم مع التطورات التي حدثت على أرض الواقع منذ توقيعه حتى اليوم.
وعلى الرغم من نفي عبد الهادي الحويج وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية المؤقتة، والذي يرافق رئيس مجلس النواب في زيارته، وجود أي ترتيبات للقاءٍ يجمع وفده مع وفد المجلس الأعلى للدولة، وتأكيده أن الهدف من زيارة الوفد – الذي يشارك فيه – إلى المغرب هو حشد الدعم والتأييد لمبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية، إضافةً إلى تثبيت وقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية وفق ثوابت الشعب الليبي، إلا أنّ فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس البرلمان أكّد وجود نوع من الانفتاح على جوانب المسألة الليبية كافةً، وعلى المبادرات المطروحة لحلها بما في ذلك مبادرة إعلان القاهرة، ومُخرجات برلين الأخيرة، التي يمكن أن تكون جميعها قاعدةً للحوار والنقاش والخروج بحلٍّ تجمع عليه الأطراف كلها.
الوساطة المغربية التي تسعى إلى تحقيق خرق فاعل ومؤثر في حالة الجمود والتعنُّت التي تتسم بها الخلافات الليبية، تتمسك بأن يكون اتفاق الصخيرات محور النقاش باعتباره اتفاقاً مدعوماً من قِبَل الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2259، فضلاً عن أنه يمثل ثمرة اجتماع إرادة ممثلي أرجاء ليبيا كافةً، وهو مصدر شرعية المؤسسات القائمة في ليبيا حالياً، غير أنها في الوقت ذاته منفتحة على خيارات تعديل الاتفاق خصوصاً تلك البنود التي لم تعُدْ منسجمة مع الواقع والمتغيرات والتطورات التي حصلت في ليبيا.
كما تسعى المملكة المغربية، التي تحافظ على موقع محايد في الأزمة الليبية منذ اندلاعها، إلى حلٍّ عربي جماعي لها؛ حيث كانت تقدّمت ( المملكة المغربية) بمقترح للاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في 23 يونيو الماضي على مستوى وزراء الخارجية؛ لإنشاء فريق مصغر من دول عربية معنية بالملف الليبي، يتولى وضع تصور استراتيجي للتحرك العربي الجماعي للإسهام في التسوية الشاملة والنهائية بليبيا، مع الانفتاح على الأطراف الليبية كافةً، والاستماع إليها، وتقريب وجهات نظرها، وهي معطيات يمكن أن تُسهم جميعها في نجاح جهود الوساطة – التي يقوم بها المغرب حالياً، ويشارك فيها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ووزير الخارجية ناصر بوريطة -، في كسر الجليد وإعادة تحريك الدماء الجامدة في عروق الجسد الليبي٬ وهي الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا، والمحافظة على وحدة ترابها الذي تُهدّد التدخلات الخارجية بتفتيته.