“عيشة قنديشة”.. ثلاث روايات لقصة الكونتيسة اللعينة
أحمد رباص – دنا بريس
مهنتها صيدلانية، شغوفة بالتاريخ ومرشدة متطوعة في أيام تراث الدار البيضاء لمدة سبع سنوات، تعرفنا شاما خليل على مسقط رأسها من خلال قصصها وأساطيرها. بعد تأريخ أولياء الله الصالحين في المدينة البيضاء، نقدم في ما يلي حلقة إضافية للمتطلعين إلى المعرفة قصة عائشة، الكونتيسة اللعينة.
قبل الدخول في صلب الموضوع، يستحسن أن نعرف أن عيشة قنديشة (تحريف محتمل للقب السيدة النبيلة عائشة الكونتيسة contessa)، عيشة مولات المرجة (سيدة المستنقعات) لالة عيشة، عيشة السودانية أو عيشة الكناوية، جنية في الفلكلور الشعبي المغربي. تعتبر عيشة قنديشة من أكثر شخصيات الجن شعبية في التراث الشعبي المغربي حيث تتناولها الأغنية الشعبية ويزعم أنه حتى مجرد النطق بلقبها الغريب والمخيف قنديشة يجر اللعنة على ناطقها.
لقد نشأنا جميعًا مع تلك الحكايات المخيفة التي رواها الآباء والمربيات بكل سرور إلى المشاغبين والصاخبين منا، ولم نتردد في مقايضة الرعب المثار بالطاعة الشديدة.
كما أن المخيلة الشعبية المغربية خصبة للغاية. إنها مليئة بالحكايات والأساطير التي غالبا ما تؤتت الأمسيات العائلية. وأبرزها بلا شك عائشة قنديشة الشهيرة.
كشخصية متعددة الوجوه، هي في نفس الوقت سفيرة الجن، نصفها شيطان ونصفها الآخر بشري، امرأة زانية بأقدام ناقة أو زعيمة شجاعة لفي المقاومة، عائشة، مع أصدقائها بووعو، بوخنشة وبالغول (على سبيل المثال لا الحصر) ، لطالما سكنت كوابيس أطفالنا.
يقال إنه لا يجب النطق باسمها، مخافة التعرضً لخطر رؤيتها تظهر . إنها تسكن في الأنهار والأماكن المعزولة، بحثا عن رجال عازبين لتلتهمهم. لها من قوة الجاذبية ما يجعل أي شخص يمر بها مجنونا وكل رجل عاجزا عن مقاومتها.
من هي؟ هل كانت موجودة بالفعل أم أنها مجرد أسطورة أخرى من المخيال الجمعي؟
إليكم أسطورة الكونتيسة التي لعنها التاريخ والتي لا يزال مجرد ذكرها يثير خوف الأشجع فينا وبيننا.
يعد العثور على الأسطورة الحقيقية لعائشة قنديشة مهمة صعبة للغاية، حيث تتباين في عدد كبير من الإصدارات التي تختلف من منطقة إلى أخرى.
ومع ذلك، وفيما يتجاوز انتشار الخرافات المختلفة، تتفق جميع الروايات: على وصف صاحبة البانتيون الشيطاني المغربي بأنها امرأة ذات جمال ساحر ، ذات بشرة بيضاء وشعر أسود طويل. كما يقال إنها عاشت في القرن السادس عشر في مازاغان خلال الاحتلال البرتغالي.
تقول نسخة مبكرة من أسطورتها أنها كانت في الأصل كونتيسة لوزيتانية. سيكون اسم قنديشة تحريفا قام به السكان الأصليون لكلمة “condesa” ، كونتيسة بالبرتغالية. تم القبض عليها من قبل قراصنة مغاربة، ويُزعم أنها بيعت إلى شخصية بارزة، وقعت في حبها. كانت ستتزوج منه وفقا للتقاليد القرآنية وستأخذ عائشة اسمها المسلم الذي صار عائشة قنديشة.
كانت جريئة بحيث مشت في المدينة بدون حجاب، مرتدية فستانا أبيض بسيطا، مما أثار إعجاب الرجال وغيرة النساء. يقال إن جاذبيتها كانت قوية لدرجة أنها كانت تدفع أي شخص يصادفها إلى الجنون. ومن هنا أسطورتها.
هناك نسخة ثانية تجعل من عائشة امرأة مغربية من قبيلة أمازيغية في منطقة مازاغان. بعد أن فقدت زوجها الذي قُتل في اشتباك مع البرتغاليين الذين احتلوا المدينة، أقسمت على الانتقام له منهم والأخذ يثاره.، ظهرت في صورة فتاة مرحة، وقامت بإغراء ضباط العدو وذبحهم في وسط الغابة.
خوفا من أن تكون شجاعتها وبطولتها مثالا يحتذى به، يقال إن البرتغاليين نشروا حولها شائعات تقول أن عائشة، التي أطلقوا عليها اسم كونديسا ساخرين، كانت في الواقع جنية، أو كائن شيطاني يظهر للرجال في الليل تحت ستار شابة جميلة بأرجل ناقة ونادراً ما عاد التعساء الذين مروا عليها سالمين من لقائها.
أخيرا، هناك نسخة ثالثة تصف عائشة بأنها زعيمة حرب عصابات ومقاومة. باستخدام سحرها، سحرت الجنود البرتغاليين واستدرجتهم ليلاً إلى كمين حيث كان شركاؤها ينتظرونهم لإعدامهم. لمعاقبتها، زُعم أن المحتل قتل عشيقها وجميع أفراد أسرته، تاركا الشابة مصابة بالخرف، الذي سرعان ما أصبح قاتلاً. ترددت شائعات بأن البطلة المتشددة تحولت إلى وحش منتقم متعطش للدماء، يجول في الغابة ليلا ويفترس أي رجل صادفه في طريقه.
مهما كانت الوقائع صحيحة فإن قصة لورونا المغربية لا تترك أحدا غير مبال.
صمدت أسطورتها عبر الأجيال ولا تزال تلهم العديد من الفنانين الذين يجدون مادة خصبة في تاريخ عائشة لأعمالهم.
ظلت حاضرة جدا في التراث الموسيقي المغربي، وغالبا ما يتم الاستشهاد بها في أغاني طقوس حمادشة وكناوة، الذين يبجلونها، يذكرون اسمها في أغانيهم، كما لو انهم يريدون إضاء روح الكونتيسة المعذبة.
أهدت جيل جيلالة، الفرقة المغربية الشهيرة في السبعينيات، خصثت لها أغنية بعنوان “ليلا عائشة”.
يتم الاحتفاء أيضا بـالكونتيسة في الأدب والسينما. باعتبلرها ملهمة الكاتب الشهير الطاهر بن جلون في روايته “حرودة” لم يتردد في ان يجعل من بطلته غير المطابقة استعارة عن للمرأة القاتلة، وتجسيدا لـ “الاستيهامات الطفولية ورمزًا للمرأة التي بواسطتها كل شيء ممكن”.
في الفن السابع، تظهر عائشة كعلامة مائية للتأكيد على الغموض والسحر وما هو خارق للطبيعة. لعبت دورًا مركزيًا في أفلام “هي” لإبراهيم سكيري (2006) و”قنديشة” للمخرج جيروم كوهين أوليفر (2010).
تظهر هذه التعبيرات الفنية المختلفة الارتباط بهذه الشخصية، الأسطورية والمحظورة، التي أصبحت بمرور الوقت جوهرة ثقافية للتراث المغربي.
بالنسبة للكثيرين، عائشة قنديشة هي مجرد قصة أطفال بسيطة وستظل كذلك. بالنسبة للآخرين، ربما تكون قصتها أكثر سذاجة، حتى أن البعض منهم زعموا أنهم قابلوها من قبل.
وانت، ماذا تعتقد؟ هل كانت عائشة موجودة بالفعل؟
يقولون أن الوقت يكسر ويشتت الواقع، وما يتبقى يصبح ملحمة أوأسطورة … لذا فالأمر متروك لك للحكم … ما هو مؤكد هو أن الكونتيسة ستستمر في إبهار الصغار والكبار لفترة طويلة قادمة.